الجمعة 14 تشرين الثاني / نوفمبر 2025
Close

جوزيب بوريل.. "ابن الخبّاز" الذي أصبح من أشد منتقدي إسرائيل

جوزيب بوريل.. "ابن الخبّاز" الذي أصبح من أشد منتقدي إسرائيل محدث 21 آب 2025

شارك القصة

جوزيب بوريل من مؤيد لاسرائيل لاشد منتقديها بسبب العدوان على غزة-غيتي
جوزيب بوريل من مؤيد لإسرائيل لأشد منتقديها بسبب العدوان على غزة - غيتي
الخط
من مؤيد لإسرائيل بعد هجوم طوفان الأقصى إلى واحد من أشد منتقدي إسرائيل، هكذا انتهى الامر بجوزيب بوريل الممثل الأعلى السابق للاتحاد الأوروربي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.

إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والمقرّرة الخاصة بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي، والمفوّض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيليب لازاريني، يحتلّ جوزيب بوريل، مسؤول الشؤون الخارجية السابق في الاتحاد الأوروبي، موقعًا بارزًا في صفوف المسؤولين الأمميين والدوليين الذين اتخذوا مواقف أخلاقية متماسكة، رافضةً لحرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. 

لكنّ موقف بوريل لم يكن كذلك منذ بداية العدوان الإسرائيلي، بل شهد تحوّلًا جذريًا مع تصاعد توحش الهجمات ورفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو النداءات الأممية والدولية لوقف الحرب.

ففي أعقاب عملية "طوفان الأقصى" التي نفذتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، سارع بوريل، الذي تولى منصبه في عام 2019، إلى وصف الهجوم بـ"المروّع".

وصف بوريل هجوم طوفان الاقصى بالمروع وجريمة حرب-غيتي
وصف بوريل هجوم طوفان الاقصى بالمروع وجريمة حرب-غيتي

وفي مقابلة أجرتها معه قناة "الجزيرة" بعد نحو شهر من الهجوم، رفض بوريل توصيف المجازر الإسرائيلية بحق المدنيين في قطاع غزة بأنها جرائم حرب. لكنه، وقبل مغادرته منصبه، اعتبر الوضع في غزة كارثيًا ومروّعًا، مشيرًا إلى أن الدمار فيها يفوق ما شهدته ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية.

وقال بوريل: "غزة كانت قبل الحرب سجنًا مفتوحًا، وأصبحت اليوم أكبر مقبرة مفتوحة".

من إدانة حماس إلى تجريم إسرائيل

في المقابلة نفسها مع "الجزيرة" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، لم يتردّد بوريل في وصف هجوم "طوفان الأقصى" الذي وقع في 7 أكتوبر بأنه "جريمة حرب"، وقال:

ما حدث كان قتلًا للمدنيين بشكل واضح من دون أي سبب. ما حصل في هجوم حماس كان رعبًا، وما يحدث في غزة أمر مرعب.. كلاهما أمر مرعب.

ورغم رفضه اعتبار هجوم حماس حقًا مشروعًا للشعوب الواقعة تحت الاحتلال، شدّد في المقابل على ما وصفه بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولم يبدِ أي اعتراض على العدوان الإسرائيلي سوى دعوته إلى احترام القانون الدولي. وعلّق على وصف المجازر الإسرائيلية بجرائم الحرب قائلًا: "أنا لست محاميًا. هناك المحكمة الجنائية الدولية، وهي من ستتولى التحقيق".

في صيف 1969 عمل بوريل متطوعًا في كيبوتس غال أون باسرائيل-غيتي
في صيف 1969 عمل بوريل متطوعًا في كيبوتس غال أون باسرائيل-غيتي

وقد أرجع كثيرون موقف بوريل المؤيد لتل أبيب آنذاك إلى خلفيته العاطفية القديمة تجاه إسرائيل وإعجابه بنموذجها. فهو سبق أن عمل في صيف عام 1969 متطوعًا في "كيبوتس غال أون"، حيث التقى بمن أصبحت لاحقًا زوجته، الفرنسية كارولين مايور.

