الإثنين 22 أبريل / أبريل 2024

"سوار الذهب".. إعلي بن محمد فال يطبع تاريخ موريتانيا المعاصر

"سوار الذهب".. إعلي بن محمد فال يطبع تاريخ موريتانيا المعاصر

Changed

تُلقي هذه الحلقة من برنامج "كنت هناك" الضوء على حياة الرئيس الراحل العقيد إعلي ولد محمد فال "سوار الذهب" (الصورة: غيتي)
حفر مشهد تسليم إعلي ولد محمد فال السلطة بموريتانيا لرئيس مدني منتخب في ذاكرة الموريتانيين، وكان الاستثناء الوحيد في سلسلة انقلابات شهدتها البلاد منذ عام 1978.

قاد العقيد إعلي ولد محمد فال انقلابًا عسكريًا في موريتانيا في أغسطس/ آب 2005، وأنهى به عقدين من حكم العقيد ولد الطايع.

ووعد إعلي ولد محمد فال بفترة حكم انتقالية لا تتعدى عامين، وبإجراء انتخابات نزيهة وتسليم السلطة للمدنيين.

وفي أغسطس 2008، انتهت تجربة التناوب السلمي القصيرة في موريتانيا بانقلاب عسكري قاده الجنرال محمد ولد عبدالعزيز، ووقف إعلي ولد محمد فال ضد الانقلاب العسكري، مطالبًا بعودة الشرعية السياسية إلى الحكم.

وفي مايو/ أيار 2017، رحل ولد محمد فال نتيجة أزمة قلبية، ليخلف حزنًا بالغًا لدى الموريتانيين بمختلف توجهاتهم السياسية.

انقلاب 2005

وقد حفر مشهد تسليم إعلي ولد محمد فال السلطة في موريتانيا لرئيس مدني منتخب؛ في ذاكرة الموريتانيين. كان هذا هو الاستثناء الوحيد في سلسلة انقلابات شهدتها البلاد منذ عام 1978 وحتى عام 2008، حيث انقلب الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز على من سلّمه السلطة في يوم مشؤوم.

ويظهر تاريخ الظابط الذي غيّر مآلات انقلابات بلاده؛ الكثير من الاختلاف. فهو شاب قدم من الشمال ليلتحق بجيش بلاده وهو يخوض حروب الجمهورية الوليدة ضد جبهة البوليساريو.

وقال رئيس حزب اتحاد قوى التقدم المعارض، محمد ولد مولود: "سمعت باسم هذا الضابط في بداية الثمانينيات، وكان يقود الفريق المكلف بأمن قيادة الأركان وكان هناك صديق مشترك بيننا حدثني عن استقامته وسلوكه والتقيت معه في منزله".

وأكد رئيس حزب التغيير الموريتاني صالح ولد حننا في حديث إلى "العربي"، أن إعلي كان ضابطًا شجاعًا ومتميزًا بحسب الذكريات التي كان العسكريون يروونها عنه في حرب الصحراء.

وتواصل تقدم الضابط الشاب إعلي ولد محمد فال في سلم المؤسسة العسكرية الموريتانية بسرعة، وقد ساعده في ذلك تميّزه وإشادة قادته في الجيش بجهوده.

انقلاب محمد خونة ولد هيداله

ومطلع ثمانينيات القرن الماضي، تولى انقلابي جديد رئاسة موريتانيا، وهو محمد خونة ولد هيداله، وهو عسكري لا يروق حكمه لأغلب الحركات السياسية التي تسيطر على بلد يتنفس أهله السياسة.

لكن حركة بسيطة من وزيره الأول معاوية ولد سيد الأحمد الطائع أنهت سنوات حكم المقدم الذي علم بالانقلاب وهو في رحلة خارج البلاد، لكنّه أصر على العودة إلى نواكشوط رغم علمه أن السجن بانتظاره.

وتغيّر ميزان القوى، وقذف بالعقيد إعلي إلى الواجهة حيث أسندت له إدارة الأمن في أول أيام الرئيس الجديد، وأمضى عقدين من الزمن مسؤولًا عن أمن موريتانيا وأهلها ومتحكمًا في أحد أهم مفاصل النفوذ في بلاد الشعر والانقلابات.

ورغم كون إعلي مديرًا للأمن، كان يتوارى عن المشهد وكان نوابه يواجهون المشاكل وهذا هو الانطباع الذي تركه، بحسب ولد مولود.

