الأحد 14 أبريل / أبريل 2024

حرب النجوم.. روسيا واليمين الأوروبي المتطرف بين المصالح والأيديولوجيا

حرب النجوم.. روسيا واليمين الأوروبي المتطرف بين المصالح والأيديولوجيا

Changed

حلقة من برنامج "عين المكان" تسلط الضوء على خلفيات العلاقة بين النظام الروسي والحركات اليمينية في أوروبا (الصورة: تويتر)
تعارض الأحزاب اليمينية الأوروبية فكرة الكيان الموحد، وتهدف إلى تقويضه ومعارضة الهيمنة الأميركية على القارة العجوز، وتلتقي بذلك مع تطلعات موسكو.

يدور صراع شديد حول هوية أوروبا، بين المؤيدين لمشروع الاتحاد الأوروبي والمناهضين لفكرته، أي الأحزاب اليمينية المتطرفة الرافضة لكل أشكال الاندماج الإقليمي أو الاتحاد القاري.

وفي طرف خفي من هذه المعركة، تقف روسيا التي دعمت تلك الأحزاب ومولتها، كخطوة أولى في طريق القضاء على المشروع الأوروبي الكبير.

وتجاوزت موسكو ذلك إلى تقديم الدعم العسكري لبعض هذه الأحزاب، حيث أنشأت روسيا مركزًا عسكريًا في سانت بطرسبرغ لتدريب أعضاء من اليمين الأوروبي المتطرف؛ وهو ما دفع نائب رئيس المفوضية الأوروبية فرانس تيمرمانز للقول: إن "الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يدعم اليمين المتطرف في أوروبا لأنه يريد أن يقسمنا".

وانتشر اليمين المتطرف في فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والمجر وهولندا والنمسا وبريطانيا، ووصلت أحزابه لمواقع السلطة في بعض من هذه الدول، ونافست على المواقع المهمة في دول أخرى.

أحزاب تعارض فكرة الكيان الموحّد

وتعارض الأحزاب اليمينية الأوروبية فكرة الكيان الموحد، وتهدف إلى تقويضه ومعارضة الهيمنة الأميركية على القارة العجوز، وتلتقي بذلك مع تطلعات موسكو.

يضاف لذلك مناهضة وجود اللاجئين للحفاظ على هوية أوروبا المسيحية، حيث يُعتبر الروس أكثر المستفيدين من هذه الفكرة، لذا عملت موسكو على استغلال هذه الفرصة من خلال تقديم خطاب مسيحي يرعاه الكرملين، الذي يعتبر نفسه المدافع عن القيم المسيحية، وخصوصًا الأرثوذكسية.

فوفقًا للوثائق، فإن موسكو دعمت المنتدى البرلماني الدولي، وهي حركة اجتماعية سياسية تقوم على القيم المسيحية وتهدف لتوحيد البرلمانيين من روسيا وأوروبا. كما أشارت الوثائق إلى أن روسيا دعمت بملايين الدولارات مظاهرات ضد زواج المثليين في فرنسا.

وتثير العلاقة بين روسيا والأحزاب اليمينية الأوروبية المتطرفة تساؤلات عديدة، أبرزها الأهداف التي ينشدها كل طرف من الآخر، والخطر الذي يشكله هذا التلاقي.

اللاجئون في أوروبا
تناهض الأحزاب اليمينية المتطرفة وجود اللاجئين للحفاظ على هوية أوروبا المسيحية

"وحش مناهض للديمقراطية"

تعد أوروبا أكثر بقاع العالم هدوءًا، حيث جعلت مبادئ الحرية والديمقراطية من شواطئها مقصدًا لقوارب الهجرة من مختلف دول العالم.

ومع هذا التدفق الكبير للمهاجرين، ظهرت في المقابل حركات وأحزاب سياسية تعارض ما أسمته "الباب المفتوح"، ومنها أحزاب اليمين الأوروبي المتطرف التي تميل نحو العزلة والتخلص من الأعباء المرتبطة بالاتحاد الأوروبي ككيان والذي تصفه الفرنسية مارين لوبان بأنه "وحش مناهض للديمقراطية". 

ويشرح رئيس معهد المستقبل والأمن في أوروبا، إيمانويل دوبوي، في حديث إلى "العربي" بنية الأحزاب اليمينية الأوروبية.

ويقول: هناك الأحزاب المعترف بها بشكل رسمي مثل المجموعات السياسية الموجودة في البرلمان الأوروبي، والمعروفة والمصنفة يمينية، وهناك مجموعة تسمى "المحافظون المصلحون" وأخرى تسمى "هوية وديمقراطية".

ويضيف: "التجمع الوطني في فرنسا يتبع مجموعة هوية وديمقراطية، وهناك أحزاب يمينية أخرى غير مصنفة باعتبارها جزءًا من اليمين المتطرف، ولكنها في تكوينها تابعة للمجموعة الأولى وهي تتمثل في الحزب الشعبي الأوروبي". ويشير إلى أن حزب الرئيس البولندي مصنف في أقصى اليمين.

من جهته، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سيرجي بونتوار فرانسوا دوربير أن لروسيا عدة أهداف أولها نشر أيديوليجيتها.

ويقول: "أيديولوجية بوتين مشابهة لأيديولوجية أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية على غرار مسألة الهوية والعرق".

جعلت مبادئ الحرية والديمقراطية من شواطئ أوروبا مقصدًا لقوارب الهجرة
جعلت مبادئ الحرية والديمقراطية من شواطئ أوروبا مقصدًا لقوارب الهجرة

هدف جيو - إستراتيجي سياسي

وبحسب دوربير، فلدى بوتين هدف جيو - إستراتيجي سياسي حيث يسعى لتقسيم أوروبا لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية بشكل أكبر مما كان عليه الاتحاد السوفياتي.