وتعكس سيرة بوريل السوسيولوجيا المعقّدة والمضطربة لليسار الاشتراكي الأوروبي، خصوصًا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في أواخر الثمانينيات، إذ أصبح هذا التيار يتأرجح بين نزعات متناقضة تشمل دعم إسرائيل، وانتقاد داعميها من القوى الكبرى في الوقت نفسه، فضلًا عن نزعة مركزية أوروبية تنشط أثناء الأزمات الكبرى، ولكن من موقع الناقد.

الاشتراكي.. ابن الخبّاز

وُلد بوريل، مهندس الطيران والخبير الاقتصادي وأستاذ الرياضيات، في قرية لا بوبلا دي سيغور الكتالونية عام 1947، لوالد كان يملك مخبزًا صغيرًا.

دخل عالم السياسة في السبعينيات بانضمامه إلى الحزب الاشتراكي العمالي الإسباني، وسرعان ما تولّى مناصب إدارية ووزارية رفيعة المستوى في حكومات رئيس الوزراء فيليبي غونثاليث بين عامي 1982 و1996، كما شغل منصب وزير الخارجية في بلاده بين عامي 2018 و2019.

وقبل تولّيه حقيبة الخارجية، عمل في المؤسسات الأوروبية، فكان عضوًا في البرلمان الأوروبي بين عامي 2004 و2009، وتولّى رئاسته لاحقًا لفترة وجيزة. وفي عام 2019، تم تعيينه ممثلًا ساميًا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية.

وقد أنشئ هذا المنصب بموجب معاهدة لشبونة عام 2009.

خافيير سولانا المسؤول الاسبق للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الاوروبي-غيتي
خافيير سولانا المسؤول الاسبق للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الاوروبي-غيتي 

وكان السياسي الألماني يورغن ترومبف، الأمين العام لمجلس الاتحاد الأوروبي ما بين عامي 1994-1999، أول من شغل المنصب ولكن لفترة قصيرة لا تزيد عن شهر واحد، قبل أن يتولى المنصب الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو) الإسباني خافيير سولانا ما بين عامي 1999 و2009. 

وتولّت السياسية البريطانية كاثرين أشتون المنصب ما بين عامي 1999 و2014، فوزيرة الخارجية الإيطالية السابقة فيديريكا موغيريني حتى عام 2019، وبعدها الإسباني جوزيب بوريل حتى عام 2024، وأخيرًا كايا كالاس، رئيسة وزراء إستونيا السابقة.

أوروبا "حديقة" وسط الأدغال

خلال جلسة تثبيته في البرلمان الأوروبي في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، تعهّد بوريل بالتركيز على منطقة البلقان والدول الواقعة على الحدود الشرقية للاتحاد الأوروبي، كما وعد بالتصدي لما سمّاه "النزعة التوسعية" لروسيا، ورفض رفع العقوبات عنها ما لم يحدث "تغيير جذري" في الكرملين، وقال حينها: "بانتظار أن تغيّر روسيا موقفها من القرم وانتهاكات وحدة الأراضي الأوكرانية، يجب أن تبقى تلك العقوبات قائمة".

واتسم موقف بوريل من موسكو بما وصفه دبلوماسيون غربيون بالتشدّد، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2022 حذّر روسيا من أن الغرب "سيقضي على جيشها" في حال استخدم الرئيس فلاديمير بوتين السلاح النووي ضد أوكرانيا.

حذّر بوريل من قيام الغرب بالقضاء على الجيش الروسي لو استخدم بوتين النووي-غيتي
حذّر بوريل من قيام الغرب بالقضاء على الجيش الروسي لو استخدم بوتين النووي - غيتي

لكن الضجة الكبرى التي أثارها لم تقتصر على تهديده موسكو، بل على وصفه أوروبا بـ"الحديقة" وبقية العالم بـ"الأدغال"، في تصريح وُصف بالعنصري والاستعلائي. فقد قال بوريل:

أوروبا حديقة. لقد بنينا حديقة، أفضل مزيج من الحرية السياسية والرخاء الاقتصادي والترابط الاجتماعي استطاعت البشرية أن تبنيه، لكن بقية العالم ليس حديقة تمامًا. بقية العالم، أغلب بقية العالم، هو أدغال. 

