يعتبر تعيين القيادي في حركة فتح حسين الشيخ نائبًا لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (أعلى سلطة فلسطينية في الداخل والخارج)، ونائبًا للرئيس الفلسطيني الذي تشمل ولايته الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، سابقة تاريخية.
لكنّ هذا التعيين يأتي في سياق بالغ التعقيد لا يقتصر على سد فراغات قانونية في هياكل السلطة الفلسطينية بل بترتيبات ما يسمى "اليوم التالي" للعدوان على قطاع غزة، ودور السلطة الفلسطينية فيها، والصراع المكتوم بين دول في الإقليم على السلطة الفلسطينية حيث تسعى كل واحدة منها إلى تغليب تيار دون غيره للوصول إلى الحكم.

وفي السياق يغدو لافتًا أن يتلقى الشيخ عدة اتصالات هاتفية من مسؤولين عرب يهنئونه على منصبه القيادي الجديد، ومن بينها اتصال من وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، الذي تمنى للشيخ التوفيق، وأكد على عمق العلاقة التاريخية بين دولتي فلسطين والإمارات، وقال إن فلسطين ستجد دائمًا أخوة وأصدقاء داعمين لها، ولحقوق شعبها.
ويعود آخر تواصل معلن بين الرجلين إلى 29 أبريل/ نيسان 2024، خلال اجتماع عدد من وزراء الخارجية العرب مع وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن، في سياق اجتماعات أميركية- عربية أعقبت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
بين حسين الشيخ وعبد الله بن زايد
وكشف موقع "أكسيوس" الإخباي الأميركي أن مشادة كلامية حادة وقعت بين بن زايد والشيخ خلال الاجتماع, وصف خلالها وزير الخارجية الإماراتي مسؤولي السلطة الفلسطينية بأنهم "علي بابا والأربعون حراميًا"، وبأنهم "بلا فائدة".
حدث ذلك خلال اجتماع عُقد على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي للبحث في مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي، حضره أنتوني بلينكن، ووزراء خارجية السعودية ومصر والأردن وقطر والكويت والإمارات، إضافة إلى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية (في حينه) حسين الشيخ.
وخلال الاجتماع قال الشيخ إن السلطة الفلسطينية تجري إصلاحات، وشكّلت حكومة جديدة كما طلبت الولايات المتحدة والدول العربية، لكنها لا تحصل في المقابل على الدعم السياسي والمالي الكافي.
وبحسب أكسيوس، فإن الوزير الإماراتي ردّ بالقول إنه لم يشاهد إصلاحًا كبيرًا داخل السلطة الفلسطينية، متهمًا قادتها بأنهم "علي بابا والأربعون حراميًا"، وبأنهم "بلا فائدة، واستبدال بعضهم ببعض آخر لن يؤدي إلا إلى نفس النتيجة".
وتساءل بن زايد: "لماذا ستقدّم الإمارات المساعدة للسلطة الفلسطينية دون إصلاحات حقيقية؟". وقالت مصادر موقع أكسيوس إن الشيخ صرخ في وجه الوزير الإماراتي بأن "لا أحد يُملي على السلطة الفلسطينية كيفية إجراء إصلاحاتها"، ما جعل الاجتماع يخرج عن السيطرة وبن زايد يغادر الاجتماع غاضبًا.

