مع اقتراب عيد الأضحى من كل عام، تتحول مدينة بوسعادة جنوب العاصمة الجزائر، إلى وجهة مفضلة للمواطنين الباحثين عن السكّين التقليدي المعروف باسم "الخدمي البوسعادي"، الذي يعد رمزًا للرجولة وموروثًا حرفيًا متجذرًا في الذاكرة الجماعية للسكان.
ويُعرف سكّين "الخدمي البوسعادي" -المصنوع يدويًا والذي تفخر المدينة بلقبه منذ قرون- بحدته ومتانته، ويستخدم بشكل واسع في ذبح الأضاحي، حتى بات "ضيفًا دائمًا" في بيوت الجزائريين، متفوقًا على المنتجات المستوردة.
تاريخ صناعة "الخدمي البوسعادي"
ويعود تاريخ صناعة "البوسعادي" إلى ما يقارب القرنين، ويرجح بعض المؤرخين دخوله إلى شمال إفريقيا مع موجات الهجرة الهلالية من منطقة نجد في القرن الحادي عشر للميلاد، فيما يربطه آخرون بفترة المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، حين كان الحدّادون يصنعونه سرًا لدعم المقاومين عقب احتلال الجزائر.

ورغم التقدم الصناعي، لا يزال الكثير من الحرفيين في مدينة بوسعادة، الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر جنوب شرقي الجزائر العاصمة، يمارسون هذه الحرفة التي ورثوها أبًا عن جد.
ويتميز "البوسعادي" بحدته العالية التي تجعله السكّين المثالي للذبح والسلخ، كما يصنع نصله من الحديد المغناطيسي المقاوم للصدأ. أما المقبض فينجز من العاج أو خشب البلوط الصلب، ويوضع في غمد جلدي متين يضمن له عمرًا طويلًا.
ويحرص الحرفيون على تزيين النصل بزخارف تقليدية أو بنقوش تحمل اسم صاحبه، في تقليد يعكس الطابع الشخصي والرمزي لهذا السكين.
ولم يكن "البوسعادي" مجرد أداة لذبح الأضاحي، بل لعب دورًا في تاريخ الجزائر المعاصر، إذ استخدمه مقاومو ثورة التحرير الجزائرية، "في مواجهة عملاء الاحتلال الفرنسي، ما جعل اسمه يثير الرهبة في صفوف الخونة"، وفق ما يتناقله السكان.
جودة تضمن دوامه أكثر من 50 عامًا
وقال تومة عمار، وهو صانع سكاكين مخضرم في سوق بوسعادة: إن سر الإقبال على "البوسعادي" يكمن في جودته الفائقة وديمومته الطويلة، موضحًا أن "السكين يمكن أن يدوم أكثر من 50 عامًا إذا حفظ بشكل جيد".
وأشار عمار في حديث لوكالة الأناضول، إلى أن صناعة السكين تتم يدويًا عبر طرق المعدن باستخدام أنواع مختلفة من الحديد، ما يمنحه صلابة مميزة، مضيفًا أن "كل صانع يضع لمساته الخاصة من حيث الشكل والزخرفة، ما يجعل كل قطعة فريدة من نوعها".
وأوضح أن "السكّين البوسعادي له معايير دقيقة، يجب احترامها حتى يستحق هذا الاسم، من أبرزها أن يطرق الحديد يدويًا، ثم يعالج بالزيت والماء لضمان صلابته".

وتابع: "الشكل الأصلي يتكون من نصل حديدي، ومقبض يُصنع من قرون الحيوانات أو العظم أو الخشب الصلب، بينما يُغطى بغمد جلدي مبطَّن بخشب، لحماية الغلاف من التمزق".
وأشار الحرفي المخضرم إلى أن السكاكين المزوّرة باتت تنتشر في الأسواق، مؤكدًا أن "من يريد اقتناء سكين بوسعادي أصلي فعليه التوجّه مباشرة إلى مدينة بوسعادة، لأن التقليد منتشر".
وعن الإقبال الحالي، أفاد بأن الطلبات تبدأ منذ شهر رمضان وتستمر حتى عشية عيد الأضحى، موضحًا: "نشهد ضغطًا كبيرًا في الخمسة عشر يومًا التي تسبق العيد، ونتلقى طلبات من خارج المدينة أيضًا، ونقوم بعمليات توصيل للمناطق البعيدة".
جزء من الهوية الجزائرية
ووصف الحرفي جغام بوزيد بدوره السكين البوسعادي بأنه "موروث ثقافي يمثل منطقة بأسرها"، مؤكدًا أن الحرفة ورثها عن أجداده ويسعى للحفاظ عليها حية بالطرق التقليدية نفسها التي استخدمها الأسلاف.
وذكر في حديث للأناضول: "نحن لا نصنع سكينًا فقط، بل نُحيي تقاليد كاملة مرتبطة بالهوية المحلية، وكل تفصيلة في هذا السكين تعبّر عن أصالة بوسعادة".
وأوضح أن الإقبال يكون كبيرًا خلال أيام العيد، مشيرًا إلى أن "الجزائريين يحبّون اقتناء هذا النوع تحديدًا، لما يتميز به من حدة ومتانة وتصميم فريد، حتى بات يحظى بشهرة وطنية ودولية".
وختم قائلًا: "لا يكاد يخلو بيت جزائري من سكين بوسعادي، إنه جزء من ثقافتنا في الجزائر".
وتشكل الأضاحي أحد مظاهر الاحتفال العديدة بعيد الأضحى المبارك في الجزائر.
ومن التقاليد المرتبطة بالعيد، أن يقوم الجزائريون عشيته بطلاء جبهة الكبش أو رأسه بالحناء، وذلك استبشارًا وفرحًا بالمناسبة السعيدة.
وعقب العودة من أداء صلاة العيد، يتم التضحية بالكبش الذي يُقطع بعد ذلك، وتُعد أطباق شعبية مميزة من لحمه.