أعلنت وزارة الدفاع الإسبانية إلغاء عقود عسكرية مع إسرائيل بقيمة تتجاوز 250 مليون يورو، تشمل شراء مدافع وصواريخ مضادة للدبابات كان من المقرر تصنيعها في إسبانيا بترخيص من شركة "رافائيل" الإسرائيلية.
وأوضحت مصادر حكومية أن الصفقة وقعت قبل عملية "طوفان الأقصى"، وأن الإلغاء يندرج ضمن خطة الحكومة للانفصال التكنولوجي عن الصناعة العسكرية الإسرائيلية، استجابة للتطورات السياسية والإنسانية الأخيرة في غزة.
وتزامنًا مع الخطوة الإسبانية، أطلقت السلطات الكندية تحقيقًا رسميًا بشأن مشاركة جنود مزدوجي الجنسية في العدوان الإسرائيلي على غزة، وسط شبهات بارتكابهم جرائم حرب.
"جرائم ضد الإنسانية"
وأكدت صحيفة "تورونتو ستار" أن الشرطة الكندية بدأت جمع الأدلة بسرية، وقد يشمل التحقيق تبادل معلومات مع جهات دولية.
ويأتي هذا التحرك بعد مطالب حقوقية متزايدة بمساءلة الأفراد الكنديين المتورطين في أعمال عسكرية قد ترقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية.
ومصطلح جرائم الحرب وصف استخدمه أيضا الناطق السابق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر خلال حديث إعلامي له عن الحرب في غزة، متبرئًا من كل المواقف التي أطلقها خلال عمله السابق في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
وتأتي هذه الكلمات في الوقت الذي قالت فيه صحيفة "يديعوت أحرونوت": إن "واشنطن أقالت مسؤولين في الإدارة الأميركية مقربين من إسرائيل".
وتبدو هذه الخطوات في ظاهرها ضد تل أبيب، يعززها نشاط مدني أبرزه اليوم ما أصدره نادي القلم الفلاماني في بلجيكا على شكل رسالة تدعو بروكسل إلى الاعتراف بأن ما يرتكبه الجيش الإسرائيلي في القطاع يرقى إلى مستوى الإبادة الجماعية.
ما جدوى الملاحقة القانونية الكندية؟
وفي هذا الإطار، لفت أستاذ القانون الدولي بجامعة "ميدلسكس" وليام شاباس، إلى أن التحقيق الذي تجريه كندا ليس مضمونًا أن يصل إلى نتيجة، لكنه أشار إلى أن بدء أوتاوا التحقيق يعني أن هناك إثباتات جدية بأن أشخاصًا من حاملي الجنسية الكندية الإسرائيلية قد ارتبكوا هذه الجرائم، ويمكن لكندا أن تحاسبهم.
وفي حديث للتلفزيون العربي من لندن، أضاف شاباس أنه يمكن للسلطات الكندية اعتقال المتورطين، ومحاكمتهم، مشيرًا إلى أن الشرطة الفدرالية هي جهة محايدة وموضوعية.
وذكر شاباس أن هناك عددًا من الدول الأوروبية تحقق مع مشتبه بهم بارتكاب جرائم حرب في فلسطين، موضحًا أن هذا التحقيق لا يتطلب ازدواج الجنسية، بل يمكن لدولة ما أن تعتقل شخصًا إسرائيليًا، لكنه أشار إلى أن المشكلة ليست الإطار القانوني، بل هناك إمكانيات تختلف من دولة إلى أخرى.

وأوضح أن التحدي هو اعتقال المشتبه بهم والوصول إليهم، مضيفًا: "إذا لم يغادروا إسرائيل فسيكون من الصعب ذلك".
وأردف شاباس أن تل أبيب تدعي أن لديها أنظمة عدالة ديمقراطية متقدمة، لافتًا إلى أن هذه النظام يخدم المصالح السياسية الإسرائيلية.
وقال: "كل ما بوسعنا فعله هو أن نأمل أن التهديد بالملاحقة، قد يكون له أثر ردع في وجه بعض القادة والجنود الإسرائيليين والرأي العام الإسرائيلي".
"خطوة إضافية" في مسار الحكومة الإسبانية
وبشأن القرار الإسباني، أعرب رئيس تحرير منصة "كونتكستو أكثيون" الإسبانية ميغيل مورا، عن اعتقاده أن القرار خطوة إضافية في مسار الحكومة الإسبانية، بعد اعترافها بالدولة الفلسطينية.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من مدريد، أن الحكومة الإسبانية لطالما تكلمت عن الحاجة لاحترام القانون الدولي، لافتًا إلى أن هناك ضغطًا من أحزاب اليسار في الحكومة وهناك تحضير لقانون لتفادي أي روابط تجارية مع دول يتم التحقيق معها بشأن ارتكابها جرائم الحرب.
وتابع مورا أن هذا القانون سوف يُناقش في البرلمان في الأسابيع القادمة، والخطوة الأولى هي إيقاف العقود التي وقعتها الحكومة منذ أشهر.
وأشار إلى أن هناك إبادة في غزة، وعدم إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين، لافتًا إلى أن الواقع مريع، وكل يوم يزداد سوءًا.
وشدد مورا على وجوب أن يكون هناك التزام أكبر في المفوضية الأوروبية، لحظر الأسلحة والتجارة العسكرية مع إسرائيل.
واستبعد أن تتخذ أوروبا مواقف ضاغطة كبيرة مثل الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، أو أنها مستعدة لفرض ضغط على تل أبيب بمعنى العقوبات أو حظر الأسلحة.
وقال مورا: "إذا لم تتخذ أوروبا موقفًا أكثر صرامة ضد حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن الوضع لن يتغير كثيرًا".
"صحوة أوروبية جدية"
من ناحيته، أشار مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن خليل جهشان إلى أن الموقف الرسمي الأميركي يشكو من عزلة عن كل التغيرات الجذرية والهامة في المنطقة.
وأضاف في حديث للتلفزيون العربي من واشنطن، أن هذه التغيرات الجذرية كان من المتوقع أن تنتشر في الولايات المتحدة، بعد خروج المظاهرات في أورقة الجامعة الأميركية وعلى الصعيد الشعبي.
وتابع جهشان أن الرأي الأميركي تغير بشكل جذري منذ بداية الحرب على غزة، مشيرًا إلى ازدياد انتقادات إسرائيل وعدم الموافقة على سياستها، لا سيما في حربها على غزة، في أكثر من 11 نقطة، وفقًا لاستطلاعات الرأي الأخيرة.
وتابع أن 53% من الأميركيين لا يوافقون على هذه الحرب، ولا يعتبرونها تخدم مصالح الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن خطوات بعض الدول حيال الحرب على غزة لا ينعكس في السياسة الأميركية الرسمية التي ما زالت متمسكة بالسياسة نفسها في عهد الرئيس السابق بايدن، وهي الانحياز الكامل لإسرائيل.
وبشأن الصحوة الأوروبية تجاه غزة، أوضح جهشان أن هذه الصحوة جدية، ولها أبعاد عدة، قانونية وسياسية واجتماعية، مضيفًا: "ربما لا نرى الآن نتائجها بشكل صحيح، لكن قد يكون لها تأثير أقوى على السياسات الأوروبية والأميركية في المستقبل".
وأردف جهشان أن التحديات التي تواجهها أوروبا اليوم، هو تحدي تاريخي، مشيرًا إلى أن أوروبا بالنسبة للشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، تنازلت عن دورها العام في الماضي، وقبلت بأن تلعب دورًا ثانويًا مقابل الدور الأميركي، وتركت المجال لواشنطن أن تملي عليها السياسات التي تتبعها في المنطقة.