واستطرد بوريل قائلًا: "الأدغال يمكن أن تغزو الحديقة، وعلى البستانيين (المشرفون على الحديقة) أن يتولوا أمرها، لكنهم لن يحموا الحديقة ببناء الأسوار". 

وقال بوريل إن "الأدغال لديها قدرة هائلة على النمو، والأسوار مهما كانت عالية لن تتمكن من حماية الحديقة. على "البستانيين" أن يذهبوا للأدغال. على الأوروبيين أن يكونوا أكثر انخراطًا مع بقية العالم، وإلا فإن بقية العالم سوف تغزو أوروبا". 

وردّت موسكو على تصريحه بعنف، لا سيما أنّه أدلى به في سياق الغزو الروسي لأوكرانيا، فهاجمت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بوريل قائلة: "أوروبا أنشأت تلك الحديقة عبر النهب البربري للأدغال"، وأضافت أنّ "فلسفتهم في الفصل والتفوق هي الفكرة الأساسية للفاشية والنازية".

حرب ضد أطفال غزة

يمكن فهم تحوّل مواقف بوريل تجاه إسرائيل في إطار ما يشبه "الحرص" الأوروبي على إنقاذها من نفسها ومن سياسات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو، وهو ما ينسجم مع مواقف غربية عديدة تؤكد التزامها بالدفاع عن وجود إسرائيل، لكنها ترى أن قيام دولة فلسطينية يخدم تلك الغاية.

ندد بوريل بحرب التجويع في غزة واستخدام المساعدات الانسانية سلاح حرب-غيتي
ندد بوريل بحرب التجويع في غزة واستخدام المساعدات الانسانية سلاح حرب-غيتي

وفي آخر اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قبل مغادرته منصبه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، قال بوريل إنه "لم يعد هناك كلام" لوصف الوضع في الشرق الأوسط، وندّد بما وصفه بـ"الحرب ضد الأطفال" في غزة، قائلًا إن "هناك حوالى 44 ألف قتيل، 70% منهم نساء وأطفال".

وأشار إلى أنه اقترح تعليق الحوار السياسي بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل احتجاجًا على الأوضاع في غزة، لكن جهوده لم تُثمر.

وفي الشهر نفسه، دان بوريل القصف الإسرائيلي على جباليا، ولفت إلى أن مصطلح "التطهير العرقي" بات يُستخدم على نحو متزايد في وصف ما يجري شمال القطاع، قائلًا إن "الواقع اليومي للتهجير القسري ينتهك القانون الدولي"، كما شدّد على أن "استخدام الجوع سلاحًا في الحرب يتعارض مع القانون الإنساني الدولي".

وفي كلمة ألقاها خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2024، أعرب بوريل عن أسفه لغياب أي قوة قادرة على لجم رئيس الوزراء الإسرائيلي، قائلًا لعدد من الصحافيين:

ما نفعله هو ممارسة كل الضغوط الدبلوماسية لوقف إطلاق النار، لكن لا يبدو أن أحدًا يملك القدرة على وقف نتنياهو، لا في غزة ولا في الضفة الغربية.

كاتس: بوريل معاد للسامية

في 14 سبتمبر/ أيلول 2024، اتّهم وزير الخارجية الإسرائيلي حينها، يسرائيل كاتس، بوريل بمعاداة السامية، ردًا على إدانته مقتل موظفين أمميين في غارة إسرائيلية على مدرسة تؤوي نازحين في مخيم النصيرات وسط القطاع. وقال كاتس:

جوزيب بوريل معادٍ للسامية ومنتقد لإسرائيل، ويحاول باستمرار تمرير قرارات وعقوبات ضدّ إسرائيل داخل الاتحاد الأوروبي، ولكن يتم منعه لاحقًا من قبل معظم الدول الأعضاء.

