توتر بين مصر وإسرائيل.. ما وراء زيارة رئيس أركان الجيش إلى الحدود؟
في أول زيارة من نوعها لمسؤول مصري عسكري رفيع المستوى منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، تفقد رئيس أركان الجيش المصري أحمد خليفة الأوضاع الأمنية على الحدود مع قطاع غزة والجانب المصري من معبر رفح.
وتكمن أهمية الزيارة في الرسائل والدلالات التي تحملها، وفي توقيتها الذي يأتي في خضم توتر مصري إسرائيلي عنوانه محور صلاح الدين الحدودي بين مصر وقطاع غزة.
وما انفك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بين وقت وآخر يؤكد أن الجيش الإسرائيلي لن ينسحب من الجانب الفلسطيني على الحدود مع مصر، بزعم منع عمليات تهريب السلاح، وذلك ما تستنكره القاهرة وترفضه بشكل مطلق، وتصر في خضمه على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل.
غير أن حدة التوتر بين الجانبين ارتفعت وتيرتها مع تكرار نتنياهو اتهاماته لمصر بغض النظر عن تهريب الأسلحة إلى غزة عبر محور صلاح الدين، وذلك ما رفضته القاهرة رسميًا على لسان وزارة الخارجية، واعتبرته محاولة لعرقلة التوصل إلى وقف إطلاق النار في القطاع، وتشتيتًا للرأي العام الإسرائيلي.
وعلى الطرف الآخر، تؤكد حركة حماس عبر قيادييها، عدم قبولها بأي صفقة تهدئة بدون الانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع بما في ذلك محور صلاح الدين الذي بات الذريعة التي يستخدمها نتنياهو لعرقلة التوصل إلى صفقة.
ووسط هذه المعطيات تحاول واشنطن عبر مقترح جديد ستطرحه على الطاولة قريبًا، تضييق الفجوات بين حماس وإسرائيل خاصة ما يتعلق بمحور صلاح الدين، وقد أشار مسؤول كبير في الإدارة الأميركية في سياق ذلك إلى أن مرحلة الصفقة الأولى لا تتضمن مفاوضات بشأن محور صلاح الدين الذي لم يأت الاتفاق على ذكره بعد.
ما رسائل زيارة رئيس أركان الجيش المصري؟
وفي هذا السياق، اعتبر الخبير العسكري العميد سمير راغب أن زيارة رئيس أركان الجيش المصري إلى الحدود مع غزة تأتي في توقيت بالغ الأهمية، وتهدف إلى الاطمئنان على القوات وتعزيز الروح المعنوية لها.
وفي حديثه للتلفزيون العربي من القاهرة، أضاف أن هذه الزيارة تحمل رسالة طمأنة للمصريين بشأن أمن قواتهم واستقرار الحدود، والتأكيد على أهمية الحدود بالنسبة لمصر.
وأشار راغب إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي يزور محور صلاح الدين وسط الدمار والتهديدات، بينما الوضع في مصر مستقر والحدود آمنة.
وذكر راغب أن رئيس أركان الجيش المصري كان قد صرح في وقت سابق بأن أمن الحدود المصرية سيتم الحفاظ عليه للأجيال القادمة، وأنه لن يسمح لأي قوة في العالم بالمساس بأمن الحدود، مؤكدًا أن إسرائيل لن تستطيع فرض أي أمر واقع على مصر.
وشدد على أن مصر لن تقبل بأي وجود إسرائيلي في معبر رفح أو محور صلاح الدين، سواء كانت القاهرة وسيطًا أو داعمة للفلسطينيين بناءً على طلب حركة حماس، أو التزامًا باتفاقية السلام والملحق الأمني واتفاقية المعابر الموقعة عام 2005.
واعتبر راغب أن اتهام مصر بالتقصير في أمن الحدود الذي أدى إلى دخول الأسلحة هو اتهام باطل، مشددًا على أن القاهرة تواصل الحفاظ على أمن حدودها سواء قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أو بعده، ولن تقبل فرض أي أمر واقع.
ما هدف السيطرة الإسرائيلية على محور صلاح الدين؟
من جهته، أوضح الباحث في مركز مدى الكرمل مهند مصطفى أن السيناريو المطروح الآن في إسرائيل هو السيطرة العسكرية والأمنية على محور صلاح الدين، والعودة إلى ما قبل 2005.
