الثلاثاء 25 آذار / مارس 2025
Close

رحلة البحث عن رؤية أوضح.. ماذا استخدم البشر قبل النظارات؟

رحلة البحث عن رؤية أوضح.. ماذا استخدم البشر قبل النظارات؟ محدث 19 شباط 2025

شارك القصة

كانت النظارات الأولى مجرد نظارات مكبّرة تهدف إلى مساعدة الإنسان على القراءة
كانت النظارات الأولى مجرد نظارات مكبّرة تهدف إلى مساعدة الإنسان على القراءة - هيستوري فاكتس
الخط
كان اختراع النظارات في أواخر القرن الـ13 بمثابة تغيير في قواعد اللعبة، وكان يُمثّل في بعض النواحي بداية علم قياس البصر الحديث.

في الأيام الأولى من تاريخ البشرية، وقبل اختراع النظارات، كان الأشخاص الذين يُعانون من مشاكل في الرؤية يواجهون أوقاتًا عصيبة، إذ كان من المرجّح أنّ يتمّ التخلّي عنهم إذا لم يتمكّنوا من الحفاظ على إنتاجيتهم بما فيه الكفاية.

وظهرت النظارات الأولى حول العالم في حوالي القرن الـ13. وبحلول القرنين الـ17 والـ18، ظهرت النظارات التي نعرفها اليوم.

وكانت النظارات الأولى في الأساس مجرد نظارات مكبّرة تهدف إلى مساعدة الإنسان على القراءة؛ لكنّ النماذج اللاحقة أصبحت أكثر تعقيدًا.

من اخترع العدسات الأولى؟

وفقًا لموقع "هيستوري فاكتس"، لا أحد يعرف بالضبط من اخترع النظارات، ولكن الافتراض هو أنّ الحرفيين الإيطاليين في بيزا هم من صنعوا العدسات التصحيحية الأولى حوالي عام 1286. ويُرجّح أنّ مصنع زجاج مورانو في بيزا، هو الموقع الوحيد الذي يتمتّع بتكنولوجيا تصنيع الزجاج الناعم القادر على التحوّل إلى زجاج.

 وحينها كانت النظارات عبارة عن عدستين زجاجيتين مثبّتتين في إطار مصنوع من الخشب أو العظام.

وكان اختراع النظارات في أواخر القرن الـ13، بمثابة تغيير في قواعد اللعبة، وكان يُمثّل في بعض النواحي بداية علم قياس البصر الحديث.

وظهرت النظارات ذات الهياكل الإطارية إلى الساحة في القرن الـ17. وشهد القرنان الـ18 والـ19، تغييرًا كبيرًا حيث بدأت النظارات التي نعرفها حاليًا بالتبلور، مع ارتفاع معدلات قصر النظر مع تزايد معدلات القراءة والكتابة. وبدأ الناس في استخدام هذه التقنيات بشكل أكبر مثل فحوصات العين الأكثر شيوعًا، وبالتالي تشجيع الابتكار في هذا المجال.

ومع مرور الوقت، بدأ الناس بالحصول على أنواع معينة من العدسات الموصوفة لهم فعليًا بدلًا من تجربة أزواج النظارات بشكل عشوائي إلى حد ما، حتى يجدوا واحدة تُناسب عيونهم.

وتطوّر مجال قياس البصر بشكل أكبر حيث بدأ الأطباء بإجراء اختبارات رؤية أكثر تفصيلًا للسماح بهذه الوصفات الطبية.

ما هي الأدوات التي استخدمها مرضى قصر النظر؟

بينما اختُرعت النظارات الحديثة كما نعرفها عام 1927، استُخدمت بعض الأدوات لمساعدة الأشخاص الذين يتعاملون مع مد البصر والتحديات الأخرى المتعلّقة بالبصر.

  • العدسات المبكّرة

كشفت الحفريات الأثرية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط ​​عن وجود عدسات مسطّحة محدّبة (مسطحة من جانب ومستديرة من الجانب الآخر) مصنوعة من الزجاج والبلور الصخري تعود إلى العصر البرونزي.

والمثال الأكثر شهرة هو عدسة النمرود التي تمّ العثور عليها في بقايا قصر آشوري في العراق. وعلى الرغم من أنّه من غير المعروف لماذا استُخدمت هذه العدسات، إلا أنّ بعضها يقوم بتكبير الأشياء ما بين سبع إلى تسع مرات، ما يجعلها مفيدة للعمل على العناصر الموجودة في أماكن قريبة.

