الخميس 28 مارس / مارس 2024

إنهاء حرب اليمن.. استراتيجية أميركية ورغبة سعودية وتعقيدات ميدانية

إنهاء حرب اليمن.. استراتيجية أميركية ورغبة سعودية وتعقيدات ميدانية

Changed

يبدو أنّ سياسة بايدن تسعى للدفع من أجل بدء عملية تسوية سياسية جديدة لم تحدَّد معالمها بعد، ولا يُعرَف إن كان الوضع الإنساني الكارثي في اليمن في مقدّمة حساباتها.

تتعقّد يومًا بعد يوم الأزمة اليمنية التي أكدت واشنطن أن لا حلّ عسكريًا لها، فيما تتواصل الهجمات الحوثية المكثفة على الأراضي السعودية، على وقع معارك محتدمة في مأرب، ملاذ النازحين وآخر معاقل القوات الحكومية.

ويسعى الحوثيون المحسوبون على إيران للسيطرة على مأرب، محافظة النفط والغاز، وضمّها إلى شمال البلاد تحت قبضتهم، في معارك وُصِفت بالعنيفة، والأكثر دموية على الإطلاق بين جماعة الحوثي والقوات الحكومية.

السياسة الأميركية في اليمن "مرتبكة"

ويأتي التصعيد في وقت أزاحت فيه الإدارة الأميركية الجديدة جماعة الحوثي من قائمة الإرهاب، وأعلنت واشنطن عن وقف بيع الأسلحة للسعودية، وعيّنت مبعوثًا خاصًا لها في اليمن.

وتبدو السياسة الأميركية في اليمن "مرتبكة"، بعد فرض واشنطن عقوبات على قياديَّين في جماعة الحوثي. لكن الضغط الأميركي لإنهاء الحرب في اليمن مثّل أيضًا، فرصة للحوثيين لمحاولة تحقيق مكاسب عسكرية جديدة، ومن ثمّ تحولات ميدانية قد تفرض واقعًا جديدًا لأي مفاوضات محتملة مع الحكومة الشرعية تحت غطاء أممية.

رغبة سعودية غير مُعلَنة بإنهاء حرب اليمن

قد لا تتعارض استراتيجية البيت الأبيض بشأن اليمن مع رغبة سعودية غير معلنة في إنهاء الحرب التي خاضتها منذ عام 2015.

ولعلّ ترحيب المسؤولين السعوديين بتصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن يأتي في هذا السياق، لا سيما وأنّ واشنطن أعلنت في المقابل دعمها للرياض ضدّ هجمات الحوثي.

ويبدو أنّ سياسة بايدن تسعى للدفع بجميع الأطراف لبدء عملية تسوية سياسية جديدة لم تحدَّد معالمها بعد، ولا يُعرَف إن كان الوضع الإنساني الكارثي في اليمن في مقدّمة حساباتها.

خريطة الصراع العسكري في اليمن

عمومًا، منذ عام 2014، تتنازع قوى مسلحة عديدة في اليمن قسمة البلاد إلى مناطق سيطرة ونفوذ.

ويقدَّر عدد أفراد الجيش الوطني الداعم للشرعية بـ300 ألف معظمهم من القوات البرية والقبائل، حسب تقديرات بعض المسؤولين في الحكومة الشرعية، فيما يقدّر عدد المقاتلين في جماعة الحوثي بـ200 ألف مقاتل يتحكمون بعتاد عسكري مهم من الأسلحة والذخيرة والأنظمة الصاروخية الباليستية.

وتنتشر القوات الحكومية في محافظات المهرة وحضرموت وشبوة إضافة إلى أجزاء من محافظات أبين والجوف وحجة، فيما يسيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء ومحافظات عمران وذمار وإب والبيضاء وصعدة والمحويت وريما والحُديدة، ويسيطرون أيضًا على أجزاء من محافظات تعز والضالع وعلى حدود محافظة لحج. ويخوض الجانبان معارك محتدمة في مأرب حيث يسعى الحوثيون للسيطرة على المحافظة وضمّها إلى المناطق التي تتبعها.

قوات موالية للإمارات في اليمن

ومنذ العام 2016، باشرت دولة الإمارات في إنشاء قوات موالية لها في المحافظات الجنوبية، من ذلك قوات الحزام الأمني والنخبة الشبوانية، وتنتشر في عدن ومحافظات لحج والضالع وأبين وحضرموت.

تتبع قوات الحزام الأمني والنخبة الشبوانية المجلس الانتقالي الجنوبي، وتدعم الإمارات أيضًا ألوية حراس الجمهورية، ويقودها نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.

