أفشل الأوروبيون مشروع أول دولة ديمقراطية عربية حديثة، تلك التي تأسست في دمشق عام 1918، وسقطت بعد عامين باحتلال الجيش الفرنسي لسوريا.
منذ ذلك الحين، بقيت الديمقراطية مطلب الشعوب العربية وخصم الحكومات الحليفة للغرب، وبقي الغرب يميل إلى التعامل مع حكام أفراد على التواصل مع حكومات منتخبة، ما يثير السؤال حول دور هذه الدول في إفشال الديمقراطية في العالم العربي.
العداء الغربي للديمقراطية العربية
مع انفجار الثورات العربية عام 2011، طُرحت أسئلة في أوساط النخب السياسية العربية والمثقفين وقادة المعارضة، حول الموقف الغربي إزاء الأحداث الجارية، وما إذا كانت الدول الغربية ستسعى للحفاظ على الأنظمة السلطوية أم أنها ستدعم عملية التحول الديمقراطي في المنطقة.
سقطت أنظمة وبقيت أخرى، إما بفعل الدعم الغربي أو بفعل غيابه، وما زال سؤال العداء الغربي للديمقراطية في العالم العربي محيرًا لدى أبناء الثورات.
وقد سعى العديد من الباحثين إلى تفسير تلك الظاهرة، وخلص بعضهم إلى أن الضبابية التي تصاحب في الغالب أي انتخابات ديمقراطية حقيقية، تهدد المصالح الإقليمية والدولية لتلك البلدان، مما يدفعها لتفضيل الحفاظ على الوضع الراهن، والحيلولة دون تناوب السلطة وتوالي الأحزاب على كرسي الحكم.
فهذه الدول تسعى لوجود نظام سياسي ثابت، معلوم النوايا والإستراتيجيات في الدول العربية.
القرب من إسرائيل
يرى المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة في كتابه "الانتقال الديمقراطي وإشكالياته"، أن تأثير التدخلات الخارجية المعرقلة لعملية التحول الديمقراطي، يتزايد أو يتناقص وفقًا لأهمية الدولة الجيو-إستراتيجية، فتكون أقل تأثيرًا إذا كانت البلاد التي تشهد عمليات التحول أقل أهمية من هذه الناحية، لا سيما في ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي وإنتاج النفط.
ويتوقف بشارة عند هذه النقطة باعتبارها أحد أهم الفروق بين التجربتين المصرية والتونسية، حيث كان العامل الخارجي المعوّق للانتقال أقوى فاعلية في مصر بحكم قربها من إسرائيل، لأن تعاقب الأحزاب هناك سيجعل من العسير على الغرب تقدير موقفها إزاء الاتفاقيات مع إسرائيل.
سقطت #دمشق وانتهت الحكومة العربية السورية.. هكذا رحل الملك #فيصل_بن_الحسين بأمر فرنسي في 28 تموز/ يوليو عام 1920.#الحكومة_العربية_في_دمشق#وثائقيات_العربي pic.twitter.com/C33ili0sNV
— التلفزيون العربي (@AlarabyTV) December 8, 2020
وفي السياق ذاته، لعبت مسألة القرب من إسرائيل، وعلاقة الأنظمة بها، دورًا محوريًا في تحديد الدعم الغربي للثورة السورية مثلًا؛ حيث ظن السوريون وفق مارك لينش، في كتابه "الحروب العربية الجديدة"، أن الدول الغربية ستساهم في إسقاط نظام الأسد بعدما رأوا أن الغرب والناتو تدخل عسكريًا لإسقاط نظام معمر القذافي عام 2011، لكن ذلك لم يحدث.
إفشال التحول الديمقراطي
في هذا السياق، يرى رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا عبد الوهاب الأفندي أن الدول الغربية في ما بينها تشهد تنافسًا كبيرًا حول مفهوم الديمقراطية.
ويشير الأفندي، في مداخلة له من استديوهات "العربي" في لوسيل، إلى أن بعض الدول الغربية تعتبر أنه لا يمكن إعطاء الديمقراطية لـ"البربريين"، وهذا تفكير نابع من نظرة عنصرية.
وإذ يوضح أن الغرب أنهى تجربة الديمقراطية العربية في سوريا عام 1918، يشدد على أن هذه التجربة كانت شبيهة بما حصل في تونس وإيران أيضًا بداية القرن العشرين.
ويلفت الأفندي إلى أن "الأزمة عند الغرب أعمق من فكرة المصالح فقط، بل هي فكرة موجودة بأن الدول العربية والإفريقية يجب أن تبقى خاضعة".
مصالح استعمارية
من جهتها، ترى أستاذة العلوم السياسية في الجامعة التونسية والعضوة المؤسسة في المرصد التونسي للانتقال الديمقراطي أسماء النويرة أن "الغرب ليس وحدة متجانسة يمكن تحليلها بشكل شامل".
وتؤكد النويرة، في حديث إلى "العربي" من تونس، أن "ما يحكم الدول العربية بالغرب هو النظرة الاستعمارية، حيث لا زلنا نعيش في دولنا الإرث الاستعماري بأشكال مختلفة".
وتوضح أستاذة العلوم السياسية أن "الديمقراطية في أساسها لم تكن نظامًا يُدافع عنه إلا في السنوات الماضية على عكس بداية القرن العشرين".
وتقول: "الظروف تغيرت اليوم وعلينا ألا نختبئ وراء إصبعنا عبر رمي المسؤولية كلها على الدول الغربية بأنها أفشلت المحاولات الديمقراطية، بل علينا تحمل مسؤوليتنا التاريخية".