وفي كتابه "رؤية عصر النهضة من النظارات إلى التلسكوبات"، أشار المؤرخ الأميركي فنسنت إيلاردي إلى أنّ وجود ثقوب على بعض هذه العدسات دليل على أنّها ربما كانت مدعومة بطريقة تسمح للحرفيين باستخدام أيديهم. بالإضافة إلى ذلك، يُقدّم إيلاردي اكتشاف مقبض سكين مصري عاجي عمره 5300 عام، يحمل أشكالًا مجهرية منحوتة، كدليل على أنّ المصريين القدماء كان لديهم وسيلة لتحسين الرؤية.

ولم تكن هذه الحضارات الوحيدة التي اكتشفت استخدام العدسات، حيث تمّ العثور على عدسة بلورية مُحدّبة تزن 2.3 غرامات في قبر أحد أبناء الإمبراطور الصيني ليو شيو الذي عاش في القرن الأول الميلادي.

وقد تمّ تعزيز إنشاء العدسات من خلال الدراسات البصرية التي نشرها قبل قرون علماء صينيون، بما في ذلك الفيلسوف موزي والملك ليون.

  • أحجار كريمة

يبدو أنّ الرومان القدماء كانوا يعتقدون أنّ الزمرد والأحجار الكريمة الخضراء الأخرى يمكن استخدامها كوسيلة لتهدئة العيون، وربما توفير المساعدة البصرية.

ويُظهر أحد الأمثلة الشهيرة في كتاب التاريخ الطبيعي لبليني الأكبر، حيث يُلاحظ المؤلف "كيف شاهد الإمبراطور نيرون حدثًا للمصارعية بمساعدة حجر "سماراغدوس"  وهو زمرد أو جوهرة مماثلة.

ومع ذلك، يعتقد المؤرخون إلى حد كبير أنّ الحجر ربما لم يُضخّم المشهد بقدر ما ساعد في حجب وهج الشمس.

  • كرات الماء

في مجلده الأول من كتاب "Naturales Quaestiones"، وصف الفيلسوف الروماني سينيكا التأثير المكبّر للماء في الزجاج، قائلًا: "الحروف مهما كانت صغيرة ومعتمة، تكون كبيرة نسبيًا ومميزة عند رؤيتها من خلال كرة زجاجية مملوءة بالماء".

كما لاحظ المؤرخ الروماني بلينيوس الأكبر الصفات الشبيهة بالعدسة التي نتجت عن الجمع بين هذه العناصر، على الرغم من أنّ ملاحظته كانت مرتبطة باحتمالية الاشتعال عند تركيز أشعة الشمس عبر وعاء ماء زجاجي.

يُمكن رؤية الأحرف الصغيرة من خلال كرة زجاجية مملوءة بالماء
يُمكن رؤية الأحرف الصغيرة من خلال كرة زجاجية مملوءة بالماء- هيستوري فاكتس

وفي حين أنّ النتيجة ربما كانت مرضية، إلا أنّ افتقار سينيكا إلى المتابعة يُشير إلى أنّ طريقة التكبير هذه على الأرجح لم تكن مستخدمة على نطاق واسع.

  • المرايا

وفي الجملة نفسها التي تصف خصائص التكبير بكرات الماء، كتب سينيكا: "لقد قلت بالفعل إن هناك مرايا تزيد من حجم كل جسم تعكسه".

وفي الواقع، يمكن استخدام المرايا المعدنية أو الزجاجية أو البلورية المقعّرة لتكبير النصوص الأصغر حجمًا.

وعلى غرار ما قاله إيلاردي في كتابه "رؤية عصر النهضة من النظارات إلى التلسكوبات"، كتب المؤلف الفرنسي جان دي مون عن فعالية هذه الأداة في قصيدة "Le Roman de la Rose" التي تعود إلى أواخر القرن الـ13، على الرغم من عدم وجود العديد من الاستخدامات الموثقة الأخرى للمرايا لهذا الغرض.

  • أحجار القراءة

حصل تطور كبير في مجال الأدوات البصرية مع اختراع أحجار القراءة. وغالبًا ما يُنسب الفضل في ذلك إلى الباحث الأندلسي عباس بن فرناس في القرن التاسع. وقد تمت مناقشة مفهوم الأسطح الزجاجية المنحنية المستخدمة لتكبير الطباعة باستفاضة في كتاب البصريات لعالم الرياضيات العربي ابن الهيثم عام 1021.

