السبت 13 أبريل / أبريل 2024

تهم للحوثي باستخدامه لتعقب ناشطين.. هل تعد الاتصالات سلاح الحرب الخفي؟

تهم للحوثي باستخدامه لتعقب ناشطين.. هل تعد الاتصالات سلاح الحرب الخفي؟

Changed

حلقة من برنامج "عين المكان" تكشف بوثائق حصرية استغلال الحوثيين منظومة الاتصالات في اليمن لأغراض عسكرية
يعتبر قطاع الاتصالات الرئة الثانية التي يتنفس منها الاقتصاد اليمني، وثاني أهم الموارد المالية بعد النفط.

تحوّلت الاتصالات في اليمن من خدمة إلى أداة حرب تغذّيها صفقات رابحة ويتنامى فيها الفساد، ليبقى المواطن الخاسر الوحيد في معركة لا يُعرف متى ستتوقف فيها نيران المدافع.

وكان الحوثيون قد أحكموا سيطرتهم على المراكز السيادية في العاصمة صنعاء، من بينها وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات في 21 سبتمبر/ أيلول لعام 2014.

وقد مكنتهم هذه السيطرة من الحصول على موارد مالية ضخمة وقدرة استخبارية عالية وضعتهم في مواقع متقدمة في الصراع العسكري.

السيطرة على قطاع الاتصالات في اليمن

وفي هذا الصدد، يتحدث الخبير في الاتصالات وتقنية المعلومات رائد الثابتي عن "السيطرة على شركة يمن موبايل وتوظيف أغلب الموظفين، لا سيما في المناطق الحساسة وصناعة القرار في الشركة".

بدروه، يشير الباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية كيسي كومبس، إلى تمكن الحوثيين عند اقتحام صنعاء من الوصول إلى صناعة الاتصالات الإستراتيجية والمربحة على نطاق دولة اليمن كلها، والتي تتخذ من صنعاء مقرًا لها.

وفيما يقول إنهم كانوا على مر السنوات وطوال الحرب يكتسبون المزيد من الوصول والسيطرة عليها، إذ إنها مملوكة للدولة، يفيد بأنهم "بدؤوا في استخدامها بعدة طرق خلال الحرب".

ويضيف: "كانت الاستخدامات الشائعة للاتصالات أثناء الحرب قطع نشاط الإنترنت والهاتف المحمول قبل وأثناء المعارك، حتى لا يتمكن خصومهم من الوصول إلى الاتصالات".

ويلفت إلى أن "الحوثيين وعلى نحو متزايد اكتسبوا التكنولوجيا للتجسس تقريبًا على أي مستخدم للهاتف المحمول في البلاد"، شارحًا أن "الأمر يشمل مراقبة كل من رسائلهم الصوتية وجميع رسائلهم النصية، وحتى القدرة على تتبع أفراد معيّنين بناء على موقع هواتفهم المحمولة".

الرئة الثانية للاقتصاد اليمني

يعتبر قطاع الاتصالات الرئة الثانية التي يتنفس منها الاقتصاد اليمني، وثاني أهم الموارد المالية بعد النفط. وبحسب مؤسسة الاتصالات اليمنية، زادت قيمة الإيرادات لعام 2022 عن 165 مليار ريال يمني.

وحتى عام 2019، بلغ عدد مستخدمي الهاتف المحمول حوالي 18.5 مليون، على ما تفيد مؤسسة الاتصالات.

كما يبلغ عدد مشتركي شركة "يمن موبايل"، إحدى الشركات العاملة في القطاع، حوالي 5.5 مليون مشترك. 

ويذكر المستشار السابق في وزارة الاتصالات اليمنية محمد المحيميد، أن "أفضل الأرباح وأسهل الاستثمارات تبدأ في النفط ثم الاتصالات".

من جانبه، يرى رئيس شعبة الصحافة العسكرية في الجيش اليمني رشاد المخلافي أن "الاتصالات ساهمت بشكل كبير في إطالة أمد المعركة، وفي إطالة عمر جماعة الحوثي، وربما عزّزت موقفها على المستوى المادي والاستخباراتي بشكل غير متوقع".

وينبه إلى أنه فيما قد يعتقد البعض أن الاتصالات مسألة عادية، إلا أنها اليوم في غاية الخطورة.

