غزت المنصات الرقمية ملايين المنشورات التي تروج للخطاب الطائفي إبان اندلاع أحداث العنف في الساحل السوري على مدى عشرة أيام خلال مارس/ آذار الماضي، حيث لم يكن ذاك الخطاب عفويًا.
وكشف تحقيق لوحدة المصادر المفتوحة في التلفزيون العربي كيف تحولت أحداث الساحل السوري إلى وقود لحملة ممنهجة قادتها جيوش إلكترونية متعددة الولاءات بهويات مفبركة، ولغة طائفية واحدة.
صفات اللجان الإلكترونية
في السادس من مارس الماضي وحتى 16 منه جرى خلال هذه الفترة رصد أكثر من 13,000,000 منشور، بمشاركة 3,662,000 حساب بجميع اللغات وعبر مختلف منصات ومواقع الفضاء الإلكتروني.
لكن اللافت لم يكن فقط حجم التفاعل، بل طبيعته، فعند استبعاد المحتوى الإخباري والمواقف المؤيدة للإدارة السورية، ظهر أن أكثر من 2,760,000 حساب على منصة إكس وحدها، شاركت في النقاش المهاجم عبر ما يزيد عن 9,900,000 تغريدة، بينها حوالي 680,000 تغريدة أصلية فقط صادرة عن 270,000 حساب تقريبًا، وهو ما يعزز فرضية وجود نسبة كبيرة من المحتوى المضخم في النقاش.
وبعد عملية فلترة للحسابات التي لا يتجاوز عدد متابعيها 100 متابع، وهي إحدى أبرز صفات اللجان الإلكترونية، جرى رصد حوالي 836,000 حساب يحمل هذه الصفات.

ومن خلال تحليل لغات النقاش المهاجم للحكومة السورية، تصدرت اللغة الإنكليزية بنسبة 58%، تليها اللغة العربية بنسبة 33%، ثم الفرنسية والألمانية والتركية بنسب أقل.
"تعزيز الطائفية"
وتركز النقاش باللغة العربية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، كما ظهر أيضًا في دول أجنبية مثل الولايات المتحدة وألمانيا وتركيا وكندا. بينما تصدرت الولايات المتحدة النقاش باللغة الإنكليزية بنسبة 56%، تليها بريطانيا بـ10%، والهند بـ7%.
وقد تضمنت غالبية هذه المشاركات كلمات أساسية تهدف إلى تعزيز الطائفية داخل المجتمع السوري مثل إبادة وإرهاب والطائفة العلوية، كما تم الترويج لعدد كبير من الوسوم لنفس الغاية.
لدراسة هوية الحسابات المشاركة، والجهات التي تقف وراءها، رسمت وحدة المصادر المفتوحة في التلفزيون العربي شبكة لعينة مكونة من حوالي 33 ألفًا و270 حسابًا وأظهرت النتائج ثلاث مجموعات رئيسية تضمنت آلاف الحسابات الناطقة بالعربية، إلى جانب حسابات إسرائيلية وأخرى موالية لإيران، بالإضافة إلى حسابات سورية بهوية علوية داعمة لنظام بشار الأسد، وحسابات كردية.

كما تشاركت في المجموعة الثانية، حسابات داعمة لروسيا بشكل أساسي، إلى جانب حسابات داعمة لإسرائيل باللغة الإنكليزية، بالإضافة إلى حسابات غربية وأوروبية تبنت أفكار اليمين المتطرف.
وقد رددت الحسابات الإسرائيلية المشاركة في هذا النقاش الرواية نفسها المهاجم للإدارة السورية الجديدة، وحاولت وصمها بالتطرف والإرهاب.
لكنها تميزت عن غيرها بدعواتها الصريحة، إلى تقسيم سوريا على أسس طائفية بشكل واضح، وكان اللافت اختراقها للنقاش باللغتين العربية والإنكليزية على حد سواء، كما قادت النقاش بعض الحسابات المركزية مع تضخيم للمحتوى من قبل اللجان الإلكترونية.
وتنوعت هذه الحسابات بين حسابات ذات توجه إسرائيلي ومروجة لرواية الاحتلال، ونشطاء مطبعين، وحسابات إسرائيلية شخصية، وحسابات إسرائيلية رسمية.
"حسابات إسرائيلية"
كما جرى رصد حسابات إسرائيلية مركزية ناطقة بالإنكليزية، حاولت الترويج للرواية نفسها الداعية إلى تقسيم سوريا، والتي تم التفاعل معها وتضخيمها من قبل حسابات الذباب الإلكتروني التي تعمدت تضخيم المحتوى من خلال إعادة التغريد للحسابات الناطقة بالعربية والإنكليزية.
وجميع هذه الحسابات اتسمت بهوية مفبركة، أو بعدم وجود هوية أساسًا، بالإضافة إلى عدد متابعين ضئيل.

