الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

تمرير قانون التقاعد يشعل الشارع الفرنسي.. ما احتمالات إسقاط الحكومة؟

تمرير قانون التقاعد يشعل الشارع الفرنسي.. ما احتمالات إسقاط الحكومة؟

Changed

برنامج "للخبر بقية" يبحث في أبعاد حراك المعارضة للإطاحة بالحكومة الفرنسية بعد تمرير قانون التقاعد (الصورة: وسائل التواصل)
تقدم نواب من المعارضة بطلبات لحجب الثقة عن الحكومة بعد لجوئها إلى المادة 49 من الدستور لتبني مشروع قانون التقاعد من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية.

يسير المشهد العام المتوتر في فرنسا إلى مزيد من التعقيد، وسط إصرار حكومي على المضي في إقرار قانون التقاعد، في ظل مواجهة مشتعلة في الشارع.

ففي غفلة من الجميع ووسط اجتماعات محمومة كان يعقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع شخصيات سياسية مرموقة، لجأ صاحب المشروع "سيئ الصيت" إلى إجراءات دستورية خاصة للنجاة من تصويت برلماني خطير وغير مضمون على مشروع قانون التقاعد المدني، ليتم تمريره على لسان رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، وسط حالة صخب وفوضى اعترت جلسة البرلمان، تخللها غناء النشيد الوطني بأفواه نواب يساريين ومعارضين.

وبالكاد تمكنت بورن من إلقاء خطابها المضطرب والإعلان عن عدم الحاجة إلى التصويت على المشروع لإقراره.

بدورهم، تقدم نواب من المعارضة الفرنسية مباشرة بطلبات لحجب الثقة من الحكومة بعد لجوئها إلى المادة 49 من الدستور، لتبني مشروع القانون من دون تصويت عليه في الجمعية الوطنية، الأمر الذي سبب حرجًا كبيرًا للرئيس الفرنسي، خاصة وأن لجوءه إلى هذه المادة أظهر عجزه التام عن تحقيق أغلبية.

وبالتالي فإن مصير الحكومة المتمتعة بأغلبية نسبية في أيدي نحو 60 نائبًا من المجموعة اليمينية التقليدية أي حزب الجمهوريين الذين أكدوا أنهم لم يصوتوا على أي مقترحات لحجب الثقة. وعليه فإن هدف إسقاط الحكومة يبدو صعب المنال، ولكن لا ضمانات بعدم إقدام متمردين على خلط الأوراق بشكل كامل.

وعقب إجراء الحكومة لتبني إصلاح قانون التقاعد بالقوة، بدت الآن معالم جديدة في طريق الرفض، سواء داخل البرلمان أو في الشارع، من خلال بيانات التصعيد الصادرة عن رؤساء النقابات والتجمعات الشبابية والشعبية المشتعلة أصلًا.

وبدون أن تتزحزح الحكومة قيد أنملة عن مشروعها، فإن الشارع مهيأ للانفجار الآن وبوتيرة أكثر حدة وتسارعًا مما حصل، حيث أقدمت قوات الأمن على اعتقال العشرات، فيما وقعت اشتباكات وأعمال شغب تخللها حرق الإطارات والمحلات التجارية وعمليات نهب لا تتوقف، في وقت من المحتمل أن تتوقف الحياة فعليًا في فرنسا، ما يعني أن خطوة الحكومة باتت في نظر المجتمع وحشية وغير ديمقراطية وفق وصف سياسيين من اليسار.

لماذا لجأ ماكرون إلى المادة 49؟

وتعليقًا على هذه التطورات، يوضح الكاتب الصحافي جان بيير ميلالي أن ماكرون لجأ إلى المادة 49 من دون موافقة الجمعية الوطنية، لأنه لم يكن متأكدًا من ولاء الجمهوريين، وبالتالي فضل أن يأخذ المبادرة ويستعمل هذه المادة الدستورية، مشيرًا إلى أن هذه هي المرة المئة التي تستخدم فيها هذه المادة منذ بداية الجمهورية الخامسة.

وفي حديث إلى "العربي" من العاصمة الفرنسية باريس، يرى ميلالي أن الطريقة التي استعملها ماكرون مشروعة.

ويعتبر الكاتب الفرنسي أن المعارضة التي لجأت إلى مذكرة لحجب الثقة في مأزق، معتبرًا أنها لن تنجح في خطوتها، لذلك فهي تنقل صراع النقابات إلى الشوارع والجامعات والمدارس.