يبلغ عدد مشتركي شركة "يمن موبايل" حوالي 5.5 مليون مشترك

وبينما اتُهمت جماعة الحوثي باستغلالها للاتصالات في تعقب والتجسس على الناشطين، كيف تحوّلت الاتصالات في اليمن لإدارة رقابية مشددة على اليمنيين؟

عسكرة الاتصالات

من هنا، يلفت الخبير في الاتصالات وتقنية المعلومات رائد الثابتي إلى أن "سرفرات" شركات الاتصالات كانت مربوطة بجهاز الأمن القومي منذ العام 2006.

وبرأيه، سهل هذا الأمر للحوثيين مسألة عسكرة الاتصالات المدنية وتحويلها إلى جانب عسكري، فضلًا عن إحكام سيطرتهم على هذا القطاع.

من جانبه، يشير الباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية كيسي كومبس، إلى حديثه لبعض الناس في مأرب، وعلى وجه الخصوص أناس قام مسؤولون حوثيون باستدعائهم بشكل عشوائي وتهديدهم والطلب منهم التوقف عن القيام بما يفعلونه على منصات التواصل الاجتماعي.

ويردف بأنه "على حد علم هؤلاء الأشخاص، فقد جرى التنصت على هواتفهم، حيث تمكن القادة الحوثيون من الوصول إلى أرقام هواتفهم وهوياتهم بطريقة ما".

وكومبس يتطرق إلى معاينته لقطات تصوير الشاشة لدى مهندسين داخل الشركات توثق قواعد البيانات، التي يحتفظ بها الحوثيون لأفراد معينين واتصالاتهم.

ويردف بأنهم "يوثقون وقت إجراء مكالمة ما أو ما قيل في أثنائها، أو إلى من كان القائد العسكري يتحدث، أو الرسائل النصية والاتصالات بين الأشخاص".

ويؤكد أن الأمر لا يقتصر على القادة العسكريين، وإنما يشمل أي شخص يستشعر الحوثيون أنه خصم لهم.

إلى ذلك، يتحدث المستشار السابق في وزارة الاتصالات اليمنية محمد المحيميد، عن مئات في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي تم اختطافهم من بيوتهم ومقرات عملهم من خلال التجسّس المباشر عليهم من دون إذن قضائي وأي اعتبار لقوانين البلاد ودستورها.

تقرير مؤرخ بالخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018

وخلال التحقيق، تمكن فريق "عين المكان" من الحصول على تقرير خاص عن عملية اختراق، صادر عن المركز الإعلامي للقوات المسلحة اليمنية.

والتقرير مؤرخ بالخامس والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، ومذيل بتوقيع العقيد هيثم منشلين مدير المركز الإعلامي للقوات المسلحة.

ويكشف هذا الأخير في الوثيقة تفاصيل عمليات الاختراق لصفحات المركز الإعلامي لوزارة الدفاع اليمنية، لافتًا إلى أن عمليات الاختراق تمت بطريقة دقيقة.

كما تتحدث الوثيقة عن اختراق حساب الواتساب الخاص بالمقدم صالح القطيبي، نائب مدير المركز الإعلامي، مشيرة إلى أن حسابات المركز تتعرض لاختراقات مستمرة.

مراقبة تحركات واستهداف قيادات

كانت مذكرة سرية صادرة عن دائرة الحرب الإلكترونية التابعة لهيئة الاستخبارات والاستطلاع تعود إلى تاريخ 15 فبراير/ شباط 2021، وتحمل عنوان "منع إدخال الهواتف إلى الجبهات"، قد جرى توقيعها من قبل العقيد الركن يحيى الموشكي مدير دائرة الإلكترونية.

والموشكي الذي طلب منع إدخال الهواتف الخليوية إلى الجبهات، أشار إلى أن "العدو يقوم بجمع أرقام القيادات العسكرية الخاصة بكل جبهة وبمراقبة تحركاتهم على مدار الساعة وبشكل يومي، ويستخدم هذه المعلومات لاستهداف القادة العسكريين".

ويشرح الباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية كيسي كومبس، أن الأمر "كان طوال سنوات الحرب، ولكنه تسارع نوعًا ما في عامَي 2020 و2021".

ويلفت إلى أن الحوثيين "قاموا بمراقبة شديدة للقوات العسكرية في مأرب، فكانوا يراقبون اتصالات كبار القادة وكذلك اتصالاتهم مع القوات على الخطوط الأمامية، فضلًا عن اتصالاتهم مع حلفاء القبائل الآخرين والجماعات المسلحة التي تقاتل إلى جانبهم في مأرب".

