في عوالم مخفية وأخرى مكشوفة، تنشط مجموعات من الرجال ضمن جماعات تكره النساء يمكن وصفها بنادي أعداء المرأة.
في هذا الصدد، وقعت حادثة في الولايات المتحدة قبل 9 أعوام، ثم جاءت من بعدها عدة حوادث مستلهمة "الدافع" منها.
فقد أقدم الشاب إليوت رودجر في العام 2014 على قتل 6 أشخاص في مدينة أيلا فيست في كاليفورنيا، قبل أن ينتحر.
بلغ عمره وقتها 22 عامًا، وعلى الرغم من أن حوادث القتل العشوائي ليست بالجديدة على الولايات المتحدة، كانت تلك الحادثة تحديدًا الأولى من نوعها وربما الأغرب على الإطلاق، لأنها جاءت انتقامًا من النساء. وقد عرّف رودجر هجومه بأنه "يومٌ للانتقام" من المرأة والمجتمع على حد سواء.
لكن المخيف أن رودجر انتمى إلى حركة حديثة نسبيًا تُعرف باسم "incels" أو "العزوبية غير الطوعيَّة" للرجال.
وتطالب هذه الحركة بـ"حقوق الرجال" وتتهم الحركة النسوية خاصة والنساء عامة بكونهنّ السبب في المشكلات التي تواجههم اليوم؛ من بينها مشكلات تتعلّق بقضايا على غرار الطلاق والنفقة ورعاية الطفل.
كما تتعلق أحيانًا بضعف قدرة بعض الرجال على إيجاد "الحب"، ومن ثم عجزهم عن الزواج أو الإنجاب. فما طبيعة هذه الحركات الذكورية، ولماذا ترى في النساء عدوها الأول والأهم؟
إليكم "نادي أعداء المرأة"، الذي تأتي ضمنه جماعات من الرجال غريبي الأطوار افتقدوا الحب فتحوّلوا إلى مجرمين.
ظهور نادي أعداء المرأة
نشأت الحركة الحقوقية الذكورية في السبعينيات ردًا على تطوّر الحركات النسوية وتنامي مكاسبها في البداية.
فدارت مطالب الحركة الذكورية حول المطالبة بما اعتبروه حقوقًا أصيلة للرجال مثل التعليم والعمل، اللذين تعاظمت فيهما مشاركة المرأة للرجل بل ومنافسته أحيانًا كثيرة.
وقد ألقى أعضاء هذه الحركات اللوم على النساء في فقدانهم وظائفهم أو عدم إيجادها في الأصل.
ولم يتوقف عند ذلك الحد، بل تطوّر إلى إلقاء اللوم على الجنس الآخر في المعضلات التي تواجه الرجال عامة.
وهذه الحركات انقسمت وتعددت، فظهرت حركة "ناشطو حقوق الذكور" التي تركّز على الدفاع عما يدعونه "التمييز المؤسساتي والقانوني ضد الرجال".
وكذلك ظهرت حركة "Pick Up Artists"، التي تخصّصت في تعليم وتدريب الرجال على فنون "إغواء الفتيات والنساء" بهدف ممارسة الجنس معهن.
وظهرت حركة "ميغتاو" أو "الرجال السائرون في طريقهم الخاص"، التي لا تكتفي بالدفاع عن الرجال بل تحمل نزعة انفصالية بين أعضائها، الذين يمتنعون طواعية عن الدخول في علاقات مع النساء وينأون بأنفسهم عن الانسجام في هذا المجتمع أو تقبّل أفكاره.
وبينما يرفض المنتمون إلى "ميغتاو" التعريفات "الثقافية" الحالية للرجال وأدوارهم في المجتمع، إلا أنهم يُعدون بصورة نظرية الأقل عنفًا ضد النساء، على عكس المنتمين لحركة "العزوبية غير الطوعية".
فهؤلاء ينظرون بدونيّة إلى المرأة ويرونها سببًا للعزوبية التي يعيشونها بسبب "مطالبها غير الواقعية" في شريك الحياة، وما يصفونه بـ"انحلالها الجنسي" والثقافي. فيرون أن المرأة في مجتمعات اليوم قد صارت مُحبة للمتعة "الجنسية" بصورة مَرَضيّة، وغير قادرة على التحكم في رغباتها.
ويعتبرون أن المجتمع أصبح عمومًا مناصرًا للمرأة، الأمر الذي يضع ضغوطًا شديدة وغير مسبوقة على الرجال.
ويستمد هؤلاء "الرجال" ثقافتهم من عالم أقرب إلى الفانتازيا منه إلى الواقع، حيث يعتقدون بضرورة تناول "الحبة الحمراء" كي يروا الواقع على حقيقته.
ما هي الحبة الحمراء؟
يعود تعريف "الحبة الحمراء" – وفقًا للجماعات الذكورية - إلى مقطع من فيلم "ذا ماتريكس". وقد جاء فيه: "هذه هي فرصتك الأخيرة. ومن بعدها، ليس ثمة طريق للعودة إلى الوراء. إما أن تأخذ الحبة الزرقاء، فتنتهي الحكاية، وتستيقظ في سريرك لتصدق أيًا ما تريد تصديقه؛ وإما أن تأخذ الحبة الحمراء، فتبقى في أرض العجائب، وأُريك إلى أي عمق يمتد جُحر الأرنب هذا!".
إلى ذلك، يُعد الإنترنت المصدر الآخر لثقافة الجماعات الذكورية من أعضاء نادي أعداء المرأة، فأعضاؤها ينشطون بصورة كبيرة على الشبكة العنكبوتية ولكل منهم مساحاته وقوانينه الخاصة، لكنهم يتداخلون أحيانًا إما فيما بينهم وإما مع جماعات أكبر وأكثر اتساعًا وغالبًا أشد تطرفًا وعنصرية.
