الثلاثاء 8 أكتوبر / October 2024

تفاصيل تحقيق الموساد مع مراسل العربي.. إسبانيا "تحتمي" بـ"عهد الدكتاتورية"

تفاصيل تحقيق الموساد مع مراسل العربي.. إسبانيا "تحتمي" بـ"عهد الدكتاتورية"

شارك القصة

مراسل "العربي" في إسبانيا معاذ حامد
مراسل "العربي" في إسبانيا معاذ حامد (العربي)
أقرّت وزارة الداخلية الإسبانية باستجواب مراسل "العربي" معاذ حامد، لكنّها رفضت الإفصاح حول ما إذا كانت قد سمحت لضابط إسرائيلي بالتحقيق معه في مقر أمني.

لم تنتهِ فصول قضية التحقيق الذي تعرّض له مراسل "العربي" في إسبانيا معاذ حامد من قبل ضابط مخابرات إسرائيلي في مدريد، بالتواطؤ مع جهاز الحرس المدني الإسباني.

فبعد أكثر من شهرين على تقديم 4 كتل نيابية في البرلمان الإسباني استجوابًا لوزارة الداخلية الإسبانية حول القضية، أقرت وزارة الداخلية باستجواب حامد، لكنّها اعتبرت أنّ الإجراءات التي اتخذها الحرس المدني كانت ضمن "الأطر القانونية"، وتهدف للتأكد من عدم تشكيله "خطرًا على أمن إسبانيا".

إلا أنّ الوزارة رفضت، في المقابل، الإفصاح حول ما إذا كانت قد سمحت لضابط إسرائيلي بالتحقيق مع حامد في مقر أمني إسباني.

ولتبرير ذلك، احتمت الوزارة بقانون إسباني يعود لعهد الدكتاتور السابق فرانثيسكو فرانكو، الذي حكم البلاد بقبضة حديدية منذ عام 1939 وحتى تاريخ وفاته عام 1975، ويدعى قانون "السرّية الرسمي".

وقد أقرّ القانون المذكور رسميًا في أبريل/ نيسان 1968 حول الأسرار الرسمية، ويهدف إلى تنظيم المعلومات الحساسة التي يمكن أن تشكل معرفتها العامة خطرًا على الأمن والدفاع عن الدولة.

اعتراف ضمني

بالنسبة إلى مراسل "العربي" معاذ حامد، فإنّ ردّ وزارة الداخلية يُعَدّ "اعترافًا ضمنيًا" بما حصل معه من عملية تحقيق.

ويوضح حامد أنّ "الأسئلة التي وجهها البرلمان لوزارة الداخلية كانت واضحة"، قائلًا: "تم السؤال بشكل صريح حول ما إذا كانت إسبانيا قد سمحت لضابط إسرائيلي من الموساد بالتحقيق معي داخل مقر أمني إسباني".

ويلفت في تصريح لموقع "العربي" إلى أنّ وزارة الداخلية ردّت بالقول: إنّ كلّ الإجراءات التي اتخذها الحرس المدني كانت "قانونية"، ولكنها رفضت الإفصاح عن المزيد من المعلومات "محتمية بقانون السرية الذي يعود للعهد الدكتاتوري".

ومنذ نحو خمسة أعوام يحاول البرلمان الإسباني إصلاح القانون الذي يوصف في إسبانيا بأنّه "سيئ السمعة"، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.

الخلفيات واللقاء الأول التمهيدي

وفي حديثه إلى "العربي"، يسرد حامد المزيد من التفاصيل حول مجريات التحقيق الذي خضع له منذ اللقاء التمهيدي الأول.

ويشير إلى تلقيه اتصالًا هاتفيًا من الحرس المدني في مدينة بلباو في نهاية عام 2020، حيث طُلب منه الحضور إلى المقرّ للحديث عن أسباب طلبه اللجوء في إسبانيا أوائل عام 2019.