وتدعم الإمارات أيضًا قوات ألوية العمالقة سلفية المذهب، والتي تتمركز في الساحل الغربي وعلى خطوط التماس مع الحوثيين في محافظة الحُديدة. يطلق عليهم جميعًا اسم القوات المشتركة.

وفي العام 2015 سيطر تنظيم القاعدة على مدينة المُكلا في حضرموت وانسحب منها في العام 2016، لكنه عاد ينشر بيانات متفرقة من محافظة البيضاء.

مرحلة "فاصلة للشرعية" في اليمن

انطلاقًا من كل ما سبق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة قطر بكيل الزنداني أنّ الملف اليمني لم يعد محصورًا باليمنيين، بل أصبح ملفًا إقليميًا ودوليًا بامتياز، لافتًا إلى وجود "تعقيدات شائكة" لهذا الملف.

ويلفت الزنداني، في حديث إلى "العربي"، إلى ما يصفه بـ"السباق المحموم" بين القوى الإقليمية على استغلال الملف اليمني، بحيث يسعى كل طرف إلى "تثبيت رجاله في المرحلة القادمة في حال تم سلام أو لقاء مصالحة يمنية".

ويعتبر أنّ المعارك التي تتمّ اليوم تستند إلى "توجيهات خارجية"، لافتًا في هذا السياق إلى الارتباط المعروف لجماعة الحوثي بإيران. ويشدّد على أنّ هذه المرحلة تُعتبَر "فاصلة للشرعية وهي آخر ما تمتلكه"، منبّهًا إلى أنّه "إذا سقطت مأرب يجب أن تغادر الشرعية المشهد السياسي".

الورقة اليمنية "ثقيلة" في أي مفاوضات مستقبلية

من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني عبد الناصر المودع أنّ "الرغبتين الإيرانية والحوثية" تقاطعتا على وجوب حسم معركة مأرب، لافتًا إلى أن مأرب تُعتبَر بالنسبة للحوثيين هدفًا أساسيًا واستراتيجيًا.

ويوضح المودع، في حديث إلى "العربي"، أن مأرب هي مصدر الخطر وكذلك الجائزة الأساسية بالنسبة إلى الحوثيين، الذين كانوا يريدون أن يغزوا مأرب حتى قبل الذهاب إلى عدن، وهم يسعون اليوم بكل قوتهم للسيطرة على مأرب.

ويشدّد على أنّ الحوثيين يريدون أن يحسموا المعركة في مأرب للدخول في أي مفاوضات وهم في وضع مريح، ويلفت إلى أنّ إيران لديها رغبة أيضًا أن يحسم الحوثيون ملف مأرب لتدخل في مفاوضات مع الأميركيين، لا سيما وأنّ الورقة اليمنية ثقيلة في "بازار المفاوضات والمقايضات".

ويشير إلى أن الحوثيين لم يتمكنوا من اختراق مأرب لأسباب كثيرة أهمها أن مأرب لا تشبه المدن التي دخلوها سابقًا، موضحًا أنّ معظم المدن سُلّمت لهم بشكل تلقائي دون قتال في حين أن مأرب هي المدينة الوحيدة التي قاومت الحوثيين وما زالت تقاومهم.

"القضم المتراكم".. سياسة إيران في اليمن

أما أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء عبد الباقي شمسان، فيتحدّث عن تحول في موقف الإدارة الأميركية وإدراك من قبل إيران ومن قبل خلية التفكير الإيرانية أن هناك توجّهًا أميركيًا لتثبيت إيران وإحلالها مهددًا أول للمنطقة العربية بديلًا عن إسرائيل، وإحلال إسرائيل في إطار ناتو أو علاقات فردية مع بعض الدول لمواجهة الخطر الإيراني.

ويشير شمسان، في حديث إلى "العربي"، إلى أنّ الإيرانيين يدركون أيضًا أن الولايات المتحدة تريد في الوقت نفسه إيجاد تسوية في اليمن وفقًا للاستراتيجية الأميركية المتبعة في العراق من خلال نموذج الثنائيات، وهذا ما يفسّر رفع تصنيف الحوثيين عن قائمة الإرهاب، حيث يتمّ التواصل معهم للترتيب لطريقة جديدة في الإدارة.

ويشدّد على أهمية مأرب بالنسبة إلى الحوثيين، كونها تعد مصدر موارد الغاز والنفط؛ ما يوفر لها إمكانيات مادية، فضلًا عن اعتبارها العاصمة الثالثة غير المُعلنة.

ويعرب  شمسان عن اعتقاده بأن الحوثيين سيتحركون من مأرب باتجاه المناطق الجنوبية تحت شعارات مختلفة، تتقاطع عند السياسة الإيرانية في المنطقة، تحت عنوان "القضم المتراكم".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close