ويُحسب أفراد الجماعات الذكورية ضمن نسيج حركات "العنصرية" و"العنصرية البيضاء" عامة في الغرب أي أنها ترى في الرجل، والرجل الأبيض تحديدًا، أفضلية عرقية على الآخرين.
كما يأخذ هؤلاء "الرجال" على عاتقهم تغيير المجتمع بما يرونه ضروريًا. فالشاب رودجر آنف الذكر وعلى الرغم من أنه شاب أميركي - بريطاني نشأ في عائلة غنية، فإنه لم يستطع جذب النساء أو إقامة علاقات متبادلة معهن.
وفيما دفعه هذا الأمر في النهاية لقتلهن، فتحت تلك الحادثة الباب لسلسلة من حوادث شبيهة منبعها "العجز عن الارتباط بالنساء". حتى إن رودجر تحوّل إلى "بطل" بين عناصر جماعات العزوبية غير الطوعية، ونفّذ بعض أعضائها عمليات باسمه بدءًا من عدة حوادث إطلاق نار في أميركا.
فقد جاءت حادثة في ولاية أوريغون بعد جريمة رودجر بعام واحد، حيث قُتل 9 أشخاص وانتحر منفذ العملية البالغ من العمر 26 عامًا، بعدما أعلن في مانيفستو أنه ورودجر "يقفون مع الآلهة".
وبعد عامين، قُتل ثلاثة في ولاية نيوميكسيكو من بينهم منفذ عملية إطلاق النار في إحدى المدارس الثانوية. وكان يرى في رودجر "رجلًا ذا درجة رفيعة من النُبل".
ثم تكرر الأمر بعد عام آخر، عندما أطلق رجل أربعيني النار في ستوديو مخصص لممارسة اليوغا في ولاية فلوريدا فأصاب ست نساء وقتل اثنتين، بعدما استلهم فعلته هو الآخر من رودجر.
كراهية النساء تهديد للأمن القومي
وقد وصلت "حمى رودجر" إلى كندا وبريطانيا وغيرهما لدرجة أن تقريرًا استخباراتيًا كنديًا صدر في عام 2022 حذّر من "الكراهية العنيفة للنساء"، وقال إنها "تُعد تهديدًا للأمن القومي" وتُعد "شكلًا من أشكال التطرف العنيف ذي الدوافع الأيديولوجية".
ولا يصعب ترجمة مثل هذا التحذير في ظل حوادث اليوم، فقد شهدت الولايات المتحدة في 2022 أيضًا حادثتين جديدتين ارتكبهما أفراد من جماعات العزوبية غير الطوعية.
وعلى غرار الحوادث السابقة قُتل ستة أشخاص من بينهم منفذو العمليتين، غير أن الفارق هذه المرة أن أفراد هذه الجماعات على الإنترنت اعتبروا قتل اثنين في إحدى هذه العمليات "عددًا قليلًا" من الضحايا.
وفي مواقعهم الخاصة، يتناقش أعضاء الحركات الذكورية في كيفية قتل الزوجات باعتبارها "طريقًا أسهل" من الطلاق، ويطالبون بـ"جعل الاغتصاب في الملكيات الخاصة قانونيًا".
كما يفرض هؤلاء المنتمون إلى نادي أعداء المرأة نظرياتهم الخاصة عن ضرورة "ترهيب" النساء من قبل "الرجال"، باعتبارها وسيلة أخيرة لـ"تعديل سلوكهن".
باختصار، تلتقي هذه الجماعات من الرجال – غالبًا على الإنترنت - وتناقش عدة مواضيع أهمها مدى كراهيتهم للنساء، التي ترتبط بعدة عوامل بعضها يتعلق بعجز هؤلاء الرجال عن التعامل مع النساء.
ويعود ذلك إما للخجل وإما لطبيعة شخصية أو جسدية مثل السمنة و"سوء المظهر"، وفقًا لما يعتقده بعضهم. والبعض الآخر يتعلق بمواقف ارتبطت بالمرأة مثل فوز إحداهن على رجل ما في قضية نفقة أو أزمة نفسية تسببت بها الأم في الطفولة.
وتتفق الغالبية العظمى منهم على أن المكاسب التي حققتها الحركات النسائية على مر السنوات قد منحت المرأة حقوقًا أكثر مما يجب، وتركت الرجل تحت ضغوطٍ هائلة.
وتفيد الدراسات بأن أعضاء هذه الحركات أصبحوا أشد عنفًا على مر السنوات، وبأن معاداتهم للمرأة خاصة والمجتمع عامة قد أصبحت تعادل الإرهاب الأيديولوجي.
وتتداخل بعض هذه الحركات في معتقداتها بالفعل مع حركات "تفوق العرق الأبيض" وحركات "التفوق الذكوري"، وهو ما يجعل من الصعب حصرهم أو مواجهتهم.
ويرى البعض أنه "ربما يحق للرجل أن يغضب مما يحدث"، فحينما بدأت المطالبة بحقوق المرأة في السبعينيات لم يتوقع أحد أن يمتد الخط على طوله دون توقف، وأن تظل الحركة النسوية تكتسب حقوقًا جديدة "على حساب الرجل" عامًا بعد آخر.
ولا يعني موقف هؤلاء تبرير العنف، بل إعادة النظر إلى ما يحدث في نسقه التاريخي ودون محاباة لجنس على حساب آخر.
فهل يمكن أن يفلح ذلك يومًا ما؟ والأهم هل يمكن القول إن هناك تشابهًا بين هذه الأحداث في الغرب وبعض ما يحدث في عالمنا العربي؟.