وبعد استشارة محاميه، ذهب حامد إلى المقر الأمني، حيث استُقبِل من قبل ضابطَين بلباس مدني، لتظهر الإشكاليّة الأولى، مع رفض الضباط إحضار مترجم باللغة الأمّ، وهي في هذه الحالة العربيّة، على الرغم من أنّ هذا الأمر معمول به في جميع حالات التحقيق أو الاستجواب أو الاستفسارات مع طالبي اللجوء في إسبانيا.

وكانت ذريعة الرفض أن مراسل "العربي" يتحدث الإنكليزية، وكذلك الضباط المشاركين في التحقيق.

ويكشف حامد أنّ المحاور الرئيسية لجلسة التحقيق كانت تشمل طريقة وصوله إلى إسبانيا وخروجه من فلسطين، والاعتقالات التي تعرّض لها في السجون الإسرائيلية والفلسطينية، رغم أنّه سبق وقدّم إفادة كاملة للشرطة الوطنية الإسبانية تتضمّن كلّ تلك التفاصيل، وذلك بتاريخ 4 أبريل/ نيسان 2019، أي بعد وصوله إلى  إسبانيا بخمسة أيام.

أسئلة "غريبة" لمراسل "العربي"

وفي معرض حديثه عن اللقاء "التمهيدي" معه، يلفت مراسل "العربي" إلى أنّ كلّ شيء بدا طبيعيًّا، قبل أن تُطرَح عليه بعض الأسئلة "الغريبة"، والخارجة عن موضوع التحقيق أساسًا.

تركز أول هذه الأسئلة حول ردّة فعله إذا ما قابل السفير الإسرائيلي في مدريد، حيث أكّد حامد للضباط أنّه صحافي معتمد من قبل الحكومة في إسبانيا، وبالتالي فحتى لو كانت لديه مشكلة سياسية مع الاحتلال الإسرائيلي، بوصفه فلسطينيًا، إلا أنّه يمارس عمله الصحافي، الذي يحتم عليه المهنية التامة.

أما السؤال الذي تلاه فكان "الأغرب"، وفقًا لحامد الذي يلفت إلى أنّه سُئل حول طبيعة تصرفه إذا ما قابل ضابط المخابرات الإسرائيلي في السفارة الإسرائيلية بمدريد. وهنا أجاب حامد مستغربًا: "كيف يمكن أن أعرف أنه ضابط المخابرات"، مع تأكيده أنّه صحافي وسيلتزم بالمهنية في كلّ الأحوال.

دعوة إلى "فنجان قهوة"

استمرّت عملية التحقيق هذه زهاء ساعتين، وفي نهايتها، طلب أحد الضابطين، ويدعى "نيكولاس"، الاتصال بمراسل "العربي" على هاتفه، حتى يحفظ رقم الضابط نيكولاس، باعتبار أنّ من الممكن أن يتواصل معه مستقبلًا حول بعض الاستفسارات والاستيضاحات، وهو ما تمّ بالفعل.

بعد أسابيع، اتصل نيكولاس بحامد، داعيًا إياه إلى "فنجان قهوة"، لكنّه اعتذر عن قبول الدعوة، بحجّة أنّه يعمل. لكن، بعد أيام، اتصل به الضابط الآخر، ويُدعى "خافيير"، طالبًا منه الحضور إلى مدريد لـ"الضرورة القصوى".

استشار حامد محاميه الخاص، قبل أن يتوجّه إلى مدريد، حيث حصلت المقابلة في 11 فبراير/ شباط 2021، بحدود الساعة السابعة مساءً بالتوقيت المحلّي، داخل مقر للحرس المدني في العاصمة مدريد.

ضابط استخبارات "بلجيكي"

يقول حامد إنّه دخل المقر من دون أن يتم تفتيشه أو أخذ هويته الخاصة، وهو أمر بدا مُستغرَبًا وغير مألوف بالنسبة إليه.

