السبت 13 أبريل / أبريل 2024

"داعمو الاحتلال".. هكذا ساهمت أوروبا بتشييد المستوطنات في فلسطين

"داعمو الاحتلال".. هكذا ساهمت أوروبا بتشييد المستوطنات في فلسطين

Changed

تقصّى"عين المكان" دور عدد من الشركات الأوروبية في دعم المستوطنات الإسرائيلية (الصورة: الأناضول)
ما حجم الاستثمارات الأوروبية التي تضخّ في رئة الاستيطان الإسرائيلي؟ وإلى أي مدى يعدّ هذا الفعل مخالفًا للقانون الدولي، ومناقضًا لتصريحات تلك الدول؟

يبتلع الاستيطان أراضي الفلسطينيين، ويُعدّ في القانون الدولي جريمة حرب تقف الدول الأوروبية ضدّه. لكن شبكة من المموّلين والشركات الأوروبية متعدّدة الجنسيات، تضخّ مليارات الدولارات في هذه الجريمة، في تناقض صارخ مع ما تدّعيه هذه الدول.

وأوضحت المديرة التنفيذية في الهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامّة إيناس عبد الرازق أنّ "عمليات الاستيطان وانتهاكات حقوق الإنسان ممنهجة ومتنامية. لذلك نرى أن شركات القطاع الخاص الأوروبي قد تكون متواطئة خفية مع هذا الاحتلال".

بدوره، اعتبر محمد اشتيه، أستاذ القانون الدولي، أن "التمويل الذي تقدّمه هذه المؤسسات والشركات والتي تستثمر داخل المستوطنات هو عبارة عن استدامة للمشروع الاستيطاني، ولجريمة الحرب".

من جهته، قال نعيم شقير، رئيس بلدية الزاوية السابق، إن "أوروبا تدّعي المثالية والديمقراطية وحرية الإنسان وكل القيم النبيلة، لكنّها تمارس على أرض الواقع أبشع أنواع السرقة والاحتلال وحرمان أصحاب الأراضي الحقيقيين من حقوقهم".

هي إذًا استثمارات بمليارات الدولارات من مؤسسات مالية أوروبية، تحصل على دعمها المباشر من مؤسسات حكومية تغذّي شرايين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. كما رآها مايكل لينك، المقرّر الأممي المعني بحالة حقوق الإنسان، "أوكسجينًا اقتصاديًا لا غنى عنه في رئة الاستيطان الإسرائيلي".

فما حجم الاستثمارات الأوروبية التي تضخّ في رئة الاستيطان الإسرائيلي؟ وإلى أي مدى يعدّ هذا الفعل مخالفًا للقانون الدولي، ومناقضًا لتصريحات الدول الأوروبية؟ وكيف ساهمت أوروبا بشكل فاعل في تشييد المستوطنات وابتلاع أراضي الفلسطينيين؟

مقلع مستوطنة ناحال رابا

بدأ بحث "عين المكان" من بلدة الزاوية في محافظة سلفيت، حيث دمّر الاحتلال مئات الدونمات لإقامة مستوطنات على أراضيها.

وأوضح نعيم شقير، رئيس بلدية الزاوية السابق، في حديث لـ"العربي"، أن بلدة الزاوية تقع في أقصى غرب محافظة سلفيت وسط الضفة الغربية، ويحدّها من الغرب مدينة كفر قاسم المحتلّة عام 1948، ويفصل بين الزاوية والداخل الفلسطيني ما يُسمّى بخط الـ67. وتبلغ مساحتها حوالي 15 ألف دونم.

وأضاف شقير أن الاحتلال الإسرائيلي تفنّن في الذرائع والحجج من أجل السيطرة على الأراضي الفلسطينية، وتحديدًا في محافظة سلفيت. ومن أحد أهم الأسباب لتدمير آلاف الدونمات من أراضي الزاوية هو تشييد شركة إسرائيلية بالتعاون مع مجموعة من الشركات الأوروبية في كسّارة بالمنطقة الغربية من أراضي الزاوية.

وأردف أن الكسّارة أُنشأت عام 1981، حيث سيطرت الشركات على مجموعة من الأراضي، قبل أن تبدأ سنويًا بتوسعة المشروع حتى وصلت مساحته في يومنا الحالي إلى حوالي 500 دونم، ووصلت إلى أراضي رافات وأراضٍ تابعة لأهالي كفر الديك.