وأكد مسؤول إماراتي، بحسب أكسيوس، أنّ بن زايد قال أيضًا إنه لو منحت السلطة الفلسطينية شعبها القدر نفسه من الاهتمام الذي توليه للتنسيق الأمني مع إسرائيل، فسيكون الفلسطينيون في حالة أفضل بكثير.
وليس سرًا أنّ العلاقات بين دولة الإمارات العربية والسلطة الفلسطينية ليست على ما يرام منذ سنوات، حيث تحتضن أبو ظبي القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان الذي يعتبر منافسًا للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وفي الوقت نفسه من المستشارين المقربين للرئيس الإماراتي محمد بن زايد.
اجتماع الرياض المخابراتي
وشهدت الشهور التي أعقبت العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ضغوطًا أميركية وعربية مكثفة على الرئيس الفلسطيني محمود عباس لإعادة هيكلة السلطة الفلسطينية، بما في ذلك التنازل عن بعض صلاحياته لصالح رئيس الوزراء وتعيين نائب للرئيس، وضخ دماء جديدة في القيادة الفلسطينية، لتأهيل السلطة لتولي المسؤولية في قطاع غزة، وتوحيد الضفة الغربية وغزة معًا.
وفي يناير/كانون الثاني 2024 اجتمع مدراء أجهزة المخابرات في المملكة العربية السعودية والأردن ومصر والسلطة الفلسطينية سرًا في الرياض لهذا الغرض، بحسب ما ذكرت حينها وسائل إعلام أميركية، نقلت عن مصادرها أن المسؤولين الأميركيين والإسرائيليين اطّلعوا على الاجتماع وما دار فيه من أطراف مشاركة.
وقالت المصادر إن رؤساء الأجهزة الأمنية السعودية والمصرية والأردنية أبلغوا نظيرهم الفلسطيني أن السلطة الفلسطينية بحاجة إلى إجراء إصلاحات جدية تمكّنها من تنشيط قيادتها السياسية، وطالبوا بأن يحصل أي رئيس وزراء جديد يُعيّنه عباس على بعض الصلاحيات التي يتمتع بها الرئيس.
وقالت المصادر إن السعوديين والمصريين والأردنيين أكدوا أن هذه الإصلاحات ضرورية حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من العودة إلى غزة، وحكمها بعد فترة انتقالية تعقب انتهاء العدوان الإسرائيلي.
عباس يستجيب على طريقته
وأعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القمة العربية الطارئة التي عقدت في القاهرة في مارس/ آذار الماضي، عن استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير ودولة فلسطين، إضافة إلى إعلانه قرارًا يقضي بإعادة المفصولين من حركة فتح.

وجاء ذلك في سياق استجابته للضغوط الأميركية والعربية، لكن على طريقته وبما لا ينتقص من سلطاته، بتعبير معارضيه الذين يرون أن إصلاحاته تتم بسقوف منخفضة وبما يضمن إحكام قبضته على شؤون السلطة، وهو ما يوفره له حسين الشيخ المقرّب منه، في حال كان البديل عنه محمد دحلان، وكذلك رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى في حال كان البديل رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فيّاض.
وكلّف عباس في مارس/ آذار 2024 مستشاره الاقتصادي محمد مصطفى (71 عامًا) بتشكيل حكومة تكنوقراط، لكن الأميركيين وبعض الدول العربية الذين يرون أن إصلاحاته شكلية، ضغطوا باتجاه تعيين رئيس وزراء يتمتع باستقلالية أكبر وبصلاحيات حقيقية.
وتمسّك عباس بمحمد مصطفى مستشاره الاقتصادي، ورئيس صندوق الاستثمار الذي يدير أموال منظمة التحرير الفلسطينية، ما دفع مسؤولين أميركيين لانتقاد اختياره هذا خلال اجتماعات عقدوها في رام الله قبل أسابيع من تعيين مصطفى، قائلين للرئيس الفلسطيني: "نريد إصلاحًا حقيقيًا. محمد مصطفى يعمل موظفًا لديك".
ومصطفى المقرّب من عباس غير محسوب على أي فصيل سياسي، ورغم ذلك فقد كلّفه عباس عام 2005 بمنصب مستشار الرئيس للشؤون الاقتصادية في ديوان الرئاسة، كما كلّفه عام 2006 بمنصب الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار الفلسطيني، وهو يشغل منذ عام 2015 منصب رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمار الفلسطيني بتكليف مباشر من عباس الذي رشّحه عام 2022، ليكون عضوًا في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيسًا للدائرة الاقتصادية فيها.
سلام فيّاض في خطة إماراتية
وأفاد موقع أكسيوس الأميركي أن الإماراتيين ضغطوا قبل تعيين محمد مصطفى، على إدارة بايدن ضد تعيينه لقربه من الرئيس الفلسطيني، كما ضغطوا لتعيين سلام فيّاض بدلاً منه، وهو رئيس وزراء سابق في السلطة الفلسطينية، وعلى خلاف مع عباس.