ولم يكن هذا الانتقاد الوحيد الذي يوجهه كاتس لبوريل، ففي مارس/آذار 2024 أكد بوريل أن هجوم إسرائيل حوّل قطاع غزة إلى "مقبرة مفتوحة"، قائلًا خلال اجتماع لوزراء الاتحاد الأوروبي في بروكسل:

كانت غزة قبل الحرب سجنًا مفتوحًا، وباتت اليوم أكبر مقبرة مفتوحة.. إنها مقبرة لعشرات آلاف الأشخاص، كما أنها مقبرة للكثير من أهم مبادئ القانون الإنساني".

وكرّر بوريل اتهام إسرائيل باستخدام المجاعة "سلاح حرب" عبر عدم السماح لشاحنات المساعدات بدخول القطاع.

يسرائيل كاتس اتهم حوزيب بوريل بمعاداة السامية-غيتي
يسرائيل كاتس اتهم حوزيب بوريل بمعاداة السامية - غيتي

وردًّا على تصريحاته هذه، دعاه وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس للتوقف عن مهاجمة إسرائيل و"الاعتراف بحقّنا في الدفاع عن أنفسنا في مواجهة جرائم حماس".

وبحسب خطاب لبوريل في الشهر نفسه أمام مجلس الأمن الدولي فإن التجويع والأزمة الإنسانية في غزة "ليست كارثة طبيعية، هي ليست فيضانًا أو زلزالًا بل من صنع الإنسان"، مؤكدًا أن "تجويع السكان يُستخدم سلاحًا للحرب".

كما طالب بوريل في فبراير/ شباط 2024 حلفاء إسرائيل، وخصوصا الولايات المتحدة، بوقف تزويدها بالأسلحة.

إلى أين سيجلون الغزّيين؟ إلى القمر؟

وردًا على تصريح الرئيس الأميركي السابق جو بايدن بأن العمل العسكري الإسرائيلي في غزة "تجاوز الحد"، قال بوريل ساخرًا: "حسنا، إذا كنت تعتقد أن عددًا كبيرًا جدًا من الناس يُقتلون، ربما يجب عليك إرسال أسلحة أقل من أجل منع قتل هذا العدد الكبير من الناس".

كما سخر من أمر أصدره نتنياهو بوجوب "إجلاء" أكثر من مليون فلسطيني إلى رفح قبل عملية عسكرية إسرائيلية كانت مرتقبة، متسائلًا: "إلى أين سيتم إجلاؤهم؟ إلى القمر؟ إلى أين سيجلون هؤلاء الناس؟".

الى اين سيجلون الغزيين؟ تساءل بوريل: الى القمر؟-غيتي
الى اين سيجلون الغزيين؟ تساءل بوريل: الى القمر؟-غيتي

وأكد بوريل في يناير/ كانون الثاني 2024 أن إسرائيل لا تملك حق "الفيتو" على حق الفلسطينيين في إقامة دولة، قائلًا: "يجب توضيح أمر: لا يمكن أن يكون لإسرائيل حقّ الفيتو على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره"، مضيفًا: "الأمم المتحدة اعترفت مرارًا بهذا الحق، ولا يمكن لأحد نقضه".

ورأى أن قيام دولة فلسطينية هو "السبيل الأفضل لضمان أمن إسرائيل"، لكنه شدّد على أن الحل لن يأتي من الداخل، بل "يجب فرضه من الخارج"، لأن "الطرفين لن يتمكّنا من التوصل إلى اتفاق بأنفسهما".

وقال في مؤتمر دبلوماسي في لشبونة في يناير 2024: "ما تعلمناه من الثلاثين عامًا الماضية، وما نتعلمه الآن من مأساة غزة، هو أن الحل يجب أن يُفرض من الخارج".

تابع القراءة

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي