لقد شهد الكثير منا سلوكيات غير عادية وحتى معادية للمجتمع في المطار أو على متن الطائرة. قد تتراوح هذه الأمور من الأفعال الحميدة مثل النوم على الأرض أو ممارسة اليوغا إلى الحوادث الخطيرة مثل الشجار أو حتى محاولة فتح أبواب الطائرة في منتصف الرحلة.
ويبدو أن هذه المشاكل الأكثر خطورة قد تفاقمت خلال السنوات الأخيرة، مع تزايد حوادث "الغضب الجوي" وتحويل الرحلات الجوية. وقد أدت مثل هذه الحوادث إلى دعوات لتقليل أو حتى حظر بيع الكحول أو الحد من الكميات المسموحة في المطارات وعلى متن الطائرات، كما فعلت شركة طيران "ريان إير".
ويبدو أن لعلم النفس تفسيرًا بشأن التصرفات المختلفة في المطارات، بحسب "سينس أليرت"، حيث يشعر العديد من المصطافين أن المغامرة تبدأ في المطار، ما يضعهم في حالة ذهنية مختلفة عن الحالة الطبيعية فيحرصون على بدء عطلة مريحة وممتعة من المطار.
تأثير القلق والتوتر
ومع ذلك، يشعر آخرون بالقلق بشأن الطيران، مما قد يجعلهم يتصرفون بشكل غير طبيعي لاسيما في ظل الضوضاء والاكتظاظ. وبحسب "سينس أليرت"، أثبت مجال علم النفس البيئي، إن البشر حساسون جدًا لمحيطهم المباشر، ويمكن بسهولة أن يصبحوا مثقلين بالضغوطات مثل الاكتظاظ والضوضاء.
فالأشخاص الذين يشعرون بالقلق والتوتر بشكل عام هم أكثر عرضة للغضب. وغالبًا ما يؤدي المزاج القلق المؤقت إلى نوبات غضب.
ويشير ستيف تايلور، وهو محاضر أول في علم النفس، بجامعة ليدز بيكيت إلى أهمية النظر إلى المطار من منظور جغرافي نفسي، حيث تدرس الجغرافيا النفسية تأثير الأماكن على عواطف الناس وسلوكهم، لاسيما في البيئات الحضرية.
"الأماكن الرقيقة"
في الثقافات السلتية، التي نشأت في أوروبا قبل بداية العصور الوسطى هناك مفهوم "الأماكن الرقيقة" الخاصة حيث يكون الحاجز بين العالم المادي والروحي رقيقًا. في الأماكن الرقيقة، يكون الفرد بين عالمين.
وفي عالم التكنولوجيا الحديث، يمكن أيضًا اعتبار المطارات أماكن رقيقة، فهي مناطق تتلاشى فيها الحدود. وعلى المستوى الحرفي، تذوب الحدود الوطنية. بمجرد أن يمر المسافر عبر نقطة الأمن، ويدخل المنطقة المحظورة بين البلدان، يصبح مفهوم المكان ضبابيًا.
وبطريقة مماثلة، يصبح الوقت مفهومًا ضبابيًا في المطارات. على وشك الصعود على متن طائرة، نكون في مساحة محدودة بين منطقتين زمنيتين، على وشك القفز إلى الأمام في الوقت المناسب، أو حتى العودة إلى الماضي.
فقدان السيطرة على الوقت
كما تعبر الرحلات الجوية المناطق الزمنية، فيخسر المسافر القدرة على على إدارة الوقت التي تشعره عادة بالسيطرة على حياته وبالتالي يشعر بالقلق لسبب إضافي.
ويشير المحاضر في علم النفس إلى أن المطارات هي منطقة غياب، حيث اللحظة الحالية غير مرحب بها. ويتجه انتباه الجميع نحو المستقبل، إلى رحلاتهم والمغامرات التي تنتظرهم عند وصولهم إلى وجهتهم. وغالبًا ما يجلب هذا التركيز المكثف على المستقبل الإحباط، خاصة إذا تأخرت الرحلات الجوية.

