حادثة تثير الجدل.. تنمر على مدرس يقوده إلى الانتحار في تونس
منذ سنوات تحذّر جمعيات تونسية من تنامي الظواهر السلبية التي تنتشر بين المراهقين في المؤسسات التعليمية انطلاقًا من ارتباطهم بمواقع التواصل الاجتماعي ومنصات البث المباشر. لكن ما وصلت إليه نتائج هذا الظواهر ربما لم يكن يخطر على بال أحد.
وقبل نحو أسبوعين، شهدت مدرسة ثانوية بمدينة شيبا التونسية، سجالاً بين طالب ومدرس تحول إلى نقاش حاد وتلاسن بين الإثنين. ويبدو الأمر هنا طبيعيًا ولكنَّ زملاء الطالب قاموا بتصوير المشهد ونشره على مواقع التواصل الاجتماعي مجتزأً يشبه الاعتداء على التلميذ وتعنيف غير مبرر فحولوا التلميذ إلى ضحية والمدرّس إلى جاني.
انتحار المدرس بعد اتهامه بالتعنيفوقد قدّمت عائلة التلميذ شكوى ضد المدرس واتهمته بتعنيف ابنها، وعلى إثرها شكلت الهيئة التعليمية فرقة أبحاث أمنية مختصة بقضايا العنف للتحقيق مع المدرس، وبالتوازي مع التحقيق واجه المعلم فاضل جلولي حملة على مواقع التواصل تتهمه بتعنيف الطلاب.
وبعد نحو أسبوعين من بدء مسار التحقيق، تفاجأت الهيئة التعليمية بنبأ انتحار المدرس فاضل جلولي حرقًا وبعد التدقيق وبحث في ملابسات الحادث، تبيَّن أنهُ أضرم النار في نفسه جراء تعرضه لحملة تنمر واسعة من تلاميذه حولت حياته إلى كابوس لم يقو على مقاومتها.
حملة ضد الأسرة التعليميةوعادت مواقع التواصل الاجتماعي إلى التفاعل مع الخبر، وقاد ناشطون حملة معاكسة هذه المرة هاجموا فيها الأسرة التعليمية لتقصيرها في حماية المدرسين وعدم التجاوب مع مطالبات بوضع قوانين تحجّم أضرار التّنمر عليهم.
وقد دخلت وزارة العدل التونسية على الخط وأمرت بفتح تحقيق فوري للحادث والوقوف على ملابساته.
وقال المتحدث باسم النيابة العامة بمحاكم المنستير والمهدية، فريد بن جحا: "إن التحقيقات الأولية أظهرت أن الأستاذ المتوفى وعمره خمسون عامًا، تعرّض لحملة تنمر من قبل تلاميذ يدرسون في المؤسسة التعليمية التي يعمل بها، كما نُشرت مقاطع فيديو له توثّق اعتداءه بالعنف على أحد التلاميذ".
نقابة التعليم الثانوي تستنكر الحادثمن جهتها، استنكرت نقابة التعليم الثانوي الحادث وأصدرت بيانًا قالت فيه: "ما تعرّض له المدرس المتوفى هو نتيجة طبيعية وحتمية للصمت المطبق والمريب لوزارة التربية إزاء ما لحق بالمربين من تشويه ممنهج على وسائل التواصل الاجتماعي وتدخل القضاء في الشأن التربوي، ما تسبب في تفشي ظاهرة العنف المادي واللفظي ضد المُدرسين وضرب قيمهم الاعتبارية، وترذيلِ المدرسةِ الحكومية".
وقد فجّرت الحادثة موجة من ردود الفعل على شبكات التواصل الاجتماعي. وكتب نعمان محمدي وهو خبير تربوي: "ما الذي يدفع أستاذًا تخرج من كلية الشريعة و أصول الدين إلى الانتحار حرقًا؟ المسألةُ لا تحتاج إلى وقفة احتجاجية بقدر ما تحتاج إلى إعادة النظر في المنظومة القيمية والأخلاقية لصلب العائلة التونسية التي تفككت وأصبحت تشكل خطرًا على التركيبة المجتمعية".
أزمة "أخلاق حقيقية"أمّا الصحفية وصانعة المحتوى هاجر دريس علقت قائلة: "أجزم أنها نهاية عصر "قم للمعلم.. أرجو أن لا يقتصر الردّ على برقية تعزية بل علي إجراءات صارمة إننا نعيش أزمة أخلاق حقيقية".
وقال أحمد سليمان العمري وهو عضو رابطة أدباء الشام: "يعود السبب الرئيس وراء هذا الممارسات الطلابية بالدرجة الأولى إلى الأسرة ثم إهمال دور المعلم. من الضرورة تعديل المسار المجتمعي الآخذ في الانهيار حتى يستعيد المعلم مكانته الاجتماعية والتربوية ويتقلص العنف المتفاقم عليه حتى أصبح التدريس من أقلِ الوظائف رغبة بين أصحاب الاختصاص".
كذلك علَّق محسن نيفاتي بالقول: "حادثة انتحار الأستاذ تستحق دراسة سوسيولوجية معمقة وإن لم تشخص أسبابها فإنها ستتكرر مرات أخرى. التلميذ كانت علاقته بالمربي علاقة إجلال وخشوع. أمّا اليوم فصارت مادية بحتة في حوانيت تؤجَّر ويتحاسب الجميع نهاية كل شهر".
وكتب الصحفي منير هاني: "التنمر من أحقر المظاهر وأبشع المشاعر التي تنتشر في مجتمعنا اليوم. حادثة أليمة قد نستخلص منها قصة بأن كلمة واحدة قد تدمّر حياة شخص. بكلمة واحدة يمكن تحويل الفرح إلى مأساة والصداقة إلى عداوة لنحرص على أن تكون كلماتُنا وأفعالنا مصدرًا للسلام والإيجابية لا للألم والدمار".
وكانت وزارة العدل التونسية قد وجَّهت قبل نحو شهر النيابة العامة لاتخاذ إجراءات قانونية لـمواجهة الممارسات المخالفة على مواقع التواصل الاجتماعي بما فيها مظاهر التنمر وقضت محكمة تونسية بسجن خمسة صنّاع محتوى رغم تباين الآراء بين من عدَّها حماية للمجتمع ومن انتقدها لأنها تقييد لحرية التعبير.