الإثنين 25 مارس / مارس 2024

البابا في العراق.. لقاء تاريخي مع السيستاني لتشجيع التعايش السلمي بين الأديان

البابا في العراق.. لقاء تاريخي مع السيستاني لتشجيع التعايش السلمي بين الأديان

Changed

في محيط منزل السيستاني في النجف
محيط منزل السيستاني الذي احتضن اللقاء التاريخي بين رأس الكنيسة الكاثوليكية والمرجعية الشيعية العراقية (غيتي)
أكد السيستاني للبابا فرنسيس "اهتمامه بأن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام وبكامل حقوقهم الدستورية".

في لقاء تاريخي، استقبل السيد علي السيستاني، أعلى مرجعية دينية شيعية في العراق، البابا فرنسيس في مدينة النجف لتشجيع التعايش السلمي بين الأديان.

وأكد السيستاني للبابا فرنسيس "اهتمامه بأن يعيش المواطنون المسيحيون كسائر العراقيين في أمن وسلام، وبكامل حقوقهم الدستورية"، بحسب بيان صادر عن مكتبه بعد اللقاء الذي امتد نحو 50 دقيقة.

وبعدما التقى البابا زعماء الطوائف الكاثوليكية في بغداد الجمعة، يمدّ يده إلى المسلمين الشيعة بزيارته السيستاني، البالغ من العمر 90 عامًا، الذي لا يظهر إلى العلن أبدًا، في منزله المتواضع في مدينة النجف على بعد 200 كلم إلى جنوب بغداد.

ويحظى السيستاني بنفوذ كبير على الساحة السياسية. وجعلت فتاواه العراقيين يشاركون في انتخابات حرة للمرة الأولى عام 2005، كما شارك بفضلها مئات الآلاف في قتال تنظيم "داعش" عام 2014، وأطاحت فتاواه أيضًا بحكومة عراقية تحت ضغط الاحتجاجات الحاشدة عام 2019.

ونادرًا ما يقبل السيستاني اللقاءات، ورفض إجراء محادثات مع رئيس الوزراء العراقي الحالي ورؤساء وزراء سابقين.

وقال مصدر لـ"رويترز": إن السيستاني وافق على لقاء البابا بشرط ألا يحضُر أي مسؤول عراقي الاجتماع.

وعُقد اللقاء مع البابا في منزل السيستاني المتواضع بحارة ضيقة في النجف، وهو المنزل الذي يستأجره منذ عقود.

أول لقاء على هذا المستوى بين رأس الكنيسة الكاثوليكية والمرجعية الشيعية العراقية.
أول لقاء على هذا المستوى بين رأس الكنيسة الكاثوليكية والمرجعية الشيعية العراقية (غيتي)

وهذه هي المرة الأولى التي يتمّ فيها لقاء على هذا المستوى بين رأس الكنيسة الكاثوليكية والمرجعية الشيعية العراقية، ويأتي بعد عامين من توقيع البابا فرنسيس وثيقة الأخوة الإنسانية مع شيخ الأزهر أحمد الطيب، إحدى أبرز المؤسسات التابعة للمسلمين السنة ومقرّها مصر.

وناقش الزعيمان الدينيان الوضع في العراق والمنطقة، ودور الأديان في نشر مبدأ التآخي والوئام والقبول بالآخر، في لقاء مغلق لم يسمح لوسائل الإعلام بحضوره. ويشكّل اللقاء مصدر فخر للعديد من الشيعة في بلد يعيش في أزمات ونزاعات منذ 40 عامًا.

ورفعت في بعض شوارع النجف لوحات عليها صور البابا فرنسيس وآية الله السيستاني مع عبارة بالإنكليزية: "اللقاء التاريخي".

بعد آخر

ويقول رجل الدين الشيعي محمد علي بحر العلوم: إن هذه الزيارة تشكّل مصدر "اعتزاز"، مضيفًا "نثمّن هذه الزيارة التي بلا شك سوف تعطي بعدًا آخر للنجف الأشرف".