ويشير إلى أنه وجد بانتظاره، في غرفة التحقيق، الضابط "خافيير"، ومعه شخص آخر ذو ملامح شرق أوسطية، يرتدي بدلة رسمية دبلوماسية.

منذ اللحظة الأولى، شكّ مراسل "العربي" بكون الضابط الموجود إسرائيليًا، وقد تعزّزت شكوكه بعد تقديم "خافيير" له بأنه ضابط استخبارات بلجيكي.

حينها، برّر الضابط الإسباني وجود الضابط "البلجيكي" بأنه من قسم استخبارات دول الاتحاد الأوروبي، وأن وجوده مرتبط بتحقيق مشترك حول خلفيات المتقدمين باللجوء والهجرة إلى أوروبا.

أكثر من ذلك، أبلغ "خافيير" حامد أنّ الضابط البلجيكي يدعى "عمر"، وأنّ أصله فلسطيني من مدينة الخليل، وأنّه يتحدّث العربيّة، بل قال: إنّ بإمكانهما الحديث بالعربيّة، لا الإنكليزية.

الكشف عن اللثام.. وفقدان السيطرة

رويدًا رويدًا، بدأت الأمور تتّضح لمراسل "العربي"، فبمجرّد بدء الضابط "عمر" بالحديث باللغة العربية، أيقن حامد أنّه إسرائيليّ، وذلك بسبب اللكنة التي يتحدث بها، وهي لكنة لا يمتلكها إلا الإسرائيليّون الذين يتعلمون اللغة العربية.

ويقول حامد إنّه سبق له أن اعتُقِل أكثر من مرّة على يد السلطات الإسرائيلية بين العامين 2002 و2009، حين كان في فلسطين، وبالتالي فإنّه يمتلك الخبرة الكافية لتمييز لكنات ضباط المخابرات الإسرائيلية.

وفي اللحظة التي أدرك بها حامد أنه أمام ضابط إسرائيلي، قرر المواجهة وتصعيد التوتر في الغرفة، وتحدث باللغة العبرية التي يعرف القليل منها، وسأل الضابط الإسرائيلي بشكل مباشر: "أنت تتحدث العبرية؟".

يقول حامد: إن السؤال كان مفاجئًا للضباط، خصوصًا للإسباني الذي بدأ وجهه بالاحمرار والتعرق، وقد توجّه إليه بعد ذلك مباشرةً بالقول: "ألم يخبرك عمر أنّ لكنته الإسرائيلية معروفة لكل الشعب الفلسطيني؟"، مضيفًا: "صحيح أنّه يتحدّث العربيّة، ولكن بلكنة إسرائيليّة".

هنا، فقد الضابط الإسباني السيطرة، وبدأ بالصراخ، ونفى أن يكون عمر ضابطًا إسرائيليًا، بحسب ما يروي حامد، الذي يشير إلى أنّه طلب منهما بعد ذلك الهويات الشخصية لإثبات ذلك، وقد قوبل طلبه بالرفض.

تحقيق ضابط الموساد.. استجواب وتهديد

وبالعودة إلى مجريات التحقيق، يشير حامد إلى أنّ "عمر" طلب من "خافيير" مغادرة القاعة، ما جعله يشعر  بالرهبة والتردد في تلك اللحظة حول ماهية التصرف الصحيح، لكنه يقول إنه تماسك وبقي جالسًا.

بدأ الضابط "عمر" بالتحقيق، مقرًّا بهويته بشكل أو بآخر بوضوح، حيث توجّه إلى حامد قائلًا: "تعرف من أنا. لديّ مجموعة أسئلة وتوضيحات أريد أن أتحدّث بها".

في استجوابه، ركّز "عمر" على أحد التحقيقات الصحافية التي أنجزها حامد نهاية عام 2019 خلال وجوده في تركيا، قبل انتقاله إلى إسبانيا.