ويتطرق المستشار السابق في وزارة الاتصالات اليمنية محمد المحيميد إلى مقتل "أبو اليمامة" في عدن، مذكرًا بأن صاروخًا ضرب يد الرجل التي كان يحمل فيها هاتفه. ويرى أن شريحة الهاتف كانت مستهدفة.

مقتل صالح الزنداني

كما يتوقف عند مقتل صالح الزنداني، الذي كان نائبًا لرئيس الأركان وتم استهداف الهاتف الذي كان يحمله، وفق ما يقول، وكذلك القذيفة التي أصابت أحد مرافقي وزير الدفاع السابق، فيما كان هذا الأخير هو المستهدف.

ويعتبر أنه من خلال هذه الدلائل ودون الخوض في التحقيق التقني والمباشر، يمكن الاستنتاج أن الحوثي يتعقب الشرائح ويستهدفها ويوجّه إليها الصواريخ الموجهة بسهولة.

ويذهب إلى القول إنه "بالرغم من أن جماعة الحوثي تسيطر على قرابة 30% من الجغرافيا اليمنية، إلا أن الحكومة الشرعية تركت كامل الجمهورية اليمنية تحت سيطرة الحوثيين من خلال تحكمهم بقطاع الاتصالات والإنترنت".

من جانبه، يقول رشاد المخلافي، رئيس شعبة الصحافة العسكرية في الجيش اليمني: "فقدنا عددًا من قيادة الجيش الوطني، وكان الاستهداف للأسف عن طريق الاتصالات وتحديد الإحداثيات عبر الشرائح الخلوية".

ويضرب مثالًا سيف اليافعي، رئيس الأركان السابق في الجيش، وأمين الوائلي الذي كان في الجبهة وحُددت إحداثيات موقعه وتم استهدافه بصاروخ.

كما يتحدث عن قيادات من المقاومة ووزير الدفاع السابق المقدسي، الذي تعرض للاستهداف أكثر من مرة، بما في ذلك عن طريق الشرائح الخلوية لمرافقيه.

إلى ذلك، وبحسب الخبير في الاتصالات وتقنية المعلومات رائد الثابتي، فقد استطاع الحوثيون أن يخترقوا أجهزة الجيش وإصدار أوامر إلى بعض القيادات بالانسحاب فتم الانسحاب بالفعل.

يعتبر قطاع الاتصالات الرئة الثانية التي يتنفس منها الاقتصاد اليمني

ويضيف الثابتي أن الحوثيين استطاعوا أن يخترقوا الجهاز الثابت الخاص بوزارة الدفاع في مأرب وأن يصدروا من خلاله توجيهات.

ويذكر أن الحوثيين وعندما حاصروا منطقة حجور قطعوا الاتصالات عنها بشكل تام إلى أن تم اقتحامها. ويقول إنه عندما سقطت مديرية العبدية تم قطع الاتصالات ثم أُعيدت مباشرة لمعرفة أماكن المقاتلين، الذين تم أسرهم عن طريق الاتصالات.

ويفيد بأن "الأمر لا يقتصر على متابعة المقاتلين، بل يشمل كل من يعارضهم وفي مقدمة ذلك الصحافيين والناشطين وحتى من هم محسوبين عليهم".

من ساعد الحوثيين في زيادة قدرتهم التقنية؟

أشار تقرير صدر عام 2021 عن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة إلى أن الحوثيين استخدموا الاتصالات للتجسس ولأغراض عسكرية قتالية.

وسجلت منظمة "ريكورد فيوتشر" المعنية برصد الاستخدام الأخلاقي للاتصالات، أكثر من 937 ثغرة رقمية في قطاع الاتصالات بشكل عام.

وفي حين أكدت معلومات ووثائق توسّع استغلال الحوثيين لأدوات الاتصالات، أثارت معها العديد من الأسئلة حول الجهات التي ساعدتهم في زيادة قدرتهم التقنية والفنية واستغلالهم لهذه الأدوات في الحرب.

ويشير الباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية كيسي كومبس، إلى أن الحوثيين، وبحسب مصادر، حصلوا على أنواع مختلفة من التكنولوجيا؛ مثل التكنولوجيا الصينية على وجه الخصوص لأداء بعض مهام التتبع. لكنه ينفي وجود الكثير من التفاصيل حول كيفية حصولهم عليها، وعن نوع التتبع.