وفي حديث للتلفزيون العربي من أم الفحم، أضاف مصطفى أن نتنياهو مصمم على البقاء في محور صلاح الدين واحتلاله دون الانسحاب منه، مشيرًا إلى أنه يحاول تبرير هذا البقاء بتفسيرات أمنية وعسكرية. وأوضح أن نتنياهو يوجه اتهامات إلى الجانب المصري بعدم إغلاق المعبر بشكل كافٍ، مما أدى إلى تهريب السلاح.
ورأى مصطفى أن التفسير الحقيقي لبقاء قوات الاحتلال في محور صلاح الدين هو العودة إلى ما قبل 2005، أي قبل فك الارتباط عن قطاع غزة، وعودة السيطرة العسكرية والأمنية الإسرائيلية على القطاع، كما هو الحال في الضفة الغربية.
وتابع أن العائق الوحيد أمام هذه الإستراتيجية الإسرائيلية هو أن نتنياهو فشل حتى هذه اللحظة في إيجاد حكم مدني في قطاع غزة، لافتًا إلى أنه طوال الوقت يحاول أن يطيل ملف الصفقة، ويطيل الحرب حتى الانتخابات الأميركية على أمل أن يأتي دونالد ترمب، وينقذه من سؤال اليوم التالي.
واعتبر أن سيناريو الانسحاب الإسرائيلي من محور صلاح الدين كما توضح المؤشرات الإسرائيلية من تصريحات رئيس الحكومة والتصويت في الكابينيت بالإجماع باستثناء وزير الأمن يوآف غالانت وموافقة الحكومة الإسرائيلية على ذلك، أن إسرائيل ستبقى في هذا المحور.
وتابع مصطفى أن الاحتلال تجاوز كل الخطوط الحمراء باحتلاله محور صلاح الدين ومعبر رفح وليس هناك من ردع، موضحًا أن مهمة الردع هو منع القيام بعملية، وليس ردع أن تجبر من قام بالعملية أن ينسحب منها.
وأردف أن الخط الأحمر القادم الذي ستتجاوزه إسرائيل هو احتلال سيناء، مشيرًا إلى أن الاحتلال تجاوز كل الخطوط الحمراء في العلاقة مع مصر.
هل لدى واشنطن حلًا فيما يتعلق بمحور صلاح الدين؟
من جانبه، قال كبير الباحثين في مركز التقدم الأميركي، لورانس كورب: إنه "من المهم جدًا أن نفهم أن نتنياهو ووزير أمنه يعتقدان أن بإمكان الإسرائيليين الانسحاب من محور صلاح الدين". ومع ذلك، زعم كورب أن مصر لم تؤدِّ دورها بشكل جيد قبل السابع من أكتوبر، حيث تم تهريب الكثير من الأسلحة عبر هذا المحور، وفق رأيه.
وفي حديثه للتلفزيون العربي من فيرجينيا، أضاف: "إذا أكدت مصر أنها ستتخذ إجراءات لضمان عدم تكرار ذلك، وإذا قدمت تطمينات لبلدان المنطقة والولايات المتحدة بأن التهريب لن يحدث مجددًا، أعتقد أنه يمكننا ممارسة ضغوط إضافية على نتنياهو".
وأشار كورب إلى أن الإدارة الأميركية لا تدعم نتنياهو في هذا الشأن، حيث لم يثر قضية محور صلاح الدين خلال اتفاقه مع بايدن على شروط وقف إطلاق النار. وأضاف أن هذه القضية برزت فقط في الفترة الأخيرة مع اقتراب التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وأكد كورب أن "مصر يجب أن تكون حذرة وتطمئن إسرائيل ودول المنطقة بأنه في حال انسحاب إسرائيل من محور صلاح الدين، فإن تهريب الأسلحة لن يتكرر، لأن ذلك لن يكون في مصلحة أي طرف"، حسب قوله.
وكشف كورب أن واشنطن تمتلك حلًا لسد الفجوة بين إسرائيل وحماس بشأن محور صلاح الدين، لكنه تساءل عن مدى دعم نتنياهو لهذا الحل، مشيرًا إلى أن نتنياهو قد يفقد الدعم الأميركي إذا لم يُظهر مرونة للوصول إلى وقف لإطلاق النار.
وأضاف كورب: "إن هدف الإدارة الأميركية بعد وقف الحرب في غزة هو رؤية دولة فلسطينية تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة، تُدار من قبل السلطة الفلسطينية"، وفق قوله.