وقد نشر هذا التحقيق في صحيفة "العربي الجديد"، تحت عنوان: "بالوثائق: هكذا يستهدف الموساد فلسطيني الخارج في أوروبا"، وهو يتناول  الأساليب التي يعتمدها جهاز الموساد من أجل تجنيد الفلسطينيين للعمل في أوروبا وتركيا، عن طريق مؤسسات وهمية.

سأل الضابط الإسرائيلي حامد عن فكرة هذا التحقيق، وعن المصادر التي استند إليها، وهو ما رفض مراسل "العربي" كشفه، وحين سأله عن اسم محدّد، أنكر حامد بشدّة أن يكون مصدره.

هدد الضابط الإسرائيلي حامد بعدم العودة إلى فلسطين، وقال له: "في المستقبل سيعطيك الإسبان الجنسية، وتستطيع السفر دون مشاكل، ولكن لا ترجع إلى فلسطين".

يذكر أن الزميل معاذ حامد كان ممنوعًا من السفر من قبل السلطات الإسرائيلية منذ عام 2004، ثم حصل على قرار بالسماح بالسفر من المحكمة العليا الإسرائيلية نهاية عام 2014.

كيف تصرّف مراسل "العربي" بعد ذلك؟

بعد انتهاء جلسة التحقيق، وخروج حامد من المقر الأمني، قرر التحرك مباشرة على مستويين، قانوني وبرلماني.

يقول حامد: "اتصلت بعدد من النواب الذين أعرفهم داخل البرلمان لتحديد لقاء عاجل معهم، وهو ما تم، ورتب لي لقاء مع وزير الدولة لخطة عام 2030 إنريكي سانتياغو (Enrique Santiago)".

استمع النائب لما حدث مع الزميل ووعد بالتحرك تحت قبة البرلمان، في وقت قدم حامد مجموعة من الشكاوى إلى وزارة الداخلية ومكتب اللجوء ومفوضية الأونروا حول ما حدث معه، لكن لم يحدث أيّ تجاوب.

في هذه الأثناء، علمت صحيفة "بوبلكو" الإسبانية بالحادثة، وبدأت تحقيقًا صحافيًا، مستندة إلى المعلومات التي زودها بها حامد.

وفي 9 أبريل/ نيسان 2021 نشرت الصحيفة تحقيقها على الصفحة الرئيسية، وقد أحدث ضجة كبيرة في إسبانيا امتدت لأيام.

دفع هذا الأمر منظمات دولية لإصدار بيانات إدانة قوية ومطالبات بالتحقيق في الحادثة، من أهمها لجنة حماية الصحافيين في نيويورك.

أول اعتراف رسمي واضح وصريح

بالتوازي، بدأت الكتل النيابية في إسبانيا بالتحرك على أرض الواقع، وأعدّت مذكرة نيابية لوزارة الداخلية وطالبتها بتوضيحات حول قيام ضابط إسرائيلي بالتحقيق مع صحافي طالب للجوء في إسبانيا.

وكان من المفترض أن ترد الحكومة على المذكرة النيابية في 22 أيار/ مايو 2021، ولكنها تأخرت حتى 30 من يونيو/ حزيران 2021.

يقول حامد: إنّ أهمية ردّ الوزارة، وإن اختبأ خلف قانون "السرية"، تنبع من كونه يُعتبر "أول وثيقة رسمية فيها اعتراف واضح وصريح" بما جرى معه، ولو كان هذا الإقرار "جزئيًا".

ويخلص إلى أنّ الوثيقة قد تشكّل "مستندًا قانونيًا" يمكن استخدامه في المستقبل في رفع قضايا في إسبانيا أو في المحاكم الأوروبية، لا سيما أنّ الداخلية الإسبانية لم تعطه حتى الآن ردًا بالموافقة أو الرفض حول طلبه بتوفير الحماية الدولية له، رغم مرور أكثر من عامين على وجوده في الأراضي الإسبانية.

تابع القراءة
المصادر:
العربي
Close