وكان لافتًا للانتباه أن يذكر الإماراتيون فيّاض بالاسم في خطة طرحوها في أكتوبر/ تشرين الأول 2024 "لليوم التالي للحرب" في قطاع غزة، لكن السلطة رفضتها خلال لقاء جمع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ في حينه، بمساعدة وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف.
وتشترط الخطة إصلاحات في السلطة الفلسطينية وأن تظهر الشفافية والمساءلة لاستعادة المصداقية والثقة بين الشعب الفلسطيني والشركاء الدوليين، وتشمل تعيين رئيس وزراء جديد ذُكر بالاسم في بنود الخطة، للإشراف على الضفة الغربية وغزة.
ونصت الخطة على أن إصلاح السلطة يهدف للبدء بإعادة إعمار غزة بدعم مالي من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والجهات المانحة الدولية الأخرى، ووفق الخطة فإن السلطة الفلسطينية التي سيتم إصلاحها، ستعمل من خلال إصلاحات الحكم والأمن، على استعادة المصداقية والسلطة السياسية في غزة، وتهميش نفوذ حماس على المدى الطويل.
خطة أميركية
وقبل الخطة الإماراتية كان الساسة في المنطقة يتداولون خطة أميركية من عشرين بندًا تتضمن إصلاحات هيكيلية في السلطة الفلسطينية لتأهيلها، ونشرت مجلة بوليتيكو الأميركية في مارس/ آذار 2024 تقريرًا قالت فيه إن الولايات المتحدة تقترب من التوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية لوقف مخصصات الشهداء والجرحى ضمن الخطة الأوسع.
ورغم نفي السلطة صحة ذلك إلا أن مسؤولًا فلسطينيًا قال إن المقترح الأميركي "يأتي ضمن عدة مقترحات لإصلاح السلطة، ويقوم على أن تعترف الولايات المتحدة بدولة فلسطين، وتعمل من أجل اعتماد فلسطين دولة كاملة العضوية في الأمم المتحدة، والإفراج عن الأموال التي قرصنتها دولة الاحتلال من السلطة الفلسطينية في السنوات الماضية والتي تتجاوز 570 مليون دولار، إضافة إلى عودة واشنطن لتقديم مساعدات مالية للسلطة، مقابل أن تقوم السلطة بتسوية مخصصات الأسرى والجرحى والشهداء عبر نظام الرعاية الاجتماعية الذي يقدم الدعم للمحتاجين".

إلغاء مخصصات الأسرى
ولم يصمد نفي السلطة طويلًا، فقد حدث ما ذكرته بوليتيكو لاحقًا لكن من جانب الفلسطينيين فقط، ومن دون أن تلتزم واشنطن بالمطالب التي قيل إنها ستلتزم بتنفيذها.
وأصدر الرئيس الفلسطيني في 10 فبراير/ شباط الماضي مرسومًا يقضي بإلغاء المواد الواردة في القوانين والنظم المتعلقة بنظام دفع المخصصات المالية لعائلات الشهداء والأسرى، ونقل برنامج المساعدات النقدية المحوسب وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية من وزارة التنمية الاجتماعية إلى المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي.
وبموجب القرار فقد تم إلغاء مخصصات عائلات الشهداء والأسرى وفق النظام القديم، ما اعتبر تنفيذًا من جانب واحد للرغبة الأميركية، وعندما رفض رئيس هيئة شؤون الأسرى قدورة فارس المرسوم وطالب بسحبه، قام الرئيس الفلسطيني بأحالته إلى التقاعد.
ويشدّد منتقدو عباس على أنه مستعد للتجاوب مع الضغوط الأميركية ما دامت لا تتضمن تنازلات تخصم من صلاحياته المباشرة، كما فعل في ملف مخصصات الأسرى وعائلات الشهداء، لكنه مستعد للقتال إذا كان من شأن أي خطط للإصلاح تحويله إلى رئيس شرفي.

ويرى هؤلاء أن تعيين حسين الشيخ نائبًا له في منصبي رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، ربما كان لقطع الطريق على ما يوصف بالتيار الإماراتي داخل النخب الفلسطينية الطامح لدور أكبر في قطاع غزة، تمهيدًا لحكم الضفة الغربية والقطاع مستقبلًا.
ولعلّ ذلك ينطبق أيضًا على اختياره محمد مصطفى لرئاسة الوزراء، لقطع الطريق على رئيس الوزراء الأسبق سلام فيّاض الذي ذكرته الخطة الإماراتية لليوم التالي بالاسم في أحد بنودها.