الإثنين 25 مارس / مارس 2024

سلطان باشا الأطرش.. مفجّر "الثورة السورية الكبرى" يسرد كواليسها الخفية

سلطان باشا الأطرش.. مفجّر "الثورة السورية الكبرى" يسرد كواليسها الخفية

Changed

في مذكّراته التي جاءت تحت عنوان "أحداث الثورة السورية الكبرى"، يسجّل مفجّر الثورة وقائدها وقائع الجهاد العربي ضد الاحتلال الفرنسي ومجرياتها طوال عامين.

"إلى السلاح أيها السوريون.. يا أحفاد العرب الأمجاد.. هذا يوم ينفع المجاهدين جهادهم، والعاملين في سبيل الحرية والاستقلال عملهم.. هذا يوم انتباه الأمم والشعوب.. فلننهض من ركامنا ولنبدّد ظلام التحكّم الأجنبي من سماء بلادنا".

بهذه الكلمات، خطب سلطان باشا الأطرش في بيانه الأول، داعيًا السوريين إلى الثورة المسلحة على قوات الاحتلال، مفتتحًا ثورة ستسمّى لاحقًا "الثورة السورية الكبرى"، ثورة انطلقت من جبل الدروز منادية بدولة عربية موحّدة ومستقلة.

وسرعان ما تمدّدت نيران هذه الثورة إلى بقعة واسعة من جغرافية جميع أنحاء سوريا وإقليم لبنان وجبل لبنان، لتهدّد الوجود الفرنسي في قلب الشرق العربي، وتسجّل في صفحة التاريخ العربي واحدة من أكثر الثورات العربية إلهامًا وتأثيرًا على مستقبل الشعوب العربية.

فقد كانت تلك الثورة واحدة من بواكير المحطات النضالية ضد الاستعمار، والذي بات أمرًا واقعًا بموجب اتفاقية سايكس بيكو، التي نصّت على اقتسام ميراث الدولة العثمانية المنهزمة في الشرق، والتي بمقتضاها خضعت سوريا ولبنان لوصاية استعمارية فرنسية.

جهاد عربي ضد الاحتلال الفرنسي

في مذكّراته التي جاءت تحت عنوان "أحداث الثورة السورية الكبرى كما سردها قائدها العام سلطان باشا الأطرش"، يسجّل مفجّر الثورة وقائدها وقائع الجهاد العربي ضد الاحتلال الفرنسي ومجرياتها طوال عامين.

ويسرد الكثير من كواليسها الخفية وعملياتها الحربية الناجحة التي أنزلتها على القوات الفرنسية، وتفاصيل المواجهة الوحشية التي قابل بها المستعمر الفرنسيّ الثورة السورية الكبرى.

وقد حظيت تلك المذكّرات باهتمام بحثي واسع، فكاتبها هو قائد الثورة وشخصيتها الأبرز سلطان باشا الأطرش المولود عام 1888 بقرية القرية جنوب سوريا، وهو الذي تبنّى منذ سنوات شبابه أفكارًا تحررية قومية.

وسرعان ما لبّى نداء الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين، وأعلن الجهر بالثورة مع نهايات عام 1917، فرفع العلم العربي فوق داره، وباشر بتسيير الحملة الكبرى التي كان قد أعدّها لتلحق بجيش الأمير فيصل بن الشريف بن الحسين إلى العقبة.

"لا جدوى من التفاهم مع الفرنسيين"

تمكّن الجيش العربي في 30 سبتمبر/أيلول 1918 من تحقيق الانتصار على العثمانيين ودخول العاصمة السورية دمشق ورفع العلم العربي فوق دار الحكومة هناك.

في الكتاب الذهبي للثورات الوطنية، يوثّق منير الريس الكاتب والصحافي السوري أنّ أول قوة عربية دخلت دمشق هي قوة سلطان باشا الأطرش المؤلفة من محاربي جبل الدروز، ويقول إنّها سبقت الجيش العربي في ذلك.

وفي السابع من مارس/آذار 1920، تمّ إعلان استقلال سوريا ومبايعة الأمير فيصل ملكًا عليها في اليوم التالي، لكن سرعان ما اتضح للعيان موقف إنكلترا وفرنسا من القضية العربية على حقيقته، وظهرت للعلن أسرار اتفاقية سايكس بيكو.

يسرد سلطان باشا الأطرش أنّه وجد الأمير فيصل منقبض الصدر حائر الفكر إثر عودته من أوروبا للمرة الثانية، ومعه مشروع الاتفاق مع فرنسا الذي استبان منه خذلان الإنكليز له وتخليهم عنه وسحبهم القوات الإنكليزية من سوريا.

يقول الأطرش إنّه وقف في صفّ المعارضين للمشروع الفرنسي، وقال للأمير صراحةً: "لا جدوى من التفاهم مع الفرنسيّين".

انتكاسة مريرة وهزيمة مدوية

لكن سرعان ما تعرّضت البلاد لانتكاسة مريرة منيت على إثرها المقاومة الوطنية بهزيمة مدوية من قبل القوات الفرنسية في معركة ميسلون الشهير في يوليو/تموز 1920.

وقد مثّلت تلك المعركة نهاية فترة حكم فيصل على سوريا، بعد أشهر معدودة من تنصيبه ملكًا عليها، وخطّت أول كلمة في بداية ليل سوري طويل، ليل الانتداب الفرنسي القاسي الذي ستعيشه البلاد لسنوات عديدة لاحقة.

يقول سلطان باشا الأطرش إنّه إثر انهيار الحكم الفيصلي وتدهور الوضع السياسي العام في البلاد، استغل المؤيدون للانتداب الفرنسي في الجبل تلك المتغيّرات، فازداد نشاطهم في مختلف الأوساط، وتمكّنوا من التأثير على بسطاء الدروز والمعتدلين منهم، فأقنعوهم وزيّنوا لهم قيام دولة درزية خاصة بهم.

وباشر مؤيدو سياسة فرنسا بعقد الاجتماعات في بعض القرى، كان آخرها في مدينة السويداء بتاريخ 20 ديسمبر/كانون الأول 1920، حيث قرّروا فيها المطالبة رسميًا باستقلال الجبل في ظلّ الانتداب الفرنسيّ.

غير أنّ هذا البرنامج الاستقلاليّ تعرّض للتعديل والتبديل فصيغ صياغة جديدة، بحيث صار يُعرَف بالنظام الأساسي لاستقلال الجبل، أو اتفاقية أبو فخر دي كيه، التي وقّعها نحو 15 وجيهًا من وجهاء الجبل.

محاولة فريدة بلا مبالغات

وعلى هذا المنوال، يتطرّق سلطان باشا الأطرش في مذكراته إلى الحقبات المختلفة التي عرفتها الثورة السورية الكبرى، منذ الجذور الأولى وحتى فصلها النهائيّ.

ويشير الكاتب والباحث خلدون النبواني إلى أنّ أهمية هذه المذكرات تأتي بوصفها "محاولة ربما فريدة في تاريخ ما كُتِب حول الثورة السورية الكبرى، لأنّه غالبًا ما تمّ تناول تاريخ هذه الحقبة إما من وجهة نظر ذاتية مُبالَغ فيها، يتمّ فيها تعظيم الشخصيات وأسطرتهم، وإما بصيغة استعمارية".

من جهته، يلفت الباحث مضر الدبس إلى أنّ أهم ما في سلطان باشا الأطرش من مميزات أنه انتمى في لحظة من اللحظات إلى محيط وطني أدى به إلى حمل الهمّ العام، حيث ساند الثورة العربية الكبرى ودعم المدّ العربي، ثمّ تنزّه وترفّع عن أيّ منصب رسمي وعاد إلى بلده وعمله بالزراعة، وبعد ذلك وجد أنّ مشروع الحرية لم ينتهِ، فشكّل حالة وطنية أدّت إلى ثورة أسفرت عن رحيل الاستعمار.

نفي واغتراب.. كيف انتهت المسيرة النضالية؟

مع خمود العاصفة الثورية في بلاد الشام، وتواطؤ السلطات الإنكليزية مع نظيرتها الفرنسية، طُرد سلطان باشا الأطرش من واحة الأزرق في إمارة شرق الأردن، فنزح مع جماعته من المجاهدين إلى شمال الحجاز، ومنها إلى الأردن ليعيش حياة النفي والاغتراب.

ولم يعد لوطنه هو ورفاق دربه إلا بعد توقيع المعاهدة السورية الفرنسية عام 1936، حيث عاد إلى دمشق في 18 مايو/أيار 1937، ليحظى باستقبال شعبي حاشد.

ظلّ الأطرش حاضرًا في الحياة السياسية الثورية رغم شيخوخته، ورفض أي منصب سياسي، وعاد للعمل في حقوله، لكنّ رمزيته الوطنية وقيمته الأخلاقية أبقته على اتصال دائم بالحركة السياسية السورية.

في أواخر مارس 1982، انتهت مسيرة نضالية حافلة لسلطان باشا الأطرش، إذ توفي بعد مرضه بأشهر قليلة، وقد ودّعه نحو مليون سوري إلى مثواه الأخير، تاركًا إرثًا نضاليًا وأفكارًا تحررية تقدمية.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close