وأكد أن ملكية الأراضي التي أُقيمت عليها الكسّارة تعود إلى أكثر من 15 عائلة فلسطينية كانت تعتمد عليها بشكل كامل. وبعد إقامة الكسّارة والأضرار التي لحقت بالأراضي الزراعية من انبعاثات وأتربة وغبار، تضرّرت عشرات الدونمات من أشجار الزيتون والتين؛ وبهذا تعطّلت مصالح الأهالي من زراعة ورعي الماشية والتي كانت أهم مصادر الدخل لأهالي بلدة الزاوية".

وتابع أن الشركة الإسرائيلية سيطرت على الأراضي بالقوة من دون أي إخطارات، أو بإخطارات شكلية توضع على الحجارة أو بين الأشجار.

وتعود ملكية مقلع مستوطنة ناحال رابا، الذي أُقيم على أراضي قرية الزاوية، لشركة "هايلبرغ للإسمنت" الألمانية، وتُديره عبر شركتها الفرعية "هانسون". إلا أن الشركة الألمانية متعددة الجنسيات، وهي احدى الشركات الخمسين الضالعة في الاستيطان، والتي تلقّت تمويلًا من 725 مؤسسة مالية أوروبية.

وبلغ إجمالي المبالغ على مدار الفترة بين يناير/ كانون الأول 2019 وأغسطس/ آب 2022، 171.4 مليار دولار في شكل قروض واكتتابات، و115.5 مليار دولار على شكل أسهم وسندات. وبلغت حصة شركة "هايلبرغ للإسمنت" من هذه المبالغ 2.88 مليار دولار.

ائتلاف مناهض لتمويل الاحتلال

"لا تساهم في تمويل الاحتلال"، هو ائتلاف دولي ضمّ 24 منظمة من مختلف دول العالم، كشف النقاب عن تفاصيل صادمة للدور الذي تلعبه شركات أوروبية في تشييد المستوطنات في الضفة الغربية.

ورغم عدم شرعية المستوطنات بموجب القانون الدولي، إلا أن المؤسسات المالية الأوروبية لا تزال تمدّ الشركات العاملة في المستوطنات بشريان الحياة المالي.

وقالت إيناس عبد الرازق مديرة تنفيذية في الهيئة الفلسطينية للدبلوماسية العامّة في حديث لبرنامج "عين المكان": "ينتمي ائتلافنا المكوّن من 24 منظمة، إلى دول عديدة منها: فلسطين، والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، والمملكة المتحدة، والنرويج؛ ويهدف إلى الكشف عن هذه العلاقات المالية عبر الأبحاث والتقارير التي أعددناها، وتقديم تلك المعلومات إلى المؤسسات المالية في الشركة المعنية، ومحاولة ردعها عبر دعوتها إلى سحب استثماراتها من المستوطنات الإسرائيلية".

ائتلاف مناهض لتمويل الاحتلال

وأضافت أن تقرير الائتلاف الأخير صدر في 5 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ويكشف عن العلاقات المالية بين المؤسسات المالية الأوروبية، وتورّطها مع الشركات الإسرائيلية - الأوروبية، ومكمن تأثيرها في تسهيل بناء المستوطنات الإسرائيلية وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني في المناطق المحتلّة".

وقالت: إن التقرير تمحور حول البحث في 50 شركة متورّطة مباشرة في المستوطنات الإسرائيلية، وتوسّعها غير القانوني.

وأضافت أنه بمجرد تحديد هوية هذه الشركات الـ50 التي بحثنا عنها، عدنا إلى البنوك الأوروبية وصناديق المعاشات وشركات التأمين التي تموّلها، فنظرنا في العلاقات العامّة والمبالغ الإجمالية التي تقدّمها هذه المؤسسات المالية للشركات.

وبعد البحث لمدة 3 سنوات ونصف، استطعنا العثور على 700 مصرف ومؤسسة مالية تتعامل مع الشركات الـ50، بقيمة إجمالية من القروض بلغت 170 مليار دولار".

وقالت: "بما أنه من الصعب التفريق بين التمويل الذي يذهب إلى المستوطنات الإسرائيلية والعلاقات الأخرى التي تربطهم بهذه الشركات، نظرنا إلى المبلغ الإجمالي الذي تستثمره هذه البنوك الأوروبية في هذه الشركات، لأننا نعتقد أن هذه هي الرافعة المالية التي يجب عليهم استخدامها".

