أصدرت قاضية الأحوال الشخصية في لبنان فاطمة ماجد حكمًا بقبول دعوى تسجيل زواج مدني جرى عقده عن بُعد، وفق القانون المعتمد في ولاية يوتاه الأميركية وفق ما أفادت منظمة "المفكرة القانونية".
وبدأت فصول القصة إلى عام 2022، مع اختيار عدد من اللبنانيين إبرام زواج مدني وهم متواجدون في لبنان، مستفيدين من الفرصة التي فتحتها هذه الولاية.
وتزايد الإقبال على هذه الزيجات بسبب الانهيار الاقتصادي، فضلًا عن تأخّر الأمن العام اللبناني عن إصدار جوازات السفر ضمن آجال معقولة.
وقدّرت "المفكرة القانونية" عدد الزيجات المُسجّلة على هذا النحو بأكثر من 70 عقد زواج عن بعد في ولاية يوتاه للبنانيين مقيمين وغير مقيمين في لبنان، سُجّل منها عدد قليل فقط، لتعود المديرية العامة للأحوال الشخصيّة وتلغي عددًا منها، فيما لا يزال بقية الأزواج ينتظرون تسجيل زواجهم في لبنان.
ما هي تفاصيل القضية؟
وكان طرفا الدعوى اللذين لم تسمّها "المفكرة القانونية"، قد أبرما زواجهما عن بُعد بتاريخ 3 مارس/ آذار 2022، عبر تقنية مؤتمرات الفيديو، أمام المأمور الرسمي المخوّل قانونًا بإبرام عقود الزواج في مدينة بروفو وفق قوانين ولاية يوتاه الأميركية، وذلك بحضور شاهدين هما شقيقه وشقيقته.
وأرسل الزوج الوثائق المطلوبة، ومن ضمنها نسخة عن وثيقة الزواج الصادرة والمُصدقّة أصولًا من ولاية يوتاه، إلى القنصلية العامة اللبنانية في لوس أنجلوس، حيث أبلغته القنصلية لاحقًا بأنّ وثيقة زواجه سُجّلت لديها، ثمّ أُرسلت إلى وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية بموجب كتاب ضمن الحقيبة الدبلوماسية المؤرخة في 6 يونيو/ حزيران 2022.
وبتاريخ لاحق، تمت إحالة هذه المعاملة من وزارة الخارجية إلى المديرية العامة للأحوال الشخصية في وزارة الداخلية اللبنانية بتاريخ 15 يونيو 2022.
إلا أنّه وبدلًا من تسجيل الزواج، أُعيدت المعاملة إلى وزارة الخارجية، ثمّ إلى القنصلية العامة في لوس أنجلوس، من دون إبلاغ المدعي بأيّ سبب لردّ المعاملة أو رفضها.
وتبيّن لاحقًا، أنّ رئيسة دائرة الأملاك والقيد في وزارة الخارجية والمغتربين أعلمت المدعي بمضمون الكتاب الصادر عن مدير عام الأحوال الشخصية، والموجّه إلى وزارة الخارجية - مديرية الشؤون الاغترابية، تحت الرقم 1260/ م ع بتاريخ 12 أغسطس/ آب 2022، والذي جاء فيه أنّ الإدارة غير مُلزمة بتسجيل الزواج المذكور، على اعتبار أنّ وثيقة الزواج لا تستوفي الشروط الشكلية والموضوعية المفروضة قانونًا.
لكنّ الزوج تقدّم بتاريخ 4 أكتوبر/ شرين الأول 2022، بطلب خطي مُعلّل إلى مدير عام الأحوال الشخصية يطلب فيه الرجوع عن مضمون الكتاب المذكور، إلا أنّ موظفي المكتب رفضوا استلام الطلب، فعمد بتاريخ 5 أكتوبر 2022 إلى توجيه رد خطي إلى وزير الداخلية والبلديات سجل تحت الرقم 2022/10170. وقد ردّ مدير عام الأحوال الشخصية بتاريخ 14 أكتوبر 2022 مؤكدًا مضمون كتابه السابق.
وبتاريخ 10 يونيو/ حزيران 2023، قدّم المدّعي لائحة جوابية أكد فيها أنّ دعواه مستوفية كافة شروطها الشكلية لناحية الصفة والمصلحة، ووجّهها ضد الدولة اللبنانية بصفتها صاحبة الصلاحية في إدارة شؤون الأحوال الشخصية عبر وزارة الداخلية، ما يجعل الدعوى مقبولة شكلًا.
نتيجة الحكم
وفي حكمها، قبلت القاضية ماجد دعوى تسجيل الزواج، مستندة إلى المادة 25 من القرار 160 ل/ر، التي تنصّ على الاعتراف بصحة الزواج المدني المعقود في الخارج.
وفسّر الحكم هذه المادة على ضوء القيم المُكرّسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وذات القيمة الدستورية (مبدأ المساواة وحرّية المعتقد والحقّ بالزواج وتكوين عائلة وهي مكرّسة في المواد 2 و7 و16 و18 منه)، والتطوّر التكنولوجي والذي بات يُتيح عقد اجتماعات عن بُعد من دون التواجد بالضرورة جسديًا في المكان نفسه.
كما فسر المادة على النحو الذي يسمح للأفراد التمتّع بحقّ عقد زواج مدنيّ من دون أن يحصر هذا الحقّ "بمن تسمح له ظروفه المادية في السفر إلى الخارج"، بما يتعارض تمامًا مع المبادئ المذكورة أعلاه.
وذكّر بأنّ صدور المرسوم الناظم للتوقيع الإلكترونيّ ليس شرطًا قانونيًا لنفاذه بل مجرّد تفويض للحكومة بإمكانها أن تُمارسه "عند الاقتضاء".
والزواج المدني ممنوع في لبنان، فيما تدعو منظمات حقوق المرأة ومنظمات المجتمع المدني الأخرى مجلس النواب منذ سنوات إلى إصدار قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية.