الأحد 21 أبريل / أبريل 2024

سجن العقرب "مقبرة الأحياء" في مصر.. تعذيب وإهمال ومرافق قذرة

سجن العقرب "مقبرة الأحياء" في مصر.. تعذيب وإهمال ومرافق قذرة

Changed

يحاط سجن العقرب بقدر كبير من السرية عبر المنع من الزيارة بشكل منتظم، حتى إنّ "سقف" المطالبات الحقوقية انخفض إلى مجرد طلب "رؤية" المعتقلين والاطمئنان عليهم.

ضبط القانون المصري لتنظيم السجون في العديد من مواده الحقوق التي يتوجّب توفيرها للسجناء، إذ نصّ على الحق في المعاملة الكريمة والغذاء والملبس والمشرب والرعاية الطبية والعديد من الأشياء الأخرى.

وبالرغم من ذلك، تقول منظمة هيومن رايتس ووتش عن السجون المصرية إنّها مليئة بالتعذيب المنهجي وتفشّي الإهمال الطبي والمرافق القذرة، وتخصّ بالذكر سجن طرة شديد الحراسة، الشهير بسجن العقرب، والذي يحاط بقدر كبير من السرية عبر المنع من الزيارة بشكل منتظم.

ولا يبدو ذلك مُبالَغًا به بعدما انخفض "سقف" المطالبات الحقوقية من الإفراج عن المعتقلين إلى مجرّد المطالبة برؤيتهم والاطمئنان عليهم، فيما يبقى أهالي المعتقلين الممنوعين من الزيارة في دائرة مفرغة تستنزف طاقتهم إجراءات مرهقة من النيابة إلى إدارة السجون وما بين الاثنين.

ووسط الآلام والآمال التي لم تنقطع برؤية أبنائهم ولو لدقائق تخفف عنهم أوجاع الحبس، تُطرَح الكثير من الأسئلة حول أسرار منع الزيارة لآلاف المعتقلين لهذه المدة الطويلة التي تفتح الباب واسعًا أمام انتهاكات بارتكاب انتهاكات جسيمة وتعذيب ضد المحبوسين والسجناء، والدليل هو قطع اتصالهم بالعالم الخارجي.

محاولات انتحار داخل سجن العقرب

منذ 15 مارس/ آذار عام 2015، مُنِع سجناء العقرب من الزيارة أو التواصل مع ذويهم ومحاميهم، الأمر الذي ساهم في تفاقم الانتهاكات ضد المعتقلين السياسيين ودفعهم للدخول في إضرابات عن الطعام أكثر من مرة، بالإضافة لتسجيل عدد من محاولات الانتحار داخل السجن بسبب التضييق المتواصل.

ويؤكد مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي هذا الأمر في حديث إلى "العربي"، حيث يلفت إلى أنّ المنع من الزيارة أهم انتهاك داخل السجون "لأنه يقطع الصلة تمامًا بينك وبين أسرتك"، مشيرًا إلى أنّه "يترتب على ذلك ضرر معنوي على الأسرة وضرر بالغ على المعتقل الذي يفقد أي تواصل بينه وبين أسرته".

وفيما يصف بيومي سجن العقرب بأنّه "مقبرة العقرب" بسبب الحياة غير الطبيعية داخله، تتّفق معه زوجة القيادي بجماعة الإخوان محمد البلتاجي سناء البلتاجي، حيث تصفه زوجها وسائر المعتقلين في السجن بـ"الأحياء في القبور"، مشيرة إلى أنّ السجن سيئ بكل المواصفات.

منع منتظم من الزيارة

وتكشف سناء البلتاجي لـ"العربي" أنّ زوجها محمد البلتاجي ممنوع من الزيارة منذ أكثر من خمس سنوات ولا يوجد أي تواصل معه، "وحتى لم يكن هناك جلسات في فترة طويلة علمًا أنّ هذه الجلسات كانت الوسيلة الوحيدة لنعرف أنه على قيد الحياة".

من جهته، يشكو شقيق المعتقل جهاد الحداد عبد الله الحداد انقطاعًا كاملًا للزيارة عنه، مشيرًا إلى أنّ المعلومات التي تتزوّد بها العائلة تأتي بها فقط ممّن يخرجون من السجن. ولا يبدو الوضع مغايرًا بالنسبة إلى نجلة القيادي بجماعة الإخوان صبحي صالح أبرار صالح التي تكشف لـ"العربي" أنّ آخر مرّة رأت فيها والدها تعود إلى خمس سنوات، بغياب أيّ وسيلة تواصل معه.

أنس البلتاجي محروم من استكمال دراسته

ولا يُعتبَر المنع من الزيارة الانتهاك الوحيد الذي يُمارَس بحق المعتقلين في سجن العقرب، إذ يعيش أنس، نجل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين محمد البلتاجي، في عزلة تامة في الحبس الانفرادي منذ أربع سنوات، في انتهاك لحقه وحق أبيه في الاحتجاز معًا وفقًا لما ينصّ عليه قانون لمّ الشمل.

وبالإضافة إلى ذلك، فهو محروم من استكمال دراسته، إذ لم تسمح له إدارة السجون بإدخال كتبه الدراسية أو أيّ كتب أخرى. وتقول والدته لـ"العربي" في هذا السياق إنّه يدفع ثمن ذنب لم يرتكبه، حيث تضيع أجمل سنوات عمره، وهو حتى محروم من استكمال دراسته، مع أنّ الكثير من الطلبة ينجزون دراستهم في السجن.