وفي مطار بغداد الدولي الذي نزل به الحبر الأعظم الجمعة، رفعت لافتة كبرى فيها دعوة إلى التعايش والحوار بين الأديان تتضمن اقتباسًا من أحد أقوال الإمام علي الشهيرة: "فإنهم صنفنان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق".

ويعدّ السيستاني أعلى مرجعية بالنسبة لغالبية الشيعة البالغ عددهم 200 مليون في العالم، من أصل 1,8 مليار مسلم بالإجمال.

ويمثل السيستاني مرجعية النجف التي تؤيد أن يكون دور المرجعية استشاريا للسياسيين وليس مُقرّرا، مقابل مرجعية قم في إيران التي تؤكد أن لرجال الدين دورًا في إعطاء توجيهات سياسية على غرار المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي.

ويرى الكادرينال الإسباني ميغيل أنخيل أيوسو الذي يرأس المجلس البابوي للحوار بين الأديان أن "مدرسة النجف الفقهية أكثر علمانية من مدرسة قم التي لها اتجاه أكثر تدينًا"، مضيفًا أن النجف "تعطي أهمية أكبر للبعد الاجتماعي" أيضًا.

سلطة معنوية

وتقول الباحثة مرسين الشمري من معهد "بروكينغز": إن اللقاء "بالفعل حدث غير مسبوق"، مشيرة إلى أن حوزة النجف دخلت في حوار بين الأديان في أعقاب الغزو الأميركي في 2003، وخلال مرحلة الاقتتال الطائفي في العراق بين 2006 و2008.

وتضيف أنه "فيما يبتعد الكثير من الناس عن الدين في كل أنحاء العالم، حافظ السيستاني على سلطته المعنوية نفسها"، وتشرح أنه "ليس من دعاة الصمت لكنه أيضًا ليس ثوريًا، وقاد العراق خلال أحلك الأوقات كما لو كان راعيًا".

من جهته، يشير  الباحث حيدر الخوئي، الذي سبق أن التقى السيستاني في منزله المتواضع في النجف: "لم ينفِ السيستاني قط أنه إيراني المولد، لكن مع ذلك ومن نواحٍ عديدة، هو عراقي أكثر من المسؤولين العراقيين أنفسهم".

كما يقول الباحث كينيث كاتزمان من مركز خدمة الأبحاث في الكونغرس الأميركي: إن  السيستاني "حافظ دائمًا على مسافة مع إيران التي لم يشأ قط الخضوع لإملاءاتها".

أسلوب موزون

وينحو البابا كما السيستاني، إلى إطلاق مواقف سياسية غالبًا. لكن كلاهما يعتمدان أسلوبًا موزونًا في إطلاق مثل هذه المواقف. وفي خطابه، أمس الجمعة في بغداد، تطرّق البابا إلى مواضيع حسّاسة وقضايا يعاني منها العراق خلال لقائه الرئيس برهم صالح.

وقال: "لتصمت الأسلحة! ولنضع حدًا لانتشارها هنا وفي كل مكان، ولتتوقف المصالح الخاصة، المصالح الخارجية التي لا تهتم بالسكان المحليين، ولنستمع لمن يبني ويصنع السلام".

وأضاف: "كفى عنفًا وتطرفًا وتحزّبات وعدم تسامح. ليُعطَ المجال لكل المواطنين الذين يريدون أن يبنوا معًا هذا البلد". ودعا أيضًا إلى "التصدي لآفة الفساد وسوء استعمال السلطة، وكل ما هو غير شرعي".

وتجري زيارة البابا وسط إجراءات أمنية مشددة، وفي ظل إغلاق تامّ سببه ارتفاع الإصابات بفيروس كورونا مع أكثر من خمسة آلاف إصابة في اليوم.

وتلقّى البابا لقاحًا مضادًا للفيروس، فيما لم يذكر مكتب السيستاني إذا كان قد حصل على اللقاح.

المصادر:
العربي/ وكالات

شارك القصة

تابع القراءة
Close