الخميس 25 أبريل / أبريل 2024

أسلحة "تنظيم الدولة" الكيميائية.. كيف فكّ البنتاغون لغزها؟

أسلحة "تنظيم الدولة" الكيميائية.. كيف فكّ البنتاغون لغزها؟

Changed

داعش- الموصل
كان "تنظيم الدولة" يصنع أسلحته الكيماوية الخاصة (غيتي)
بحلول أواخر عام 2016، كان القادة العسكريون الأميركيون يؤكدون القضاء على القدرة الصناعية لتنظيم "الدولة" على صنع الأسلحة الكيميائية.

تستقطب ممارسات "تنظيم الدولة" الاهتمام حتى مع انحسار نشاطها بشكل كبير. وتستمر المحاولات لتفسير تلك الممارسات ولو بعد أعوام من حدوثها، وأبرزها استخدام التنظيم للأسلحة الكيميائية.

ونقلت تقارير عن حوادث متفرقة في العراق استخدام "تنظيم الدولة" لهذه الأسلحة، وسط تساؤلات عن مدى صحة ذلك، وكيفية حصل التنظيم على تلك الأسلحة.

وفي هذا السياق، سلّط موقع "بوليتيكو" الأميركي الضوء، في تقريرٍ له، على كتاب للكاتب جوبي وارك، صدر مؤخرًا، يروي فيه دور الولايات المتحدة في القضاء على الأسلحة الكيميائية للتنظيم.

تأكيد استخدام الأسلحة الكيميائية

وفقًا للتقرير فقد وصلت وفود من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية  إلى بغداد للتحقيق في الهجمات المبلغ عنها على القوات الكردية بناءً على طلب الحكومة العراقية.

وأسفرت الاختبارات المعملية والمقابلات عن تأكيد ومفاجأة أيضًا. كان السائل الزيتي في قذائف الهاون عبارة عن خردل كبريتي، لكنه اختلف عن الأنواع التي كان خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية على دراية بها، إذ كانت صيغته بسيطة نسبيًا، وحتى بدائية.

ووفقًا للتقرير، لم تكن تلك الأسلحة سورية ولا عراقية، انطلاقًا من تركيبتها الكيميائية، ولكن من الواضح أنها صنعت من قبل شخص لديه إمكانية الوصول إلى معدات المختبرات الحديثة، ومعرفة عملية بالأسلحة السامة، وفهم أساسي للكيمياء.

ويقول الكاتب: "إن كل الإشارات كانت في الاتجاه المثير للقلق نفسه. في مكان ما في العراق أو سوريا، كان "تنظيم الدولة" يصنع أسلحته الكيميائية الخاصة. الإرهابيون لم يتقنوا بعد كل العناصر، لكنهم كانوا يتعلمون، وكانت حكومة الولايات المتحدة تتابعهم".

صانع أسلحة "تنظيم الدولة"

ويتحدث الكاتب عن سليمان العفاري صانع أسلحة "تنظيم الدولة"، البالغ من العمر 49 عامًا. عمل جيولوجيًا وموظفًا من المستوى المتوسط في مكتب الموصل التابع لوزارة الصناعة والمعادن العراقية قبل استيلاء التنظيم على مدينته عام 2014. اختار البقاء في الموصل وعندما طالب رجال التنظيم بمساعدتهم في صنع أسلحة كيميائية، كان العفاري مترددًا في الرفض. وهكذا أصبح الجيولوجي العفاري صانع السلاح الكيميائي.

حاصره جنود أميركيون وأكراد في معسكر اعتقال عراقي في العام 2016. وجرت الاستجوابات في العراق داخل المقر الشبيه بالحصن لإدارة مكافحة الإرهاب في حكومة إقليم كردستان.

روى العفاري بالتفصيل محاولات الجماعة لصنع غاز الخردل، بوصفه جزءًا مما وصفه بأنه جهد أوسع لابتكار أسلحة وأنظمة توصيل جديدة للدفاع عن الخلافة وترهيب معارضيها.

التهديد الكبير للأسلحة الكيميائية

قال الجنرال جوزيف فوتيل، رئيس العمليات الخاصة في البنتاغون في ذلك الوقت، والمشارك المنتظم في المناقشات: "بدأنا ندرك أن تنظيم الدولة لم يكن يجذب المقاتلين فحسب، بل الأشخاص ذوي المهارات الفريدة: المهارات التقنية، والمهارات العلمية، والمهارات المالية. هذا أعطانا وقفة. لقد شاهدنا جميعًا الأشياء المروعة التي كانوا يفعلونها، كان عليك أن تفترض أنه إذا وضعوا أيديهم على سلاح كيميائي، فسيستخدمونه".

