الإثنين 16 حزيران / يونيو 2025

"ذهب أبيض" لإنعاش المناطق المهمشة.. مزايا علاجية لحليب النوق في تونس

"ذهب أبيض" لإنعاش المناطق المهمشة.. مزايا علاجية لحليب النوق في تونس

شارك القصة

نال المركز براءة اختراع لتقنيات جديدة تضمن الحفاظ على الخصائص الغذائية والعلاجية لهذا الحليب
نال المركز براءة اختراع لتقنيات جديدة تضمن الحفاظ على الخصائص الغذائية والعلاجية لهذا الحليب- غيتي
الخط
أقيم في مدنين، جنوب شرق تونس، مركز فريد من نوعه لإنتاج حليب النوق، بدعم من معهد المناطق القاحلة، حيث يتميّز هذا الغذاء بفوائد عدّة، ويُسهم في إنعاش الاقتصاد.

تقترب النوق الواحدة تلو الأخرى بهدوء من آلات الحلب في مركز تديره نساء، فيما يؤمل أن يسهم حليبها المعروف بمزاياه "العلاجية"، في تنمية مناطق صحراوية مهمشة في جنوب تونس.

وأطلقت لطيفة فريفيطة البالغة 32 عامًا بالقرب من محافظة مدنين في جنوب شرق تونس، مركزًا فريدًا من نوعه في البلاد لبسترة حليب الإبل.

واعتمدت في مشروعها على أبحاث آمال السبوعي، البالغة 45 عامًا، الباحثة في "معهد المناطق القاحلة"، وهو مؤسسة حكومية مقرّها في هذه المنطقة المهمشة سجلت براءة اختراع لتقنيات جديدة للبسترة تضمن "الحفاظ على الخصائص الغذائية والعلاجية" لهذا الحليب.

فوائد عديدة

ويحوي حليب الإبل نسبة حديد أعلى بخمس مرات من حليب البقر، ويُعتبر غير مسبب للحساسية، وقادرًا على تحفيز الجهاز المناعي، كما يملك خصائص مضادة للأكسدة، وللبكتيريا وللالتهابات.

وتحمل السبوعي شهادة دكتوراه في الكيمياء الحيوية التي درستها لمدة 20 عامًا، وأثبتت أيضًا مع فريقها المكون من عشرة أشخاص، 80% منه باحثات، تأثيره المضاد لمرض السكري، الذي يسمح بتقليل جرعات الأدوية بالنصف أحيانًا.

وخلال المراحل الأولى من اطلاق المشروع، واجهت لطيفة فريفيطة "صعوبات كبيرة"، وأولها إقناع المربين ببيعها الحليب، لأنهم يهتمون أكثر بلحم الناقة ولا يثمنون حليبها. وتقول لوكالة فرانس برس في هذا السياق: "إنهم معتادون على استهلاكه أو إعطائه مجانًا" من دون أن يقدِّروا قيمته.

وتعكف مع العاملين معها على اختبار عينات قبل عملية البسترة اللازمة، التي تسمح بالحفاظ على الحليب طازجًا لمدة تصل إلى 15 يومًا عند 4 درجات مئوية.

أما اليوم وبعدما نجحت في إرساء "علاقة ثقة"، تعمل لطيفة فريفيطة على توقيع اتفاقيات مع المربين.

تفخر لطيفة بـتثمين منتج محلي يمثل الجنوب التونسي
تفخر لطيفة بـتثمين منتج محلي يمثل الجنوب التونسي- غيتي

"شامليه"

واحتاجت فريفيطة الحاصلة على ماجستير في تقنيات الأغذية، لسبع سنوات من التحضير قبل إطلاق شركتها الناشئة "شامليه" (حليب الناقة) في العام 2023 بدعم من "معهد المناطق القاحلة" الذي يستضيفها في حاضنة الشركات، على بعد بضعة أمتار فقط من مختبر السبوعي.

وتفخر لطيفة بـ"تثمين منتج محلي يمثل الجنوب التونسي" حيث تشكل الجمال عنصرًا مهما من بيئة العيش الصحراوية، حيث فضلت هذه الأم لفتاة تبلغ من العمر عامين "البقاء والاستثمار في منطقتها" بدلا من اللحاق بزوجها الذي يعمل خارج البلاد.

وتمثل المحطة التجريبية للحلب التابعة للمعهد في شانشو، مركزًا لتدريب ولتعليم المزارعين ومربي الابل على تقنية الحلب الآلية في هذه المنطقة الفقيرة، حيث يمكن من خلال الحلب الميكاني در 6 إلى 7 ليترات يوميًا لكل ناقة، مقارنة بلتر واحد إلى لترين من خلال الحلب اليدوي.

يمكن لحليب النوق أن يكون متعدد الاستعمالات من خلال التجفيف بالتجميد
يمكن لحليب النوق أن يكون متعدد الاستعمالات من خلال التجفيف بالتجميد- غيتي

وبعد عامين على إطلاق المشروع، تنتج فريفيطة "500 لتر أسبوعيًا والهدف الوصول إلى ضعف الكمية خلال عامين"، وتقوم "شامليه" التي توظف امرأتين أخريين، ببيع الحليب بحسب الطلب، وفي 12 متجرًا بسعر 12 دينارًا (4 يورو) لليتر الواحد، ويتزايد الطلب على منتوجها بشكل تدريجي.

وتقول آمال السبوعي، "يدرك الناس فوائد هذا الحليب للصحة من خلال كلام الناس بالتواتر".

دواء ومكمل غذائي

وإلى جانب منتوجها "شامليه" ثمرة أعمال المختبر، تفكر الباحثة في استعمالات أخرى لهذا المنتج إذ يمكن من خلال التجفيف بالتجميد الذي تحتاج إلى براءة اختراع أخرى، أن "يباع كدواء ومكمّل غذائي أو غذاء ذو وظيفة علاجية"، إذا توافرت المزيد من الأبحاث.

وبالنسبة للمعهد، يمثل مصنع لطيفة تجسيدًا ناجحًا لفلسفته القائمة على نقل تجاربه إلى المناطق القاحلة والمهمشة.

وتواجه منطقة مدنين البالغ عدد سكانها 525 ألف نسمة مشاكل اجتماعية كالفقر والبطالة (22% مقابل 15% على المستوى الوطني و19% مقابل 16% وفقًا للأرقام الرسمية)، ما يدفع آلاف الشباب إلى مغادرتها أو الهجرة.

من جانبه، يؤكد معز الوحيشي المسؤول عن التثمين في المعهد: "هدفنا الرئيسي كمركز أبحاث، هو خلق قيمة مضافة وفرص عمل" وذلك بدعم "حاملي المشاريع بما في ذلك الخريجون الشباب لتعزيز ثروات المنطقة وخلق فرص للبقاء في تونس".

ومنذ العام 2010، ساهم المعهد في إنشاء 80 شركة، ما أدى إلى استحداث  "600 إلى ألف وظيفة"، حسب الوحيشي.

أما بالنسبة لقطاع حليب الإبل، من شأن إنشاء أول مركز تجميع للحليب بحلول نهاية 2025، وإرساء تقنية الحلب الآلي في عدة مزارع، أن يؤدي أيضًا بحسب الوحيشي إلى توفير وظائف، ما يجعل هذا المنتج المهمش "ذهبًا أبيض" للمنطقة.

تابع القراءة

المصادر

أ ف ب