أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرًا جديدًا قالت فيه: "إن مليشيات مرتبطة بالحكومة السورية تعمدت استهداف مدنيين من الطائفة العلوية في هجمات انتقامية وصفتها بالبشعة".
ودعت العفو الدولية الحكومة السورية إلى التحقيق فيما وصفته بـ"موجة القتل الجماعي باعتبارها جرائم حرب"، محملة "الحكومة السورية مسؤولية الفوضى الدموية التي جرت".
ولا تزال الأحداث الداميه التي جرت في الساحل السوري في أعقاب هجمات لعناصر من النظام السابق في السادس من شهر مارس/ آذار الماضي، وما تبعها من عمليات قتل شملت مئات المدنيين على يد قوات عسكرية تلقي بظلالها على المشهد السوري.
أكثر من 100 قتيل في بانياس
وقالت المنظمة: "إن ميليشيات مرتبطة بالحكومة السورية قتلت أكثر من 100 شخص في بانياس الساحلية يومَي 8 و9 مارس/ آذار الماضي".
وحقّقت المنظمة في 32 حادثة من حوادث القتل وخلصت إلى أن "هذه الهجمات كانت متعمدة وغير قانونية واستهدفت الأقلية العلوية في المنطقة".
ونقلت المنظمة عن شهود أن "السلطات السورية في المنطقة أجبرت بعض عائلات الضحايا على دفن أبنائهم في مقابر جماعية من دون مراسم علنية أو طقوس دينية".
ودعت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنييس كالامار الحكومة السورية إلى تقديم الحقيقة والعدالة لضحايا هذه الجرائم، وعدم التسامح مع الهجمات على الأقليات.
ونبّهت إلى أن عدم إجراء تحقيقات مستقلة وفعّالة بعمليات القتل غير القانوني سيعيد سوريا إلى دوامة جديدة من الفظائع وسفك الدماء.
تواصل مباشر مع عائلات الضحايا
وقد أوضحت الباحثة المتخصصة في الشأن السوري بمنظمة العفو الدولية ديانا سمعان، أن المنظمة حقّقت في نحو 30 عملية قتل في حي القصور في بانياس، ووجدت أن "عمليات القتل هذه متعمدة واستهدفت أفرادًا من الطائفة العلوية".
وفي حديث إلى التلفزيون العربي، نقلت سمعان عن شهود عيان أن "مسلحين كانوا يسألون المواطنين عن طائفتهم قبل تهديدهم أو قتلهم. وفي بعض الحالات لام المسلحون المواطنين العلويين على الانتهاكات التي ارتكبها النظام السوري السابق".
وشرحت أن عمليات القتل التي "تم توثيقها جرت بعد انتهاء الاشتباكات بين القوات التابعة للحكومة والفصائل الأخرى ضد عناصر النظام السوري السابق".
وأوضحت أن "هذه الأدلة التي استندت إليها المنظمة تبيِّن أن أعمال القتل ارتُكبت على أساس طائفي"، مشيرة إلى "أن الأحياء التي تضم أشخاصًا من السنّة في بانياس لم يتعرض سكانها للانتهاكات التي حصلت في حي القصور ذي الغالبية العلوية.
وأفادت سمعان نقلًا عن شهود بأن السلطات السورية لم تتدخل لوضع حد لعمليات القتل، ولم توفّر للسكان طرقًا آمنة للفرار من المسلحين، حيث اضطر عدد من السكان للسير على الأقدام لمسافة تتخطى 15 كيلومترًا بحثًا عن الأمان، وتمكنوا من الفرار بمساعدة سيارات جرى تأمينها من قبل عناصر في هيئة تحرير الشام.
وقالت الباحثة: "إن السلطات السورية أجبرت أهالي الضحايا على دفن أحبائهم بشكل جماعي دون شعائر دينية أو مراسم دفن عادية".
وذكرت أن المنظمة تمكنّت بصعوبة من الوصول إلى أشخاص من سكان الساحل السوري، لافتة إلى أن التواصل مع هؤلاء جرى عبر الهاتف وتطبيق المراسلة واتساب.