كذلك تنتفي الحدود الشخصية في المطارات. فبالإضافة إلى السلوك المناهض للمجتمع، قد تستضيف المطارات السلوك الداعم للمجتمع، حيث يشارك الغرباء خطط سفرهم وعطلاتهم، ويتحدثون بحميمية غير عادية.
وبسبب ضبابية الزمان والمكان، تخلق المطارات شعورًا بالارتباك. فغالبًا ما يعرف البشر أنفسهم من خلال روتينهم اليومي وبيئتهم المألوفة وجنسيتهم وهو أمور تغيب مؤقتًا في المطارات.
السفر يولّد شعور بالتحرّر
وعلى الجانب الإيجابي، قد يكون لكل ما يحدث في المطار تأثير محرر بالنسبة للبعض. ويقول تايلور: "إنه عادة ما ننظر إلى الوقت كعدو يسرق لحظات حياتنا ويضطهدنا بالمواعيد النهائية. لذا فإن الخروج من الزمن يبدو أحيانًا وكأنه خروج من السجن"
الأمر نفسه ينطبق على الهوية، فالشعور بالهوية مهم لصحتنا النفسية، ولكنه قد يصبح مقيدًا.
لذا، فإن خروج الفرد عن روتينه وبيئته العادية يشعره بالنشاط. ومن الناحية المثالية، فإن الحرية التي تبدأ في المطار تستمر طوال المغامرة الخارجية.
في النهاية، سواء شعر الفرد بالقلق أو التحرر، فقد ينتهي به الأمر إلى التصرف بشكل لا يتوافق مع شخصيته.
نظريات فرويد
وتماشيًا مع نظريات عالم النفس سيغموند فرويد، يمكن تفسير ذلك على أنه تحول من الأنا المتحضرة الطبيعية لدى الفرد إلى الجزء الغريزي البدائي من النفس، والذي أطلق عليه فرويد اسم "الهو".
وفقًا لفرويد، فإن الهو هو موقع رغباتنا ودوافعنا، وعواطفنا وعدوانيتنا، وهو يتطلب إشباعًا فوريًا. وعادةً ما يتم فحص الهو من قبل الأنا، ولكنه دائمًا ما يكون عرضة للاختراق، خاصة عندما يتم تخفيف موانع الفرد بواسطة الكحول.
وخارج القيود العادية، يسمح بعض المصطافين لهويتهم بالتعبير عن نفسها بمجرد مرورهم عبر نقاط التفتيش الأمنية. وبمجرد أن يفقدوا السيطرة على أنفسهم تصبح الهوية هي المهيمنة تمامًا، وتكون عرضة للتسبب في الفوضى.
قوانين للحد من الفوضى
وتضع المطارات والمنظمات الدولية قوانين صارمة للتعامل مع الركاب المشاغبين، وذلك لضمان سلامة جميع المسافرين وأفراد الطاقم، والحفاظ على الأمن والنظام في المطارات والطائرات. إليك بعض القوانين والإجراءات الرئيسية المستخدمة للسيطرة على الركاب المشاغبين.
وتحتفظ بعض شركات الطيران بقوائم سوداء للركاب الذين تسببوا في مشاكل على متن طائراتها، وقد يُمنعون من السفر على متنها مرة أخرى.
وتختلف القوانين المحلية من دولة إلى أخرى ولكل قوانينها الخاصة للتعامل مع الركاب المشاغبين، ولكنها عادةً ما تتماشى مع المعايير الدولية التي تضعها منظمة الطيران المدني الدولي "الإيكاو".
وتصدر "الإيكاو" توصيات ومعايير دولية للدول الأعضاء لتطبيقها في قوانينها الوطنية. وتشمل هذه التوصيات إجراءات التعامل مع الركاب المشاغبين على متن الطائرات وفي المطارات.
كما تعتبر اتفاقية مونتريال لعام 1999 أساس القانون الدولي المتعلق بالمسؤولية عن الأضرار الناجمة عن الركاب المشاغبين على متن الطائرات. وتحدد الاتفاقية أنواع السلوكيات التي تعتبر مخالفة وتضع الأساس القانوني للمقاضاة.