مستغلّة الثغرات الأمنية وتصاعد الخلافات الداخلية، وسّعت تل أبيب نفوذها في الأجواء والأراضي السورية، وتعهدت بتنفيذ مزيد من الهجمات ضد أهداف داخل البلاد، متذرّعة تارةً بحماية الأقلية الدرزية، وتارةً بالحفاظ على المنطقة الأمنية وجبل الشيخ، أو ضمان بقائهما خاليَين من السلاح أو من الجماعات التابعة لسلطة دمشق.
في المقابل، يبدو أن المشهد في دمشق لا يزال ضبابيًا بالتوازي مع وفرة الخيارات الصعبة التي تركتها الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على طاولة القيادة السورية، والتي أفرزت مزيدًا من التحديات.
الهجمات الإسرائيلية على سوريا
أبرز هذه التحديات، كيفية الرد على كل هذا، في ظل تعقيدات الأبعاد السياسية، إلى جانب عجز حكومة الرئيس السوري أحمد الشرع الوليدة عن حسم الثغرات الداخلية، وتعزيز جبهتها الداخلية حتى الآن، لتظل تعول على الدبلوماسية، وسط غياب مواقف تتجاوز التنديد؛ من الحلفاء، وعلى رأسهم أنقرة.
من جهته، حض مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، إسرائيل على الوقف الفوري لهجماتها على سوريا، وعبر عن إدانته الشديدة للانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة والمتصاعدة بحق السيادة السورية.
بينما نددت دول عربية وإقليمية عدة بالهجمات، محذرة من المخاطر الوخيمة للسياسات الإسرائيلية في المنطقة وتسببها في تأجيج الوضع الإقليمي.
"سياسة سورية متوازنة"
وفي هذا الإطار، يرى مدير البحوث في مركز "عمران" للدراسات الإستراتيجية معن الطلاع، أنه لم يكن أمام دمشق إلا الخيارات السياسية والدبلوماسية للاستعداد للحظة كهذه، بسبب التحديات التي خلفها سقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد، والتي تحتاج إلى سياسات وإستراتيجيات وإمكانيات.
ويذكّر، في حديث للتلفزيون العربي من دمشق، بأن مضامين الخطاب السياسي الصادر عن غرفة "ردع العدوان" لحظة التحرير كانت تؤكد أن سوريا لن تكون مصدر قلق أو نزاع للآخرين، ولن تكون ساحة للتنازع.
وتابع الطلاع أن سوريا حرصت على إيجاد سياسة متوازنة حتى في السياسة الخارجية، مشيرًا إلى أن دمشق فتحت علاقات مميزة مع دول الجوار لضمان التوازن والدفاع الإيجابي في السياسات الخارجية وإيجاد صيغة تحافظ على الاستقرار.

وفيما أردف أنه لا يمكن لأي مواطن سوري أن يفهم دور إسرائيل في صياغة المشهد السياسي في البلاد، لفت الطلاع إلى أن التماسك الداخلي من شأنه أن يجعل وحدة الصف ووحدة القرار الداخلي أمرًا مهمًا.
الطلاع الذي أشار إلى أن هناك تداعيات على الإقليم في حدود منفلتة وأخطار تشكل تهديد أمن قومي لدول الجوار، لفت إلى أن دمشق تعمل على أمرين مهمين في هذا السياق: "لا للحديث عن أي سياسة عسكرية إذا ما كان هناك احتكار أو سياسة واضحة لاحتكار العنف بيد الدولة، ولا للحديث عن استرداد القوة العسكرية دون شكل تنظيمي عسكري واضح يضمن تجميع القوى العسكرية التي كانت في المشهد الثوري سابقًا.
ما هو الموقف التركي؟
من جهته، يوضح كبير الباحثين في مركز "سيتا" للأبحاث مراد أصلان أن الموقف التركي واضح جدًا، أن أي مواجهة عسكرية مع إسرائيل سوف يكون لها معان شتى، وسوف تحصل في منطقة البحر المتوسط وتمتد في المنطقة، مشيرًا إلى أنها خطوة ذات أهمية قصوى، يجب أن تدرس بعناية وتدرس تبعاتها.
وفي حديث للتلفزيون العربي من أنقرة، يضيف أصلان أن حل النزاعات العامة يجب أن يُطبق وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وهذا يعني مفاوضات من خلال وساطة.
وأعرب عن اعتقاده أن تركيا سوف تنظر وتقدم الدعم لحكومة دمشق وتحاول أن تردع إسرائيل في هجماتها، لافتًا إلى أن الحديث عن حرب في المنطقة يجب أن يبقى بعيدًا حتى يحصل تحد هائل من جانب تل أبيب.
ويضيف أصلان أن "تركيا تعطي الأولية لحكومة دمشق لردع الهجمات الإسرائيلية، لذلك يجب أن يكون ثمة اتفاق بين دمشق وأنقرة على الأوراق لكي يكون انخراط تركيا قانونيًا وشرعيًا".
وأردف أن تركيا جاهزة لتسليم أنظمة لسوريا، لكن يجب أن يتم تنسيق ذلك بشكل جيد، معربًا عن اعتقاده أن أنقرة سوف تقنع الولايات المتحدة بالضغط على إسرائيل لوقف هذه الهجمات.
ورأى كبير الباحثين في مركز "سيتا" للأبحاث مراد أصلان، أن تركيا تفضل الصبر الإستراتيجي الآن، ثم تحشد لحكومة دمشق.
"وضع مرتبك"
المسؤول السابق في وزارة الدفاع البريطانية وحلف "الناتو" نيكولاس ويليامز من جهته، وصف الوضع في سوريا بالمرتبك، وأن القوى الغربية لا تريد الانخراط بقدر ما لا تريد تركيا الانخراط عسكريًا.
ويضيف في حديث للتلفزيون العربي من لندن، أن الأوروبيين خصوصًا كان لديهم انعدام قدرة في التصرف باستثناء تقديم المساعدات وحشد الأموال، فيما أن أميركا قلقة بشكل أساسي في الشرق الأوسط حيال المفاوضات مع إيران.
ويعرب ويليامز عن اعتقاده أن ثمة توافقًا بين واشنطن وتل أبيب مع تركيا على سحب الوجود الأميركي في سوريا، مشيرًا إلى أن أنقرة حاولت إقناع أميركا أنها ستتعامل مع بقايا الجماعات في سوريا، حسب قوله.
ويليامز أوضح أن هذه المسألة مختلفة حينما يتعلق الأمر بتل أبيب، حيث أن ثمة شكًا إسرائيليًا في تركيا، مشيرًا إلى أن إسرائيل تريد إبقاء سوريا ضعيفة لا سيما جنوب دمشق.
ويشير إلى أن انخراط الولايات المتحدة في سوريا يلائم أهداف إسرائيل، ألا وهي إبقاء دمشق مجزأة وضعيفة، كبلد لا يمارس السيادة على جنوب دمشق.
ويخلص ويليامز إلى أن إسرائيل تعي أن تركيا تمارس الصبر الإستراتيجي، مشيرًا إلى أن تل أبيب لا تريد الدخول في نزاع مباشر مع أنقرة.