خوف من تكرار الانتهاكات
وأردفت أن الأشخاص الذين تواصلت معهم المنظمة عبّروا عن خوف من الإفصاح عن الأحداث ورواية شهاداتهم، مشيرة إلى أن بعض هؤلاء كانوا شهودًا على مقتل أقاربهم.
وبحسب سمعان، خاف "هؤلاء من تكرار الانتهاكات بحقهم ومن أن يتعرضوا لمضايقات من السلطات السورية أو من ميليشيات تابعة لها".
وقالت سمعان: "تواصلت المنظمة مع 16 شخصًا بعضهم يسكنون في الساحل السوري، فيما يوجد آخرون في مناطق أخرى داخل سوريا".
وروت عن لسان أحد الشهود الذي شهد على مقتل والديه وشقيقيه رميًا بالرصاص أمام منزلهم، لكنه تمكن من الفرار مع والدته وأفراد من أسرته تاركًا الجثامين خلفه، أنه عاد بعد أن هدأت الأوضاع لدفن الجثامين لكن السلطات السورية أجبرته على دفن أحبائه في مقبرة جماعية ومنعت تصوير عملية الدفن.
وشرحت أن "المنظمة تمكنت من تحديد مرتكبي الجرائم على أنهم ميليشيات تابعة للحكومة السورية، لأن هؤلاء كانوا موجودين في 6 و7 مارس/ آذار بجانب القوات السورية، عندما كانت تخوض اشتباكات مع العناصر الموالية للنظام السوري السابق".
مسؤولية الحكومة السورية
وتشير المتخصصة في الشأن السوري في منظمة العفو الدولية، إلى أن قتل المدنيين "يعد جريمة حرب وأن المسؤولية التي تقع على الحكومة السورية تتمثل في ضمان إجراء تحقيق مستقل ونزيه وشفاف وفوري بالإضافة إلى محاسبة الفاعلين".
وتعتبر أن "المحاسبة هي السبيل لضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات". وتضيف أن على الحكومة السورية حماية المدنيين وخصوصًا الأقليات، لافتة إلى أن عددًا كبيرًا من سكان الساحل السوري يعيشون في خوف من تكرار عمليات القتل ولم يعودوا إلى منازلهم.
يُذكر أنه في التاسع من مارس/ آذار الماضي، وعلى خلفية أحداث الساحل السوري، تعهّد الرئيس السوري أحمد الشرع بمحاسبة "مرتكبي الجرائم حتى لو كانوا أقرب الناس إليه"، وفق تعبيره.
وشكّل لجنة تقصٍ للحقائق من أجل التحقيق في الأحداث، وهو ما اعتبرته منظمة العفو الدولية "خطوة إيجابية نحو كشف ملابسات الحادثة وتحديد هوية الجناة".
وفي هذا الشأن، تعتبر سمعان أن هذه اللجنة تحتاج إلى الوقت وإلى أن تقوم بعملها بشكل مستقل بعيدًا عن أي مضايقات.
وباشرت لجنة تقصي الحقائق في أحداث الساحل السوري أعمالها، وقالت الأسبوع الماضي إنّها ستستمر في تحقيقاتها وإنه من المبكر الكشف عن الجناة أو تحميل المسؤولية بشكل قاطع.
لكن الباحثة المتخصصة في الشأن السوري بمنظمة العفو الدولية ديانا سمعان، تقول إن العديد من الأشخاص الذين تواصلت معهم المنظمة أكدوا أنهم لم يتمكنوا من الوصول إلى اللجنة، مكررة توصيات المنظمة للحكومة السورية، حيث طالبتها بتوفير إمكانية وصول اللجة إلى أهالي الضحايا في الساحل السوري وضمان عدم تعرض هؤلاء للانتهاكات.
كما تطالب المنظمة الحكومة السورية بتحقيق العدالة في الجرائم التي ارتكبتها قوات النظام السوري السابق.