وأضافت: "إذا كنت تمتلك 50 مليونًا أو200 مليون سهم في شركة، وسواء يذهب مليون أو مليونان فقط منها إلى المستوطنات الإسرائيلية، فلديك حق استخدام إجمالي الرافعة المالية التي تملكها من أجل مساءلة الشركة في سحب استثماراتها من المستوطنة".

أكبر خمسة دائنين

وكشف تقرير الائتلاف عن أسماء أكبر 5 دائنين من المؤسسات المالية الأوروبية، والتي بلغت مجموع استثماراتهم في الشركات التجارية المنخرطة مع المستوطنات الإسرائيلية 80.76 مليار دولار، وهي: "سوسيو جنرالي"، و"أتش أس بي سي"، و"بي أن بي باريبا"، و"باركليز"، و"دويتشيه بنك". بينما بلغ مجموع استثمارات كل من الصندوق التقاعدي الحكومي النرويجي، ووبنك "كريدي أغريكول"، و" بي بي سي اي غروب"، و"دويتشيه بنك"، و"ليغال أند جنرال"، 44.73 مليار دولار.

وحاول فريق عمل "عين المكان" التواصل مع عدد من المؤسسات المالية الأوروبية التي ورد ذكرها في تقرير الائتلاف، والمتهمة في تمويل مشروع الاستيطان الإسرائيلي، لإجراء مقابلة معها، وإعطائها حقّ الردّ، إلا أنّ مؤسسات "أي أن جي غروب"، و"يونس كريديت"، و"انفستور إيه بي"، لم تُجب على المراسلات.

في حين ردّت "سانتاندر"، و"سويد بنك"، و"أليكتا"، و"أتش أس بي سي"، بالرفض القطعي، بينما كان ردّ "ليغل أند جنرال" أنها لا تتخذ مواقف سياسية غير مرغوبة بها نيابة عن عملائها، وأن "استثماراتها تعكس القوانين والمعاهدات الوطنية والدولية".

أما "إيه بي أستدري فاردن"، فردّت أنها "لا تتوسّع علنًا في قضايا محددة في الشركات المدرجة في الملفات".

أكبر خمسة مسثثمرين

وفي هذا الإطار، قالت عبد الرازق: إن فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة هي الأماكن التي تقدّم فيها المؤسسات المالية أكبر قدر من الاعتمادات والاستثمارات للشركات المشاركة في المستوطنات.

وأضافت أنه من المهم التأكيد أن الائتلاف بحث عن المبلغ الإجمالي الذي تعطيه هذه البنوك، ونحن نحاول النظر إلى تواطئها.

وتساهم شركة "ألستوم" الفرنسية عن طريق فرعها "بومبردير ترانسبورتيشن" بإنشاء القطار الخفيف، وهو مشروع استيطاني يربط المستوطنات الإسرائيلية الواقعة في الجزء الشرقي المحتلّ من القدس بالجزء الغربي منها، ويمرّ بشكل غير قانوني من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

يمرّ "القطار الخفيف" بشكل غير قانوني من الأراضي الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة
يمرّ "القطار الخفيف" بشكل غير قانوني من الأراضي الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة- العربي

بينما وفّرت شركة "كامكس" المكسيكية عبر شركتها الفرعية "ريدي ميكس اندستريز"، مواد خرسانية لبناء المستوطنات، وجدار الفصل العنصري، ونقاط تفتيش تابعة لجيش الاحتلال؛ كما قامت بتزويد مشروع القطار الخفيف بشبكات الاتصالات والكهرباء وتصريف المياه والصرف الصحي.

أما شركة الاتصالات الدولية "آلتس" فتقوم عبر شركتها "هوت تيليكومينيكيشن سيستمز"، بتزويد عدد من المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلّة بخدمات البثّ التلفزيوني والاتصالات السلكية واللاسلكية.

وتواصل فريق عمل "عين المكان" مع الشركات الثلاث العاملات في المستوطنات، لمواجهتها بالاتهامات وإعطائها حقّ الردّ. إلا أنها لم تجب على مراسلاتنا.

هل يمكن الفصل بين المشروع العسكري والاستيطاني؟

وقال كريم جبران مدير البحث الميداني في مؤسسة "بتسليم" في حديث إلى برنامج "عين المكان": إن هذه المشاريع لم تكن لتقوم لولا الدعم المادي الضخم، حيث يجري الاستثمار بمليارات الدولارات في المشروع الاستيطاني من خلال البنى التحتية، والتسهيلات التي تقدّم للمستوطنين.