بدوره، يذكر رشاد المخلافي، رئيس شعبة الصحافة العسكرية في الجيش اليمني، إحدى الشركات البريطانية، ويقول إنها ساهمت في تعزيزات أجهزة تنصت حديثة وتحديد إحداثيات حديثة، عززت الميليشيا فاستطاعت أن تعمّم هذه الأجهزة على بقية الشركات، واستفادت من ذلك كثيرًا في مواجهة خصومها".

وبرأيه "لا يمكن أن يتم التعاون بين شركة بريطانية ذات أهمية مع ميليشيا، إلا بضوء أخضر من الحكومة البريطانية". بحث فريق "عين المكان" عن هذه الشركة لفحص دورها ليجد أنها شركة بريطانية مقرّها في العاصمة لندن. 

الشركة تطلق على نفسها "كرييتفيتي سوفتوير"، وتقدم نفسها كشركة متعاونة مع الحكومات لتطوير أدوات الاستخبارات والتجسس والتعقب. 

ويؤكد المستشار السابق في وزارة الاتصالات اليمنية محمد المحيميد، أن الشركة بريطانية وهي من تزوّد الحوثيين بالمواقع التي يريدون استهدافها باستخدام الإنترنت والاتصالات.

ويردف: "ربما كان لهذه الشركة اتفاق مع الأمن القومي في اليمن قبل الأحداث، في ما يتعلق ربما بمسائل الإرهاب".

سيطر الحوثيون على المراكز السيادية في العاصمة صنعاء في سبتمبر/ لعام 2014

والباحث في مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية كيسي كومبس، يقول إنه منذ العام 2008 – 2009 جرى توفير برنامج للرئيس السابق علي عبد الله صالح، متحدثًا عن تقارير موثقة تثبت استخدام هذه التقنية.

وينقل عن مصادر تحدث إليها أثناء الحرب أن الحوثيين استخدموا أيضًا هذه التقنية في العمليات العسكرية والتجسس على المعارضين وغيرها من الأمور.

ويردف بأنه "لم يتمكن من تأكيد هذه المزاعم ضد الحوثيين، والتي أخبره بشأنها أشخاص يعملون في شركات الاتصالات"، وفق تعبيره.

لا تجاوب من الشركة

أما الخبير في الاتصالات وتقنية المعلومات رائد الثابتي، فيوضح أنه من الأشخاص الذين حاولوا التواصل مع الشركة، ولكنها لم تتجاوب ما يحمل برأيه دلالة كبيرة على أنها متورطة.

بدوره، تواصل فريق "عين المكان" مع الشركة وأبلغها برغبته بالحديث عن دورها في اليمن، لكنها رفضت الحديث بشكل قاطع.

ثم قام بعد ذلك بإرسال طلب رسمي للرد على استفساراته، لكن حتى تاريخ عرض التحقيق لم يصله أي رد منهم.

وفي محاولة الكشف عن حقيقة تلك الشركة تواصل "عين المكان" مع وزير الاتصالات الأسبق لطفي باشريف، أحد الفاعلين المهمين في ملف الاتصالات اليمنية، ولكنه اعتذر عن المقابلة لأسباب سياسية معربًا عن خطورة الموضوع. وفي الوقت نفسه أكد دور الشركة البريطانية، التي ساعدت الحوثيين في تطوير قدراتهم الفنية.

إلى ذلك، حصل "عين المكان" على نسخة مسربة من التقرير السنوي لدائرة الاتصالات العسكرية لعام 2018؛ يكشف عن أعمال غير واضحة يقوم بها مكتب الاتصالات في مدينة مأرب من خلال فرق هندسية تأتي من العاصمة صنعاء تثير شكوك الاستخبارات والأمن العسكري اليمني.

هذه المعلومات تتقاطع مع مراسلة داخلية حصل "عين المكان" على نسخة منها موجّهة إلى مدير عام شرطة محافظة مأرب، من مركز القيادة والسيطرة التابعة لرئاسة هيئة الأركان بتاريخ 13 أغسطس/ آب 2017.

فما كان محتوى هذه المراسلة، والمزيد عن ملف الاتصالات في اليمن في الحلقة المرفقة من "عين المكان".

يُذكر أن فريق البرنامج تواصل مع وزير الاتصالات نجيب العوج، للحصول على إجابات عن أسئلته. وبعدما وجه فريق الوزارة للتعاون معنا رفضوا الحديث.

كما قام فريق العمل بالتواصل مع قيادات جماعة الحوثي في اليمن للرد على الاتهامات الواردة في التحقيق، ولم نحصل على أي إجابات حتى عرض الحلقة.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close