ويضيف أنه كان معلومًا ومتوقعًا أن يقوم الرئيس الفرنسي بهذه الخطوة، ومن الأفضل له أن يقوم بذلك الآن في بداية ولايته الثانية، مشيرًا إلى أن ماكرون لا يهتم كثيرًا بالشأن الفرنسي، ويبدو وكأنه مولع بالشأن الدولي، لافتًا إلى أن هناك الكثير من الملفات الدولية التي تشغل باله.

ويخلص ميلالي إلى أن مرحلة جديدة حلت على فرنسا مع انتخاب ماكرون لخمس سنوات، معتبرًا أنه "بمجيئه المفاجئ أزاح الحزب الاشتراكي الذي لم يعد له تأثير، كما أزاح اليمين الكلاسيكي الذي لا يسمع صوته ويتبع الحكومة".

ما تأثير استخدام المادة 49 على الحكومة؟

من جهتها، ترى الباحثة السياسية آنا غوتشيلي، أن عملية التصدي ومعالجة مواجهات البرلمان والنقابات والرأي العام جاءت متأخرة، ولم تتم بشكل جيد، مشيرة إلى أن آخر خيار أمام الرئيس الفرنسي كان اللجوء إلى المادة 49، وإلا لكانت الحكومة ستدرك أنها تنهزم في البرلمان.

وتوضح في حديث إلى "العربي" من باريس، أن استخدام هذه المادة يضع الحكومة في وضع ضعيف للغاية، رغم محاولتها الظهور عكس ذلك والمضي قدمًا.

وتعرب غوتشيلي عن اعتقادها بأن الحزب الجمهوري وضع في مأزق، من حيث أنه في داخل المعارضة، فيما تحاول الحكومة أحيانًا أن تستخدم المعارضة وسيلة لدعم مشروع القانون، موضحة أن هناك انقسامًا داخل الحزب نفسه، وأن الحكومة تعتبر أن الحزب خانها.

وتردف أن الحزب الجمهوري قرر ألا يشارك في طلبات حجب الثقة التي يحاول اليسار واليمين المتطرف استخدامها، مشيرة إلى أن هذا الحزب لم يعد جديرًا بالتصديق مثل المعارضة في الوضع الراهن.

هل ما أقدم عليه ماكرون شرعي؟

من جانبه، يشرح الكاتب الصحافي والباحث في الشأن الفرنسي وليد عباس، أن تمرير مشروع رفع سن التقاعد أمر معقد ومرفوض من الرأي العام، مشيرًا إلى أن النقابات هذه المرة رفضت بشكل نهائي رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا.

وفي حديث لـ"العربي" من باريس، يرى عباس أنه كان من المستحيل تمرير هذا المشروع عبر مفاوضات مع النقابات التي أعلنت موقفًا موحدًا في حالة نادرة، لأن هامش المفاوضات مع النقابات كان شبه منعدم.

ويوضح أن هذا المشروع مرفوض من أغلبية الرأي العام، كما أنه لا يتمتع بأغلبية في البرلمان، معتبرًا أن ما فعله ماكرون شرعي على المستوى القانوني والدستوري.

وبشأن فشل جميع المحاولات السابقة في سحب الثقة من الحكومة طوال الـ60 عامًا الماضية، يرى عباس أن الوضع هذه المرة مختلف عن المرات السابقة، لكنه قال إنه يجب الانتباه إلى أن اختيار ماكرون للمادة 49، لم يكن عن عبث، لأن عددًا كبيرًا من نواب الجمهوريين "اليمين التقليدي" لم يصوتوا لصالح مشروع القانون.

ويتساءل عباس عما إذ كان بالإمكان أن يصوت العدد اللازم من نواب الجمهوريين لإسقاط الحكومة بصورة كاملة، مستبعدًا حدوث هذا الأمر، خصوصًا وأن على المعارضة أن تحصل على 25 صوتًا من نواب الجمهوريين لكي تتمكن من إسقاط الحكومة.

ويعرب عباس عن اعتقاده أن المشكلة لم تعد بين النقابات وبين الحكومة، بل تجاوزت هذا الأمر لتعبر عن شرخ اجتماعي عميق للغاية، بحيث أعرب الفرنسيون عن رفضهم لمشروع القانون عبر مختلف المؤسسات.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close