وأضاف جبران: "لولا هذه الموارد المالية الضخمة، لما كان للمشروع الاستيطاني بهذا التأثير على الأرض، ولما كان مستمرًا في انتهاك حقوق الإنسان، وقواعد القانون الدولي".

وأكد أن المشروع العسكري والاستيطاني هما وجهان لعملة واحدة، إذ أن العديد من المستوطنات بدأت كمواقع عسكرية، ثمّ تحوّلت إلى مواقع استيطانية مدنية.

محاصر في منزله وأرضه

توجّه فريق عمل "عين المكان" إلى منزل سعدات غريّب المحاصر ضمن مستوطنة إسرائيلية أُنشأت على أراضي العائلة في قرية بيت إجرا، شمال غربي القدس الشرقية المحتلة.

وروى غريّب، في حديث لبرنامج "عين المكان"، أن منزله محاط ببوابة إلكترونية ركّبتها سلطات الاحتلال عام 2008، يتم تشغيلها من قبل مركز شرطة الاحتلال وُضعت عليها كاميرا مراقبة على مدار الساعة، وأحاطته بسياج حديدي مع مجسّات.

حصّن سعدات غريّب نوافذ منزله بالحديد خوفًا من إقدام المستوطنين على إحراقه
حصّن سعدات غريّب نوافذ منزله بالحديد خوفًا من إقدام المستوطنين على إحراقه- العربي

وأضاف أنه حصّن نوافذ منزله بالحديد خوفًا من إقدام المستوطنين على إحراقه.

وأشار إلى أن مستوطنة إسرائيلية أقيمت على أرضه التي تبلغ مساحتها 60 دونمًا، حيث لم يعد باستطاعته الوصول إليها إلا مرتين في السنة عن طريق التنسيق مع الارتباط الفلسطيني.

نهب مليوني دونم من الأراضي المحتلة

تنتهك المؤسسات المالية الأوروبية المواثيق الدولية عبر دعمها للمشاريع الاستيطانية، إذ نصّ القرار رقم 465، الصادر عن مجلس الأمن الدولي عام 1980، على عدم تقديم أي مساعدات إلى إسرائيل يمكن استعمالها خصوصًا فيما يتعلّق بالمستوطنات في الأراضي المحتلة.

في حين يتّخذ الاحتلال الإسرائيلي من الاستيطان وسيلة أساسية في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

وأفادت الأمم المتحدة، في تقرير صدر عام 2022، بأن إسرائيل نهبت على مدار 5 عقود أكثر من مليوني دونم من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وأقامت عليها 300 مستوطنة تضمّ 680 ألف مستوطن.

 وحول المسألة القانونية التي تقع على هذه المؤسسات، قال الدكتور محمد اشتيه أستاذ القانون الدولي في حديث لبرنامج "عين المكان": إن الاستيطان "جريمة حرب، أي أخطر الجرائم الدولية، وحظر القانون الدولي على الاحتلال القيام بأي أفعال من شأنها نقل السكان المدنيين وإخراجهم من أماكن سكنهم، وإحلال مهاجرين مكانهم".

وأضاف أن المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، والخاصّة بحماية المدنيين، تحظر أي نقل للسكان الأصليين من أماكن وجودهم، إضافة إلى المادة 147 من الاتفاقية نفسها التي تجرّم هذا السلوك، ناهيك عن المادة 85 من البروتوكول الإضافي الأول الملحق بهذه الاتفاقيات، والتي اعتبرت نقل المدنيين جريمة، وكذلك بالنسبة للمادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي اعتبرت هذا السلوك جريمة حرب ايضًا.

وأوضح أن الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على حظر استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد السلامة الإقليمية للدول الأخرى؛ وبالتالي، فإن جميع المواثيق الدولية ونصوص الاتفاقيات الدولية تجرّم الاستيطان، وتعتبره جريمة حرب.

وأشارت عبد الرازق إلى أن الشركات المشاركة في الأراضي المحتلة عام 1967 لها تأثير مباشر على حياة الفلسطينيين، لناحية استغلال الموارد الفلسطينية، وسرقة الأراضي، ومصادر المياه، والاستيلاء على الصناعات الحجرية، والموارد الأخرى التي يمكن للفلسطينيين بناء اقتصادهم بها.

هو إذًا استيطان يتصاعد في أراضي الضفة الغربية، حيث يواجه الفلسطيني معركة البقاء على أرضه وحيدًا في ظل استنكار ممارسات الاحتلال على العلن، وفي الخفاء يشترك المستنكر والمنفّذ بالجريمة.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close