بالمقابل، فإن الحسابات الموالية لإيران وحزب الله اللبناني والحوثيين، إلى جانب الحسابات الداعمة للحشد الشعبي العراقي، روجت بدورها لخطاب معاد لفصائل المعارضة لنظام الأسد، وهاجمت الإدارة السورية الجديدة، كما شاركت في نشر بعض الانتهاكات الفردية، مصورة إياها على أنها تطور واسع للأحداث السورية بعد سقوط نظام الأسد.
وفي تحليل التفاعل على الحساب المركزي "همام شعلان"، الذي تصدر قائمة التفاعلات المهاجمة للإدارة السورية، لوحظ وجود واضح للجان الإلكترونية التي تعمدت التفاعل مع تغريداته بهدف تضخيم محتوى النقاش.
أما الحسابات العلوية فقد شاركت في النقاش باللغتين العربية والتركية، حيث ظهرت مدافعة عن حقوق العلويين في سوريا، وداعية الأطراف الدولية إلى التدخل بحجة التطهير العرقي للأقليات في البلاد.
وقد كان تفاعل بعض هذه الحسابات مع حسابات إسرائيلية رسمية تروج للرواية الإسرائيلية بشأن سوريا، بينما أظهر تحليل التفاعل لحساب مركزي من بينها، انتشارًا واسعًا للذباب الإلكتروني ضمن حملة منسقة، هدفت إلى تضخيم المحتوى.
أما المجموعة الرابعة من حسابات الشبكة، فقد تضمنت حسابات يهودية كردية هاجمت الإدارة السورية الجديدة، ومارست التحريض الطائفي ضد الأقليات في الساحل، كما تفاعلت أيضًا مع حسابات إسرائيلية وحسابات تروج للرواية الإسرائيلية من خلال إعادة التغريد.

وبطبيعة الحال عثر على منهجية التضخيم نفسها لهذه الروايات عبر لجان إلكترونية عمدت إلى التفاعل لتضخيم النقاش.
حسابات داعمة لروسيا
بدورها فإن الحسابات الداعمة لروسيا شاركت بالآلاف في دعم النقاش المهاجم للإدارة السورية، حيث وصفت الإدارة السورية الجديدة بالتطرف والإرهاب والوحشية، وروجت لأحداث الساحل على أنها تطهير عرقي ضد الأقليات في سوريا، كما روجت لفبركات ونظريات تدعي دعم الإدارة السورية من قبل جهات أجنبية مثل الناتو والغرب وأميركا والموساد وإسرائيل.
ولم يكن مستغربًا، كما في النتائج السابقة، ظهور الحسابات المجهولة التي حاولت تضخيم المحتوى، وخاصة عبر إعادة التغريد.
أما الحسابات الغربية اليمينية المتطرفة التي ظهرت في الشبكة فتألفت من حوالي 3969 حسابًا تقريبًا، قادتها حسابات معروفة بميولها ضد المسلمين والمهاجرين.
وقد روجت هذه الحسابات لرواية اضطهاد الأقلية المسيحية في سوريا، ونادت بطرد السوريين إلى بلدهم، كما ضخمت شائعات هدم الكنائس في سوريا، وهو ما نفاه بيان صادر عن الكنائس المسيحية في سوريا، ومسؤولين مسيحيين.
ومن جديد، تم تضخيم تغريدات تلك الحسابات بشكل منسق، ولوحظ كذلك ارتفاع ملحوظ في معدل الحسابات المنشأة بالتزامن مع تطورات الأحداث في سوريا، مما يشير إلى استخدامها بشكل مخصص لتضخيم النقاش.
في النهاية، فإن التحقيق الرقمي للتفاعل حول أحداث الساحل في سوريا، الذي أعدته وحدة المصادر المفتوحة في التلفزيون العربي، كشف عن حملة ممنهجة سعت إلى تمرير سرديات تهدف إلى تقسيم البلاد، بالإضافة إلى تعزيز الخطاب الطائفي من خلال دعم ملحوظ للجان الإلكترونية بهدف تضخيم المحتوى والترويج لروايات مزعومة.
تجدون في الفيديو المرفق تحقيق خاص للتلفزيون العربي يكشف دور اللجان الإلكترونية في تأجيج نار الطائفية في سوريا خلال أحداث الساحل السوري الدامية خلال مارس/ آذار الماضي.