ويروي الكاتب أنه بحلول أوائل عام 2016، وتحت ضغط الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة، كان جنود التنظيم يتراجعون في كل مكان، لكن التهديد الكيميائي بدا أكثر أهمية من أي وقت مضى.

كان القلق بين القادة الأميركيين والعراقيين هو أن "التنظيم المنهار سيحاول الانتقام من خسائره من خلال إطلاق أسلحته الكيميائية، إما في ساحة المعركة أو في هجمات إرهابية في المدن الغربية".

وقال ماكفارلاند لاحقًا: "كانوا يأملون في الحصول على نوع من الأسلحة الرائعة، سلاح قد ينقذ الخلافة".

كان مستشارو الأمن القومي للرئيس باراك أوباما يدركون جيدًا كيف يمكن لسلاح الغاز السام أن يغير حملة الإرهاب التي أطلقها "تنظيم الدولة" في المدن الأوروبية.

حتى الهجوم البسيط نسبيًا في نيويورك أو لوس أنجلوس من شأنه أن يولد ضجة كبيرة بحيث يضطر البيت الأبيض إلى توسيع الحرب وإرسال جيل آخر من القوات البرية الأميركية إلى المعركة في العراق وربما سوريا. وكانت حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي في بغداد قلقة بالقدر نفسه.

تدمير الأسلحة الكيميائية

لم يتم إخفاء منشآت الأسلحة التي وصفها العفاري في قواعد عسكرية أو في المخابئ تحت الأرض. كانت أهمها في المدن، داخل منشآت مدنية محمية بشكل خفيف في وسط الأحياء السكنية.

كان هناك مركز إنتاجي كبير داخل جناح مستشفى مدني في مدينة هيت، التي يبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة، وكان آخر على أرض جامعة الموصل، في قلب ثاني أكبر مدينة في العراق من حيث عدد السكان. 

تنطوي أي غارة جوية على مواقع مثل هذه على خطر إطلاق سحب من المواد الكيميائية الخطرة التي يمكن أن تنتقل عبر المنازل والمدارس والملاعب. ويقول الكاتب: "إذا قُتل مدنيون، فسيتم إلقاء اللوم على الجيش الأميركي وشركائه".

ويروي الكاتب كيف تم تجميع حزمة الضربة بعناية، مع اختيار أنواع خاصة من القنابل للمهمة غير العادية. وانقضّت الطائرات الحربية الأميركية في 25 مارس/آذار 2016،  أي بعد أكثر من شهر بقليل من اعتقال العفاري، لمهاجمة أهداف استراتيجية حول المدينة قبل الهجوم البري. وقصف الأميركيون 17 موقعًا على مدار الأيام الخمسة التالية.

وفي 12 أبريل/ نيسان، قاتلت القوات العراقية في طريقها إلى وسط هيت، واستولت على المستشفى ومختبر الكيماويات المدمر.

وفي الموصل، اختار مخططو البعثة قنابل حارقة خاصة مصممة لتوليد نصف قطر انفجار صغير ولكن حرارة شديدة، لتبخير الأسلحة والإمدادات وأي غازات متبقية قد تتسرب بخلاف ذلك. 

وقعت الضربات بشكل متقطع عندما سمحت الظروف وظهرت أهداف جديدة. وكانت الضربة الأكبر في 13 سبتمبر/ أيلول، حيث شملت عشرات الطائرات الأميركية وأكثر من 50 قنبلة وصاروخًا دمرت مجمّعًا كبيرًا لتصنيع الأدوية في ضواحي الموصل.

الثقة والخوف في آن 

وبحلول أواخر عام 2016، كان القادة العسكريون الأميركيون يؤكدون القضاء على القدرة الصناعية لـ"تنظيم الدولة" على صنع الأسلحة الكيميائية. واستولت القوات العراقية على جامعة الموصل، قلب شرق الموصل ومركز برنامج الأسلحة الكيماوية للتنظيم، في 14 يناير/ كانون الثاني 2017، أي قبل ستة أيام من انتهاء رئاسة أوباما.

يقر البنتاغون بأن تهديد الأسلحة الكيميائية لم يُمحَ بالكامل. وسأل فوتيل: "كان لديهم كل هذه القدرة والمعرفة التقنية. أين ذهبت؟ نحن نعلم أن بعض القيّمين عليها قُتلوا وعاد آخرون إلى منازلهم. لكن البعض ربما لا يزال هناك".

المصادر:
بوليتيكو / العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close