أضعفت التطورات المتسارعة في سوريا منذ أكثر من أسبوع موقع رئيس النظام بشار الأسد الذي تعرّض جيشه لنكسة مع خروج حلب وحماة عن سيطرته، فيما يعاني اقتصاد البلاد من أزمة خانقة وينصرف داعمو دمشق الخارجيون إلى أولويات أخرى.
ويجمع محلّلون على أن شرعية الأسد اهتزت جراء السهولة التي سيطرت فيها فصائل المعارضة السورية على مدينة حلب في شمال سوريا، وتقدّمها إلى وسط البلاد ودخولها مدينة حماة اليوم الخميس.
وباشر جيش النظام السوري "هجومًا مضادًا أمس الأربعاء مدعومًا بالطيران الحربي الروسي، لحماية حماة الواقعة في وسط البلاد حيث تدور معارك شرسة. إلا أنه ما لبث أن أقرّ اليوم بخسارة حماة، معلنًا في بيان أن قواته "تموضعت" خارجها، وذلك بعد أيام على نكسة سقوط حلب، عاصمة البلاد الاقتصادية سابقًا.
هزيمة مهينة
ويقول تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط في واشنطن: إن السلطة "حاربت بشراسة بين العامين 2012 و2016 لاستعادة نصف مدينة حلب، لذا تشكّل خسارتها بهذه السرعة هزيمة مهينة، وتعكس هشاشة النظام" في سوريا.
وشكّل تقدم الفصائل المعارضة مفاجأة حتى في صفوفها ربما، إلا أنه لا يخلو من بعض المنطق.
ويوضح الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية دافيد ريجوليه-روز أنه "منذ العام 2011 نشهد تراجعًا على صعيد العتاد والعديد والاندفاع في الجيش".
ويضيف أن الجنود يتلقون رواتب متدنية، مشيرًا إلى أنهم يقومون على ما يبدو بعمليات نهب لتعويض ذلك، "فيما يرفض الكثير من الشباب التجنيد"، وأعلن رئيس النظام السوري أمس الأربعاء زيادة رواتب العسكريين بنسبة 50% .
ويؤكد مركز "حرمون" في اسطنبول أن الجيش "تجنب المواجهة مع تخليه عن كميات كبيرة من العتاد العسكري"، مشيرًا إلى ضعف النظام في المناطق البعيدة عن العاصمة.
ويقول الباحث العراقي أيمن التميمي، إن النظام كان قد استعدّ وجنّد عديدًا عسكريًا "احترازًا في حال حصول هجوم للمقاتلين المعارضين لكن الأمر لم يكن كافيًا".
أوهام فائض الثقة لدى النظام
ويشير إلى "تهاون من جانب الحكومة وحلفائها، مدفوعًا ربما بقناعة بأن وقف إطلاق النار العائد للعام 2020 سيصمد".
ويتحدث الباحث عن فرضية فائض ثقة بفاعلية الدفاعات السورية، لا بل قناعة بأن الفصائل المعارضة لن تجرؤ على مهاجمة مدينة بأهمية حلب.
وفيما كانت القنصليات الغربية تتابع عن بعد الوضع في سوريا، معتبرة أن الأسد حسم الوضع لصالحه بالاستناد إلى سنوات من الهدوء النسبي في النزاع القائم منذ 2011، أتى هجوم الفصائل المعارضة ليبدّل المعطيات.
ويوضح فابريس بالانش، صاحب كتاب "دروس الأزمة السورية"، "مع الحرب والعقوبات والاقتصاد المشلول، لم يعد النظام يتمتع بالدعم الشعبي الذي كان يحظى به في صفوف جزء من المواطنين في 2011".
وانتشرت شائعات حول انقلاب محتمل خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي في سوريا. وهي، إن كانت لم ترتكز إلى أسس متينة، تعزّز صورة الضعف اللاحق بالسلطة.
ويؤكد دافيد ريجوليه-روز أن "ثمة خطر في تزعزع الاستقرار لا بل حصول انقلاب. فثلاثة أرباع السكان يعيشون تحت عتبة الفقر. والاستياء يتفاقم بين الطوائف المختلفة".
ويتابع: "بات الأمر مسألة استمرار ليس فقط لعائلة الأسد بل أيضًا لكل الطائفة العلوية التي ترصّ الصفوف وراء النظام".
محور موسكو-طهران
وما يزيد الوضع تعقيدًا، هو عدم امتلاك الطرفين الداعمين الرئيسيين لدمشق، موسكو وطهران، لهوامش مناورة كبيرة. فالجيش الروسي يركّز على الحرب في أوكرانيا، بينما إيران والجماعات التابعة لها وعلى رأسها حزب الله اللبناني، خرجت ضعيفة من المواجهة الأخيرة مع إسرائيل.
وساندت ضربات روسيا الأربعاء جيش النظام السوري في محيط حماة، لكن من دون انخراط واسع لحلفاء دمشق في عمليات على الأرض، ما سيجعل استعادة حلب مستحيلة، على ما يفيد محللون تكلموا قبل سقوط حماة، المدينة الاستراتيجية في وسط سوريا.
وأتى ذلك فيما يحاول الرئيس السوري إحلال توازن أكبر في تحالفاته ما يثير استياء طهران. ويؤكد دافيد ريجوليه-روز أن بشار الأسد "يدرك أن نظامه قد يكون مهددًا، ويريد التقرب أكثر من موسكو لكي يخفف اعتماده على طهران".
ويضيف أن العلاقات الروسية-الإيرانية "لا تسودها الثقة المطلقة على الدوام" فرغم "تلاقي المصالح"، قد يحصل "تشكيك لا بل ريبة".
هل يشعر الأسد بأنه مهدد؟ يرى مركز حرمون أن الأسد "ظن أنه كسب لكنه بدأ يخشى أن يضطر للقبول بتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي (الصادرة في 2015) والموافقة على انتقال سياسي".