انقلاب إعلي ولد محمد فال

ولّد حكم العقيد معاوية ولد الطائع حالة من الانزعاج والتذمر لدى أغلب الموريتانيين الذين وصفوه بالفاسد والمستبد بالسلطة. وبدأ التململ والشعور بعدم الرضى يتسرب إلى ضباط الجيش الموريتاني، لتستفيق البلاد في صبيحة 8 يونيو/ حزيران 2003 على محاولة انقلابية دموية قُتل فيها قائد الجيش وهزّت أركان حكم ولد الطائع. 

كانت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قادها الرائد صالح ولد حننا نذيرًا بقرب نهاية حكم معاوية ولد الطائع، وهو ما تم في 3 أغسطس 2005، حيث استيقظ الموريتانيون على انقلاب آخر لم يكن قائده شخصًا آخر سوى العقيد إعلي ولد محمد فال الذي تقلّد السلطة في البلاد، رئيسًا لما عُرف حينها بالمجلس العسكري للعدالة والديمقراطية. وتعهّد بالبقاء في السلطة لعامين فقط وتنظيم انتخابات شفافة وتسليم السلطة لمدني منتخب. 

واعتبر الرئيس السابق للحزب الحاكم في موريتانيا سيد محمد ولد محم أن المرحلة الانتقالية كانت تمثل مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي في البلاد.

وقال في حديث إلى "العربي": "إن كل ما صدر عن تلك المرحلة كان يشكّل إجماعًا وطنيًا". وأضاف: "أعتقد أنها كانت أكبر تطور للعملية الديمقراطية في البلاد". 

وكانت تعهدات العقيد بالنسبة للموريتانيين تشبه حديث سابقيه من العسكر الذين سيطروا على السلطة ولم يسلموها طواعية. 

ونزولًا عند تعهداته للموريتانيين، أطلق ولد فال أيامًا تشاورية بين مختلف الأحزاب السياسية وأشرف على تعديلات دستورية انتهت بانتخابات حرة ونزيهة كان العالم شاهدًا عليها. 

وفي لحظة فارقة من تاريخ موريتانيا، التزم ولد فال بتعهداته وسلّم السلطة طواعية للرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله في يوم مشهود. 

عودة حكم العسكر

لكن الديمقراطية الموريتانية لم تعمر طويلًا، حيث عاد العسكر للحكم بعد عام ونصف. وأطاح انقلاب آخر بأول رئيس مدني منتخب ووضعه تحت إقامة جبرية. ونصّب جنرالا جديدا هو محمد ولد عبد العزيز نفسه رئيسًا للدولة وهدم في ساعة واحدة ما بناه العقيد الراحل في سنوات. 

وعارض الراحل إعلي انقلاب 2008 بشدة، وحين نُظمت انتخابات في العام التالي على شكل مخرج لحالة الاحتقان السياسي الذي عاشته موريتانيا بسبب انقلاب ولد عبد العزيز، ترشّح ولد محمد فال للانتخابات الرئاسية، لكن موازين القوى السياسية خانته هذه المرة فلم يُحرز سوى نسبة ضئيلة من الناخبين لم تتعد 4%. 

وعندها تحوّل العقيد الراحل إلى صفوف المعارضة وأصبح أبرز وجوهها.

ورغم القرابة العائلية، ظهر الخلاف العميق بين إعلي والرئيس السابق ولد عبد العزيز في العلن. وانضم إعلي لقوى المعارضة المطالبين بتغيير النظام ورحيل ولد عبد العزيز.

رحيل سوار الذهب الموريتاني

وشكّل رحيل إعلي ولد محمد فال المفاجئ في صبيحة 5 مايو من عام 2017 إرباكًا للمعارضة الموريتانية، التي كان إعلي ورقتها الرابحة. وخلّف ذلك الرحيل حزنًا لدى الكثيرين في موريتانيا وخارجها، حيث كان يُنظر إليه على أنه سوار الذهب الموريتاني.

ويعتقد ولد محم أن وفات إعلي طبيعية ولا مدعاة للتشكيك فيها حيث لم تشهد البلاد ثقافة الاغتيال السياسي.

واعتبر ولد مولود أنه عندما يتوفى رئيس دولة سابق، يجب أن يجرى تحقيق وهو ما لم يحدث بعد وفاة إعلي. وقال: "ما يمكن استغرابه هو لماذا لم يجر تحقيق في ظروف وفاته". ورفض ولد حننا اتهام جهة بوفاته.

ومثل ولد محمد فال محطة مهمة في تاريخ موريتانيا المعاصر، حيث كان مثالًا نادرًا في الجوار العربي للعسكري المثقف الساعي للحكم المدني خارج زمانه ومكانه.

العربي أخبار

بث مباشر على مدار الساعة

شاهد الآن

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close