بعد سقوط نظام بشار الأسد، بدأت مكتبات العاصمة دمشق بعرض الكتب التي كانت تُقرأ وتُباع في الخفاء على مدى عقود، حيث باتت روايات معاناة السجناء السياسيين تجاور الكتب الدينية التي كانت ممنوعة من التداول في سوريا.
ولم يقتصر بحث السوريين عن الكتب القديمة الممنوعة في البلاد، بل شمل أيضًا تلك التي أُلفت عقب الثورة السورية وتتناول فصلًا من فصولها.
فقد عثر الطالب عمرو اللحام (25 عامًا) على كتاب كان يبحث عنه منذ فترة طويلة، وهو "المعبر"، الذي تصف فيه المؤلفة معارك مدينة حلب من نقطة عبور كانت تربط، حتى نهاية عام 2016، الأحياء الشرقية الخاضعة للمعارضة آنذاك، بتلك الغربية الخاضعة لسيطرة قوات النظام السابق.
عودة بيع الكتب المحظورة
ويجول اللحام مع شقيقه في المكتبات المجاورة لجامعة دمشق، حيث تتوافر حاليًا كتب كانت محظورة قبل سقوط النظام في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.
ويقول الشاب: "قبل ستين يومًا، لو سألت عن كتاب، لربما كنت اختفيت في سجن صيدنايا" السيئ السمعة قرب دمشق.

ويضيف: "كنا نخاف سابقًا من التصنيف، في فروع المخابرات كانت هناك تصنيفات، أنت كشخص مثلًا تشتري كتابًا ما تكون... صوفيًا، سلفيًا، اشتراكيًا، يساريًا".
وطوت الإطاحة ببشار الأسد صفحة أكثر من نصف قرن من حكم العائلة الواحدة، حيث كان القمع الشديد مصير أي معارضة، وخضعت الحريات العامة للتكميم من قبل عدد كبير من الأجهزة الأمنية التي أرعبت السكان وعذّبت المعارضين في السجون.
لكن القلق لا يزال يراود العديد من السوريين حول مستقبلهم الذي يأملون أن يكون ديمقراطيًا. وعلى الرغم من ذلك، ارتاحت دمشق الآن من قبضة الوجود الأمني القائم عند كل زاوية في هذا البلد.
رواية "بيت خالتي"
على الرفوف والجدران الممتدة على الأرصفة وفي المتاجر، تتكرّر العناوين نفسها التي لم تكن متوفرة سابقًا إلا بنسخ مقرصنة على الإنترنت.
من بينها رواية "بيت خالتي"، هي العبارة التي يستخدمها السوريون للإشارة إلى السجن خلال فترة حكم الأسدين الأب والإبن، للروائي العراقي أحمد خيري العمري، وكذلك رواية "القوقعة" للسوري مصطفى خليفة الذي يسرد قصة اعتقال شاب علماني في سجن تدمر بتهمة أنه إسلامي متشدّد.
ويقول بائع الكتب الخمسيني أبو يامن إن روايات "أدب السجون" تلك "كانت ممنوعة نهائيًا"، مضيفًا: "في السابق، لم يكن الناس يجرؤون حتى أن يسألوا".
ووافق صاحب دار نشر معروفة أن يروي مخاطر المهنة بشرط عدم كشف هويته.
ومنذ الثمانينات، أزال الرجل كلّ الكتب السياسية من جداوله، باستثناء تلك التي تتناول "فكرًا سياسيًا عامًا، وليس مرتبطًا بمنطقة أو دولة".
يضيف: "لكن مع ذلك، كنا نطلب كل عام إلى الفروع الأمنية... يسألوننا عن عملنا ومبيعاتنا، من جاء إلينا ومن غادر، ماذا اشترى، ماذا يطلب الناس... علمًا أنهم أجهل الناس بهذه الكتب".
ويروي أن أحد المحققين طلب إحضار ابن تيمية، العالِم المعروف بـ"شيخ الإسلام" وتوفّي في القرن الرابع عشر، للتحقيق.
إقبال على شراء الكتب المحظورة
على الرفوف عند مدخل مكتبته، وضع عبد الرحمن سروجي كتبًا ذات أغلفة جلدية وعناوين مكتوبة بحروف ذهبية: مؤلفات لابن القيّم الجوزية، وهو فقيه مسلم من العصور الوسطى وأحد كبار منظري الفكر السلفي، وأخرى لسيد قطب، أحد أبرز منظّري فكر الإخوان المسلمين.
ويقول البائع البالغ 62 عامًا كانت "كتب هؤلاء كلها محظورة، كنا نبيعها في السر لمن نثق بهم، من طلاب العلم والباحثين".
لكن اليوم، بات هناك "إقبال شديد جدًا" عليها. ومن زبائنه الجدد، سكان من دمشق، وسوريون عائدون من الخارج، وآخرون جاؤوا من معاقل المعارضة في شمال سوريا.
وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، تعلّم الرجل الستيني التمييز بين المخبِرين والطلاب الباحثين عن كتاب.
وفي العام 2010، قامت مجموعة مكونة من حوالي عشرة عناصر أمن بتفتيش مكتبته بشكل دقيق، وفي النهاية "صادروا أكثر من 600 كتاب".
جاء مصطفى القاني الذي يعدّ لماجستير في الفكر الإسلامي، للسؤال عن أسعار كتب سيد قطب. ويقول: "خلال فترة الثورة، بتنا نخاف كثيرًا... لم نكن نستطيع أن نقتني بعض الكتب، كنا نبحث عنها على الإنترنت".
ويضيف: "من كان ينشر أي شيء من أقوال سيد قطب أو اقتباساته، كان يُرمى في السجون".