شكّل ملف المهاجرين ورقة انتخابية رابحة استخدمها الرئيس الأميركي دونالد ترمب خلال حملته الانتخابية لعام 2024، إذ وعد بترحيل جماعي للمهاجرين غير المُسجّلين والمُجرمين، وهي سياسة أثبتت شعبيتها بين الناخبين من مختلف الأطياف السياسية، قبل الانتخابات وبعدها.
ومنذ دخوله البيت الأبيض، عمد ترمب إلى تنفيذ ما وعد به حيث أُبلغ المتواجدون في الولايات المتحدة في إطار الإفراج الإنساني من دول بما في ذلك فنزويلا وهايتي والذين وصلوا أثناء إدارة الرئيس السابق جو بايدن، بانتهاء وضعهم القانوني وأن عليهم المغادرة في غضون شهر.
ومؤخرًا، بدأت وزارة الأمن الداخلي بتطبيق متطلبات تسجيل الأجانب (ARR)، الذي يعني أنّه يجب على المهاجرين غير النظاميين التسجيل لدى الحكومة في غضون 30 يومًا، وإلا سيُواجهون عقوبات صارمة.
وذكر موقع "بوليتيكو" الأميركي أنّ وزارة كفاءة الحكومة التي يقودها الملياردير إيلون ماسك، مُنحت حقّ الوصول إلى بيانات دائرة خدمات المواطنة والهجرة الأميركية من أجل أتمتة عملية تقليص نظام الإفراج المشروط لأسباب إنسانية.
ترحيل محمود خليل
كما برزت مؤخرًا قضية ترحيل طالب الدراسات العليا الفلسطيني في جامعة كولومبيا محمود خليل، الذي يعد أحد أبرز وجوه الحركة الاحتجاجية في الجامعات الأميركية ضد العدوان على قطاع غزة.
فبعد أن صرّح وزير الخارجية ماركو روبيو بأنه قرر أن نشاط خليل "معادٍ للسامية"، اعتقل موظفو الهجرة في نيويورك الطالب مطلع مارس/ آذار الماضي. وأُبعد لنحو 1900 كيلومتر إلى مركز احتجاز في ريف لويزيانا.
وفي 11 أبريل/ نيسان الماضي، أصدرت قاضية متخصصة بقضايا الهجرة في ولاية لويزيانا حكمًا يقضي بإمكانية ترحيل الناشط خليل الذي يعد أول طالب تعتقله إدارة ترمب على خلفية نشاطه الداعم لفلسطين.
ووفق موقع "أن بي آر"، فقد أمهلت القاضية خليل حتى 23 أبريل/ نيسان الجاري، لطلب وقف تنفيذ ترحيله إذا استأنف محاموه القرار وهو ما تعهدوا بفعله.
وتزعم الحكومة الأميركية أن خليل الذي تسميه "المحتج المناصر للفلسطينيين"، "يجب أن يُجبر على مغادرة البلاد لأنه أخفى في طلب التأشيرة أنه كان يعمل في وكالة إغاثة فلسطينية تابعة للأمم المتحدة، كما أنه لم يذكر في الطلب أنه كان يعمل في مكتب سوريا في السفارة البريطانية في بيروت وأنه كان عضوًا في جماعة أبارتايد ديفست في جامعة كولومبيا".
وتقول إدارة ترمب إنها ألغت وضع خليل بصفته مقيمًا دائمًا قانونًيا بموجب قانون ماكاران-والتر، أو قانون الجنسية والهجرة الذي صدر عام 1952، والذي يسمح بترحيل أي مهاجر يرى وزير الخارجية أن وجوده في البلاد "يضر بالسياسة الخارجية الأميركية".
ويزعم روبيو أن السماح لخليل، المقيم في الولايات المتحدة بشكل دائم وقانوني، بالبقاء في البلاد من شأنه أن يقوّض أحد أهداف السياسة الخارجية الأميركية المتمثلة في مكافحة معاداة السامية حول العالم، على حد زعمه. فماذا نعرف عن قانون الهجرة الأميركي؟ وكيف شكلت الولايات المتحدة سياسة الهجرة الخاصة بها عبر التاريخ؟

عندما كان الحلم الأميركي متاحًا
لم تكن الولايات المتحدة تضع أي قيود تُذكر على الهجرة حتى عام 1828. كان الحلم الأميركي متاحًا للجميع حيث يبحر المزارعون الأوروبيون عبر الأطلسي بحثًا عن أراض لاستغلالها، فيما يجد المضطهدون سياسيًا ودينيًا مكانًا آمنًا للعيش. وقد عززت هذه السياسة جزئيًا وفرة الموارد الطبيعية في البلاد والحاجة إلى العمالة لتعزيز التنمية عبر تطوير الصناعات الناشئة، وشق الطرق، وإقامة خطوط الاتصال.
وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، فرض بدء تغيير طبيعة الهجرة الأوروبية النظر في الإطار القانوني للقوانين الفيدرالية التي تُنظم سياسة الهجرة في البلاد.
تُركت القرارات المتعلقة بمجال الهجرة لكل ولاية على حدة، ففي حين حفّز بعضها وصول المهاجرين، حد البعض الآخر من تدفقهم. وفي عام 1897 فرض الكونغرس اختبار محو الأمية لجميع المهاجرين، وذلك بهدف تفضيل العمال المتعلمين والمهرة على الأميين، وفق دراسة نُشرت في مجلة الشؤون العالمية التابعة لكلية الدراسات الدولية المتقدمة في أوروبا.
ولإدارة قضايا الهجرة، أُنشئت أول لجنة للهجرة عام 1907، وفي العام نفسه، قُدّمت مشاريع قوانين للحد من العبور غير الشرعي من منطقة البحر الكاريبي وبقية دول أميركا اللاتينية. وشكّل ذلك إحدى الخطوات الأولى نحو اعتماد قانون ماكاران-والتر.
قانون جونسون ريد
وقبل بداية الحرب العالمية الأولى بفترة طويلة، كانت الولايات المتحدة التي أسسها مهاجرون قد أوصدت بابها بإحكام.
لكن الحرب فرضت واقعًا جديدًا، تدفق ملايين المهاجرين المحتملين بحثًا عن مأوى وفرص في العالم الجديد. وبعد الحرب، وتحت وطأة الاستياء الشعبي والمخاوف من وصول قوة عاملة جديدة منافسة، وشعور أميركي بالتفوق على المهاجرين الجدد، لم يجد القادة الأميركيون بدًا سوى اعتماد نظام حصص صارم، تمثل في قانون للهجرة في عام 1924 الذي عُرف بقانون جونسون ريد.
اتسم التشريع بطابع حمائي إذ فُرضت حصص على أساس الأصول القومية للمهاجرين القادمين في الغالب من أوروبا.
الجدل بشأن قانون الهجرة
وفي السنوات الأولى للحرب الباردة، أظهر النقاش حول مراجعة قانون الهجرة الأميركي انقسامًا بين المهتمين بالعلاقة بين الهجرة والسياسة الخارجية، ومن يربطون الهجرة بمخاوف الأمن القومي. أيدت المجموعة الأولى، بقيادة أفراد مثل عضو الكونغرس الديمقراطي عن نيويورك إيمانويل سيلر، تحرير قوانين الهجرة، وفق مكتب المؤرخ الأميركي الرسمي.

وأعرب سيلر عن مخاوفه من أن نظام الحصص التقييدي يُفضّل الهجرة من شمال وغرب أوروبا بشكل كبير، مما ولّد استياءً تجاه الولايات المتحدة في أجزاء أخرى من العالم. ورأى أن القانون خلق شعورًا بأن الأميركيين يعتبرون القادمين من أوروبا الشرقية أقل جاذبية، وأن القادمين من آسيا أدنى من المنحدرين من أصل أوروبي.
وفي المقابل، أعربت المجموعة الثانية، بقيادة السيناتور الديمقراطي ماكاران وعضو الكونغرس فرانسيس والتر، عن مخاوفها من أن الولايات المتحدة قد تواجه تسللًا "شيوعيًا" من خلال الهجرة، وأن الأجانب غير المندمجين قد يهددون أسس الحياة الأميركية. وبالنسبة لهؤلاء الأفراد، كانت الهجرة المحدودة والانتقائية هي أفضل وسيلة لضمان الحفاظ على الأمن الوطني والمصالح الوطنية.
قانون ماكاران والتر
فُوض مجلس الشيوخ في عام 1947 للتحقيق في نظام الهجرة والتجنيس في الولايات المتحدة وتحليله.
وقد أُسندت المهمة إلى لجنة قضائية ونفذتها لجنة فرعية ترأسها السيناتور الديمقراطي بات ماكاران من ولاية نيفادا. وقد عُرف بآرائه المناهضة للشيوعية وتركيزه على الأمن القومي في مسائل الهجرة.
ومن مجلس النواب، قاد النائب فرانسيس والتر وهو ديمقراطي من ولاية بنسلفانيا ومتخصصًا في شؤون الهجرة، اللجنة الفرعية مع نظيره السيناتور ماكاران.
ونظرًا لدورهما في صياغة القانون والدفاع عنه حصل التشريع المسمى رسميًا بقانون الهجرة والجنسية على اسم قانون ماكاران والتر.
وبعد ثلاث سنوات من العمل، قدمت اللجنة تقريرًا يقارب ألف صفحة إلى الكونغرس بهدف تقديم مشروع قانون جديد يقنن جميع قوانين الهجرة والتجنيس.
وبسبب انتقادات بعض أعضاء المجلسين، تم ترتيب عدد من المراجعات في السنوات التالية. وكان مع النسخة الرابعة والأخيرة من مشروع القانون أنه في يونيو/حزيران 1952، تم قبول مشروع قانون ماكاران-والتر، مع تعديلات طفيفة فقط، من قبل كلا المجلسين.
ولم تحظ العوامل الاقتصادية بأهمية تُذكر في النقاش بشأن أحكام الهجرة الجديدة. فرغم أن الحجج السابقة المؤيدة للقيود ركزت على احتياجات الاقتصاد الأمريكي والقوى العاملة، بدأ أن الحرب الباردة كانت لها الأسبقية في النقاش. كما أن الاتحاد الأميركي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية اتخذا موقفين متعارضين في النقاش، مما يدل على عدم وجود موقف واضح مؤيد للعمالة.
ما هو مضمون قانون ماكاران-والتر؟
أيد قانون الهجرة والجنسية الأميركي لعام 1952 نظام حصص الأصول القومية الذي أنشأه قانون الهجرة لعام 1924، مما عزز هذا النظام المثير للجدل لاختيار المهاجرين.
كما أنهى استبعاد الآسيويين من الهجرة إلى الولايات المتحدة، وأدخل نظام تفضيلات قائم على المهارات ولمّ شمل الأسرة.
وحافظ القانون على تفضيل المهاجرين من دول شمال وغرب أوروبا، حيث كانت أعدادهم في الولايات المتحدة في عام 1920 أكبر، ولكنه أدخل بعض التعديلات الطفيفة على كيفية تطبيق هذه الحصص.
فقد عدّل القانون نظام الهجرة المتبع في عام 1924 والذي يسمح بحصص وطنية بمعدل سدس واحد في المائة من سكان كل جنسية في الولايات المتحدة عام 1920. وبات عدد التأشيرات المتاحة لكل جنسية يعتمد على حجم تلك المجموعة في عدد سكان الولايات المتحدة في عام 1920، مع حد أدنى قدره 100.
لكن جرى إلغاء نظام حصص الأصول الوطنية، بما في ذلك التعديلات التي أدخلها قانون ماكاران والتر، في نهاية المطاف بموجب قانون الهجرة والجنسية لعام 1965.
الإيديولوجية أداة للترحيل
وبحسب "أسوشيتد برس"، دَوَّن قانون ماكاران-والتر قواعد تسمح باستخدام الأيديولوجية لرفض الهجرة والسماح بالترحيل.
كما يحق لوزير الخارجية إلغاء البطاقة الخضراء أو التأشيرة للأفراد الذين يُعارضون السياسة الخارجية ومصالح الأمن القومي" للولايات المتحدة".
يمنح قانون الهجرة الأميركي الرئيس سلطة كبيرة لإصدار أوامر تنفيذية وإعلانات تؤثر على سياسة الهجرة. ويمكن استخدام هذه السلطة لتطبيق قيود السفر، وتعديل سياسات التأشيرة، وتحديد أولويات فئات معينة من عمليات الترحيل.
وبموجب المادة 212 من القانون، يجوز للرئيس منع دخول "أي أجنبي أو فئة من الأجانب إلى الولايات المتحدة" ممن قد يكون وجودهم "ضارًا بمصالح الولايات المتحدة". وقد استخدم دونالد ترمب هذه اللغة الفضفاضة لفرض حظر سفر على أشخاص من عدة دول ذات أغلبية مسلمة خلال ولايته الأولى، وفي اليوم الأول من ولايته الثانية، مهد الطريق لتجديد حظر السفر.
يقول خبراء قانونيون إن الواقع أكثر تعقيدًا. وبحسب "أسوشيتد برس"، فالبند الذي يستخدمه البيت الأبيض - المادة 237 - نادرًا ما يُستعان به، ويتطلب مراجعة قضائية شاملة، وهو مُخصص للحالات غير العادية التي قد يُسبب فيها وجود شخص ما في الولايات المتحدة اضطرابًا دبلوماسيًا. ويقع العبء على عاتق الحكومة" لإثبات وجوب ترحيل الشخص.
صلاحيات خاصة للرئيس
وتسمح المادة 212 من القانون للرئيس بقبول أي شخص "على أساس كل حالة على حدة لأسباب إنسانية عاجلة أو منفعة عامة كبيرة".
وقد استخدم جو بايدن بند الإفراج المشروط لأسباب إنسانية أكثر من أي رئيس آخر للسماح مؤقتًا بدخول أشخاص من دول مثل أوكرانيا وأفغانستان وكوبا وهايتي ونيكاراغوا وفنزويلا إلى الولايات المتحدة.
وتواجه إدارة ترمب دعوى قضائية لإنهاء هذه الأداة القانونية القائمة منذ زمن طويل.
وبحسب الدراسة التي نشرتها مجلة الشؤون العالمية التابعة لكلية الدراسات الدولية المتقدمة في أوروبا، "فإن ما يُظهره الرئيس ترمب بوضوح هذه الأيام هو تقليدٌ ممتدٌّ لعقود من الامتيازات التنفيذية. ويزداد الأمر وضوحًا في ظل الوضع الراهن: إذ يبدو أن الكونغرس والمحاكم مترابطان وخاضعان لسلطة تنفيذية قوية ومؤثرة، مما يفسح المجال لرئاسة شبه إمبراطورية".
ووفق الدراسة، يبدو أن هذا يتعارض تماما مع الإطار الموصوف لقانون الهجرة والجنسية لعام 1952. وربما، إذا انضمت المحاكم ووسائل الإعلام والمجتمع المدني إلى المعارضة في الكونغرس، فسيكون من الأسهل بكثير حماية مؤسسات الديمقراطية، والتقاليد الدستورية القائمة على الضوابط والتوازنات، والاحترام الأساسي لحقوق الإنسان من أي طرف غير تقليدي في الساحة السياسية في الولايات المتحدة.