تشكل الفترة الممتدة بين يونيو/ حزيران وسبتمبر/ أيلول، موسمًا لاستخراج الملح من الأحواض المنتشرة قبالة الساحل الشمالي اللبناني.
هذه الأحواض، يمتد عمرها لمئات السنين حيث تناقلت الأجيال العمل فيها حتى يومنا هذا، إلا أن الأزمة الاقتصادية وانتشار المنتجعات السياحية بطريقة عشوائية في المنطقة، باتا يهددان هذه الصناعة.
وتهدد هذه العوامل بتحويل "ذهب لبنان الأبيض" إلى ضحية جديدة من ضحايا الأزمة غير المسبوقة في البلاد والفوضى العمرانية، بعد أن كانت تشكل مهنة استخراج الملح مصدر رزق للعديد من العائلات لعقود، وتحديدًا في منطقة أنفة الشمالية.
تراجع إنتاج الملح اللبناني
فقد هجر كثيرون من أصحاب المهنة أحواض الملح لتصبح اليوم مجرد لوحات فارغة يتأملها السياح، إذ يؤكد حافظ جريج صاحب أحد أحواض الملح أن أنفة كانت تقدم نحو 35 ألف طن من الملح للاستهلاك الوطني من أصل 50 ألف طن يحتاج إليها السوق المحلي.
ويضيف: "إلا أن الواقع الآن هو أن كمية الملح المستخرجة من المنطقة لا تتجاوز الـ 700 طن فقط بعد تقلص المساحات الخاصة بهذه المهنة".
ويعمل أصحاب أحواض الملح 4 أشهر في السنة، يقومون خلالها بوضع مياه البحر في الأحواض المخصصة على الشواطئ لمدة تصل إلى 20 يومًا، تتبخر خلالها المياه على مراحل لتظهر حبوب بيضاء تلمع تحت أشعة الشمس.
ويخشى أصحاب هذه المهنة المتبقين، من فقدان مصدر رزقهم وخسارة عملهم المتوارث بقيمته المعنوية وليس فقط المادية، بينما يتطلعون لأن تسهم كل الحلول التي ابتكروها مؤخرًا في إبقاء أحواض الملح قائمة.
فبسبب الأزمات المعيشية المتراكمة في لبنان وأبرزها انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المشتقات النفطية، أجبر بعض أصحاب هذه الصنعة على العودة إلى "دواليب الهواء" البدائية لجر مياه البحار نحو الأحواض، بالإضافة إلى تركيب لوحات الطاقة الشمسية للاستغناء عن طاقة الكهرباء غير المتوفرة أصلًا.

منافسة خارجية وداخلية
من قرية دده شمالي لبنان، يتحدث العامل في استخراج الملح جورج سمعان لـ"العربي" عن أبرز التهديدات التي تواجه هذا القطاع، وأبرزها المنافسة الخارجية حيث سمحت اتفاقية التجارة العربية اللبنانية للملح المستورد وخاصة المصري في الدخول إلى الأسواق اللبنانية بأسعار تنافسية.
كما تطرق سمعان إلى انتشار المشاريع السياحية بشكل عشوائي منذ عام 2000 قرب أحواض استخراج الملح، ما نتج عنه تلوث وأضرار بيئية تؤثر على نوعية الملح وإنتاجيته، ما يجبر أصحاب هذه المهنة على التخلي عن صناعتهم.
ويضيف: "من أصل 700 ألف متر لم يعد هنالك اليوم سوى 10 آلاف متر تنتج الملح في شمال لبنان".
إهمال رسمي
وعن الخطوات التي اتُخذت للحفاظ عن هذه الصناعة، لفت سمعان إلى أن الجمعيات البيئية هي من تقوم بتسليط الضوء على قضيتهم في المرحلة الأخيرة ومساعدتهم، إلى جانب الجمعيات المحلية والبلديات.
ويتابع: "لكن سياسيًا واقتصاديًا نحن منفيون ولا أحد يدعمنا على الصعيد الرسمي"، كاشفًا أيضًا عن غياب أي إجراءات قانونية من شأنها أن تحمي أصحاب هذه المصالح.
في المقابل، شدد سمعان على أهمية الاستثمار في الملح اللبناني البحري الذي يتمتع بفوائد أكبر من الملح الصخري، مؤكدًا أنه يلقى طلبًا عالميًا نظرًا لقيمته الطبية والغذائية.
لذلك، يرى الملاح اللبناني أن الاستثمار في هذه المهنة ودعمها رسميًا، من شأنه أن يعود بفوائد اقتصادية مهمة لا سيما من خلال التصدير الخارجي.