حبس انفرادي من دون أجل مسمّى

أكثر من ذلك، تحظر المادة 43 من قانون تنظيم السجون الحبس الانفرادي من دون أجل مسمّى، وسمحت به لمدّة 30 يومًا كحدّ أقصى.

ورغم ذلك، فإنّ العديد من المعتقلين السياسيين في مصر يقبعون في حبس انفرادي لشهور وأحيانًا لسنوات.

من هؤلاء الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح الذي سُجِن في حبس انفرادي منذ القبض عليه في 14 فبراير/ شباط عام 2018، ما ساهم في فقدان الكثير من وزنه، وتدهور حالته الصحية، إذ تعرّض في يونيو/ حزيران 2019 لأزمتين في القلب في يوم واحد، ورغم ذلك، فإنّ إدارة السجن لم تستجب لطلبه بإجراء الفحوص الطبية اللازمة له حتى هذه اللحظة.

كذلك فإنّ المتحدث السابق باسم جماعة الإخوان المسلمين جهاد الحداد يعاني من الحبس الانفرادي في زنازين التأديب منذ سنوات، ما أدّى لتدهور حالته الصحية التي تصفها أسرته بتحوّل جسده لهيكل عظمي.

طعام لا يتوفر إلا بكميات هزيلة

وفي انتهاك آخر لا يقلّ خطورة عن كلّ ما سبق، تفيد منظمة هيومن رايتس ووتش بأنّ الطعام لا يتوفر في سجن العقرب سوى بكميات هزيلة نتيجة لمنع الزيارة.

ويتحدّث أهالي المعتقلين صراحةً عن سياسة تجويع ممنهجة يتعرّض لها الموقوفون، أدّت لفقدان عدد منهم أكثر من 30 كيلوغرامًا من وزنهم.

في هذا السياق، تتحدث زوجة القيادي بجماعة الإخوان محمد البلتاجي سناء البلتاجي عن "حملة تجويع" تشنّها إدارة السجن على المعتقلين، بالذات في شهر رمضان، بحيث لا يُعطى المعتقلون أكثر من رغيف صغير مع قطعة جبنة في اليوم.

ويؤكد شقيق المعتقل جهاد الحداد عبد الله الحداد هذه السياسة، مشيرًا إلى أنّها أدّت إلى تدهور الوضع الصحي للكثير من السجناء، ومثله تقول نجلة القيادي بجماعة الإخوان صبحي صالح أبرار صالح إنّ والدها تعرّض للتسمّم، وهو المعتاد على نظام غذائي معيّن طوال حياته.

إهمال طبي ووفيات بالجملة

وفي سياق متصل، رصد تقرير لمنظمة "كوميونيتي فور جاستس" عشر وفيّات خلال 36 يومًا فقط في عام 2021، بواقع وفاة كل ثلاثة أيام تقريبًا نتيجة الإهمال الطبي المتعمّد ومنع دخول الأدوية.

ويبرز اسم سجن العقرب في الوفيات كونه الأسوأ بالنسبة إلى ظروف الاحتجاز، إذ توفي فيه العديد من المعتقلين السياسيين، كان آخرهم الدكتور حمدي حسن الذي احتضر داخل محبسه في نهايات نوفمبر 2021، بعد أكثر من 8 سنوات من اعتقاله.

ويقول نجله البراء حمدي لـ"العربي" إنّ "سجن العقرب سيئ السمعة من حيث المعاملة ومن حيث التضييق على المعتقلين"، مشيرًا إلى أنّ ما حدث مع والده كان مؤلمًا وقاسيًا، مشدّدًا على أنّ أحدًا لا يستحقّ مثل هذه المعاملة في النهاية.

ويلفت مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي إلى أنّ الدكتور حمدي حسن كان ينتظر في الفترة الأخيرة إخلاء سبيله بعد صدور حكم بالبراءة خاص به، ولكن جملة من الانتهاكات تمّت بحقه، وشملت الحبس الانفرادي ومنع أسرته من زيارته طيلة خمس سنوات كاملة، إضافة إلى منع التقائه بمحاميه، والإصرار على عدم إخلاء سبيله.

أين النيابة العامة من سجن العقرب؟

ينصّ قانون تنظيم السجون على حق أكثر من جهة في زيارة السجون في أيّ وقت بغرض الرقابة، ضمنهم المحافظين لتفتيش السجون الواقعة في نطاق أقاليمهم، وكذلك، فإنّ من حق أعضاء النيابة العامة دخول مقار الاحتجاز متى شاؤوا.

 ورغم أنّ وكلاء النائب العام والمحافظين والبرلمان نفذوا زيارات لعدد من السجون المصرية، إلا أنّهم لم يقوموا بأي زيارة لسجن العقرب، وهو ما يشرحه مدير مركز الشهاب لحقوق الإنسان خلف بيومي بالحديث عن وجود "غطاء رسمي من الدولة المصرية يتمثل بخطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في فترة من الفترات".

ويشدّد بيومي على أنّ "النيابة العامة هي المسؤولة مسؤولية كاملة عن ارتفاع حجم الانتهاكات والوفيات"، موضحًا أنّ "غياب الرقيب وعدم احترام القانون أدّى لما نحن فيه الآن من انتهاكات غير مسبوقة".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close