وعام 2012، عاد بوتين إلى السلطة الروسية مرة أخرى، لكنه حمل هذه المرة إستراتيجية جديدة لحماية المصالح الروسية.

ولم تقتصر هذه الإستراتيجية الموسعة على الأدوات العسكرية التقليدية، بل تتجاوز ذلك إلى الدعم المباشر وغير المباشر للأحزاب السياسية الأوروبية التي تحقق مصالح روسيا. وكان على موسكو البحث عن شريك يحقق هذه الإستراتيجية، فكانت أحزاب اليمين المتطرف. 

ويلفت المحلل السياسي الروسي ديمتري بريتجة إلى أن روسيا كانت ضد سياسات الاتحاد الأوروبي بما يخص اللاجئين من سوريا ودول أخرى، معتبرًا أن هذا يعطي المجال للإعلام الروسي للتحدث عن الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تتشابه سياساتها الخارجية مع بوتين.

دعم روسيا لأحزاب اليمين

وفي يونيو/ حزيران 2016، أجرى المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية "إي سي أف آر" أول مسح شامل للأحزاب المتمردة في أوروبا، ووجد أنه على الرغم من خلافاتها، فإن الغالبية منها يميل بشكل إيجابي نحو روسيا.

لذلك، عززت موسكو علاقتها ودعمها لهذه الأحزاب بشكل مباشر وغير مباشر خلال السنوات العشر الأخيرة.

ففي مايو/ أيار 2013، زار برونو غولنش أحد رموز حزب الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في فرنسا روسيا. كما زارت مارين لوبن المرشحة الرئاسية الفرنسية والرئيسة السابقة للجبهة الوطنية موسكو عدة مرّات. 

وظهرت نتائج هذه الزيارات عام 2014 بعدما ظهر للعلن أن حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا قد حصل على قرض بقيمة 9 ملايين يورو لتمويل أنشطته، وأن القرض قد تم عبر البنك الروسي التشيكي ومقره موسكو. 

عززت موسكو علاقتها ودعمها للأحزاب "المتمردة" في أوروبا خلال السنوات العشر الأخيرة
عززت موسكو علاقتها ودعمها للأحزاب "المتمردة" في أوروبا خلال السنوات العشر الأخيرة

دعم الموالين لروسيا

وبعيدًا عما يدور في الغرف المغلقة، تلعب موسكو على تأجيج الشارع الأوروبي ضد المهاجرين، بهدف إضعاف القدرة المؤسسية للاتحاد الأوروبي والتخطيط لجلب الحكومات الصديقة للكرملين في دول الاتحاد الأوروبي. وفي طريقها لذلك، تعمل على زرع الموالين لها في المناصب الكبيرة حتى تستخدمهم وقت الحاجة.

وفي أمثلة على ذلك، صوّت حزب في هولندا ضد القرارات التي تنتقد روسيا في البرلمان الأوروبي. كما أن بعض اليمين الأوروبي قد طالب بإنشاء اتحاد أوروبي آسيوي وهو ما يعني أن لموسكو مكان القيادة في هذا الاتحاد. 

كما تظهر الوثائق التعاون والعلاقة التي تجمع بين نائب رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ماتيو سالفيني والكرملين.

ويعتبر خبير العلاقات الروسية الأوروبية فلوران بارميتييه "أن الأحزاب اليمينية ترى في روسيا دولة أوروبية تحاكي الواقع أكثر من الدول التي تتغنّى بأخلاقيات السياسة، لكنها تضيّق على بعض الحريات الفردية وهو ما يجعل هذه الأحزاب تنظر إلى روسيا بشكل إيجابي ويتخذون منها مثالًا يريدون تطبيقه في بلدانهم".

وفي دراسة مهمة أجراها "بافيل بايف" عام 2016  بعنوان "روسيا في شرق أوروبا وسائل الضغط وقنوات النفوذ"، يقول إن موسكو استخدمت الفروع المالية في الغالب كقنوات تحويل الأموال إلى أصدقائها القيمين في الغرب.

الأزمة الأوكرانية

ويلفت فرنسوا دوربير، إلى تذبذب في موقف الأحزاب اليمينية المتطرفة في إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا والتي استعملت كلمة "التوغل" في إشارة إلى تبني الرواية الروسية بشأن الناتو، حيث إن أغلب هذه الأحزاب ترفض العمل ضمن إطار الناتو.

ولا تتوقف موسكو عند حد استخدام الشخصيات البارزة في أحزاب اليمين الأوروبي، بل تجاوزت ذلك إلى استخدام هذه الأحزاب في التحكم في عضوية الاتحاد الأوروبي.

وفي أوائل ديسمبر/ كانون الأول 2021، عُقدت قمة لممثلي الأحزاب اليمينية الأوروبية في وارسو. وكان الهدف الرئيسي توحيد القوى اليمينية من أجل إنقاذ أوروبا، وكانت موسكو موجودة في هذا الاجتماع وإن لم تحضر.

ومثّل الهجوم الروسي على أوكرانيا صدمة للحركات اليمينية وخلق داخلها أزمة هوية، حيث تكافح بين ولائها لبوتين وبين تضامنها الساحق مع كييف.

وبالرغم من معارضتها لهذه الحرب علنًا، إلّا أنها من الناحية العملية ترى أنها تتناسب مع أجندتها المناهضة للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close