ووفقًا لموقع "nvisioncenters.com"، تشير التقديرات الأخيرة إلى أنّ البشر بدأوا في ارتداء نظارات مصنوعة من البريل وهو نوع من حجر الكوارتز في شمال إيطاليا في القرن الثالث عشر.

وعادة ما تكون أحجار القراءة مصنوعة من الكوارتز والكريستال الصخري وخاصة البريل، وقد تمّ تصميمها بشكل مستو محدب، مع الجانب المسطح مقابل صفحة الكتاب والجزء العلوي المستدير، ما يوفّر رؤية واضحة للحروف أدناه.

يُنسب الفضل في اختراع أحجار القراءة إلى الباحث الأندلسي عباس بن فرناس
يُنسب الفضل في اختراع أحجار القراءة إلى الباحث الأندلسي عباس بن فرناس- هيستوري فاكتس

واستُخدمت هذه الأحجار في البداية لمساعدة كبار السن الذين يعانون من ضعف البصر، ثمّ أصبحت شائعة بين القراء الأصغر سنًا أيضًا، لا سيما أنّه قيل إنّ البريل يمتلك قوة سحرية وشفاء.

ومن الأمثلة الباقية على أحجار القراءة هذه، هي عدسات "فيسبي" التي تعود إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر والتي تم اكتشافها في غوتلاند السويدية عام 1999. وإلى جانب توفير تكبير ممتاز للنصّ الصغير، فإن العديد من عدسات الكوارتز هذه مثبتة بالفضة، ما يُشير إلى غرض زخرفي أيضًا.

وكانت عدسات "فيسبي" من اختراع أحد المحترفين المحليين، وشقّت طريقها إلى المناطق الإسلامية حيث ظهرت أحجار القراءة الأخرى لأول مرة.

  • النظارات الحالية

تمّ صنع أول إطارات النظارات على يد حرفيين إسبان في القرن السابع عشر، حيث قاموا بتثبيت شرائط من الحرير أو الخيوط على الإطار وربطها بأذني المستخدم، وفقًا لموقع "salus.edu".

ونقل المُبشّرون الإسبان والإيطاليون الأنواع الجديدة من النظارات إلى الصين. وبدلًا من صنع الحلقات، ربط الصينيون أوزانًا معدنية صغيرة بالأوتار.

تم اختراع الطراز الحديث لإطار النظارات، الذي يمكن وضعه فوق الأذنين والأنف عام 1727 على يد المتخصص بالبصريات البريطاني إدوارد سكارليت.

وكانت هذه النظارات تحتوي على عدسات زجاجية مثبتة في إطارات ثقيلة من الخشب أو الرصاص أو النحاس. وتمّ استخدام المواد الطبيعية من الجلد والعظام والقرون لاحقًا لإنتاج الإطارات. وفي أوائل القرن السابع عشر، تمّ اختراع إطارات أخفّ من الفولاذ.

ومع استمرار تطوّر النظارات الطبية واستمرار تحسّن دقة الوصفات الطبية، بدأ الاتجاه نحو جعل النظارات أكثر عصرية. ويمكن صنع الإطارات بألوان وأنماط مختلفة لتُناسب وجه الشخص.

ومن بين التحسينات في المظهر، تم أيضًا إجراء تحسينات على العدسات. ويعود الفضل إلى العالم والفيلسوف الأميركي بنجامين فرانكلين في اختراع النظارة الثنائية، التي تقسّم عدساته للرؤية البعيدة والقريبة، والتي تمّ تثبيت هاتين العدستين معًا في إطار معدني.

وفي وقت لاحق، اخترع عالم الفلك والرياضيات الإنكليزي السير جورج بيدل إيري، نظارات لتصحيح " لابؤرية" (Astigmatism) عام 1827 والتي كان من المفترض أن تُمسك باليد. ثمّ تمّ تصميم النظارات اللاحقة بحيث يتمّ تثبيتها في مكانها بواسطة شريط أو عن طريق الضغط على جسر الأنف، كما هو الحال مع الكماشة الأنفية.

في الثمانينيات، تمّ تقديم العدسات البلاستيكية، ما يوفّر بديلًا أكثر متانة للعدسات الزجاجية. وفي نهاية المطاف، النظارات التي نرتديها اليوم هي نتيجة قرون من التحسّن في كل من التكنولوجيا والمعرفة.

تابع القراءة

المصادر

ترجمات