الأحد 14 أبريل / أبريل 2024

"سابقة" في التاريخ الموريتاني.. "حكم العسكر" يتّخذ شكلًا جديدًا

"سابقة" في التاريخ الموريتاني.. "حكم العسكر" يتّخذ شكلًا جديدًا

Changed

منذ الانقلاب الذي قاده العقيد ولد السالك في سبعينيات القرن الماضي، بدأت "الفوضى" في موريتانيا التي باتت تشهد في كل عام انقلابًا عسكريًا تتبعه وعود بالخلاص.

للمرّة الأولى في التاريخ السياسي الموريتاني، حيث اتخذ الرؤساء طريق الانقلابات العسكرية للوصول إلى السلطة على مدار 4 عقود، يعتلي كرسي الحكم، جنرال ذو بزة عسكرية حاملًا رايات حزبه الحاكم، ومتجهًا نحو صندوق الاقتراع في إطار عملية انتخابية منظمة بدستور الدولة، متّخذًا من الفوضى السياسية حُجّة لحلّ عشرات الأحزاب قبل أشهر من سباق الرئاسة.

وفي عام 2019، وتحديدًا في 23 يونيو/ حزيران، بدأ الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سلطاته الدستورية، ومعه تعالت أصوات المعارضين والرافضين لحكم الرئيس العسكري المنتخب، ما يضع مستقبل موريتانيا وسط العديد من الاستفهامات، أهمّها مستقبل التناوب السلمي الذي استحدثه العسكريون لإضفاء شرعيّة على حكمهم، دون الإخلال بالدستور وبعيدًا عن تدخل الجيش الذي تأسس قبل الاستقلال بعامين.

طريقة "مبتكرة" للبقاء في السلطة

تجد هذه "السابقة" من نوعها، من يشكّك بطبيعتها، حيث يرى مستشار الرئيس الموريتاني الأسبق محمد ولد الشيخ عبد الله، عبد الله مامادو با مثلًا أنّ وصول القائد السابق للقوات المسلحة ووزير الدفاع السابق إلى السلطة عبر عملية انتخابية لا يعدو كونه طريقة جديدة ابتكرتها المؤسسة العسكرية من أجل البقاء في السلطة، إذ إنّ الرئيس الجديد شارك في انقلابَين عسكريَين.

في المقابل، يشير العقيد الركن المتقاعد في الجيش الموريتاني البخاري محمد مؤمل إلى أنّ كل المراقبين السياسيين الداخليين والخارجيين "اعترفوا أنّه تناوب على السلطة جرى بصورة ديمقراطية"، مشيرًا إلى أنّ التشكيك غير مقبول، إذ لا يهمّ إن كان من جاء عسكريًا أم إمام مسجد أم غير ذلك.

من جهته، يعتبر الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح محمد جميل بن منصور أنّ وجود هذا العسكري منتخبًا يطرح سؤالًا، لأنّ من عادة الحياة السياسية الديمقراطية التي يتم تداول السلطة فيها أن يترشح المدنيون، "ولكن كانت هذه إشارة تحمل معنيين، أنّ الجيش ما زال هنا، وأنه بدل الانقلاب يستمرّ في السلطة عن طريق الانتخاب".

"فوضى الانقلابات" في موريتانيا

ولموريتانيا تاريخ طويل مع الانقلابات، إذ إنّ حرب الصحراء ضدّ جبهة البوليساريو التي أقحم الرئيس المختار ولد داداه جيشه فيها عام 1975 كان ثمنها غاليًا حيث قام المقدم محمد ولد السالك بعد ثلاث سنوات من إنهاك جيشه برفقة مجموعة من الضباط باختراق الدستور وتنفيذ أول انقلاب عسكري ضدّ الرئيس المدني للدخول إلى معتركات السياسة.

وبعد الانقلاب الذي قاده العقيد ولد السالك في سبعينيات القرن الماضي، بدأت ما يصحّ وصفها بـ"فوضى الانقلابات" بين الضباط والعسكريين، حيث باتت موريتانيا تشهد في كل عام انقلابًا عسكريًا تتبعه وعود بالخلاص وشعارات نادت بإنقاذ الديمقراطية.

ووصلت الصراعات بين الضباط في الجيش الموريتاني أوجها عام 1981 حيث أفشل الرئيس محمد خونه ولد هيداله محاولة انقلاب ضده نسبت للضباط القوميين، وعلى إثرها ملأ السجون بمعارضيه.

أطول فترة رئاسية بتاريخ موريتانيا

أما معاوية ولد الطايع الرئيس الذي أتى بشعار الخلاص الوطني في انقلابه عام 1984، والذي أعلن عفوًا شاملًا عن الموريتانيين المدانين لأسباب سياسية، فقد اشتهرت فترة حكمه التي أصبحت فيها المؤسسة العسكرية مصدر قوة سياسية، بتجاوزات بحق الزنوج طالت حقوق الإنسان.

وقد شهد عهد الرئيس معاوية ولد الطايع في تسعينيات القرن الماضي نظامًا ديمقراطيًا تعدديًا أجريت من خلاله 3 انتخابات سمحت لقائد الحزب الجمهوري الديمقراطي الحاكم بتولي أطول فترة رئاسية بتاريخ موريتانيا.

لكنّ ولد الطايع لم ينجح بالتصدي لانقلاب عام 2005 رغم إفشاله لعدد من محاولات الانقلابات، حيث وضع جنرال آخر في جيش الطايع حدًا لحكم دام 21 عامًا ليبدأ بعدها عهد جديد في موريتانيا قاده اعلي ولد محمد الفال تمهيدًا لديمقراطية لم يفرح بها الموريتانيون كثيرًا.

فقر وفساد متفشّ وغياب الديمقراطية

لم يكتفِ العسكريون في موريتانيا بالمجال السياسي، فأقحموا مؤسستهم في مجالات عديدة أبرزها الاقتصاد من خلال إنشاء مؤسسات تنافس المواطنين في قطاعات مختلفة.

وفي النتيجة، عانى الموريتانيون الفقر والفساد المتفشّي، وفي الوقت نفسه غياب الديمقراطية، في ظلّ تنامي نفوذ المؤسسة العسكرية وسيطرتها على مقاليد الحياة في البلاد.

إنها باختصار حكاية "حكم العسكر" في موريتانيا التي عرفت أكبر عدد من الانقلابات العسكرية ومحاولات الانقلاب الفاشلة، وشهدت تحول الجيش على مدار 42 عامًا إلى واجهة للحكم، وسط تساؤلات تبقى مفتوحة، حول ما إذا كان الجيش سيبقى ممسكًا بزمام السلطة أم أنه سيتخلى عنها لصالح الديمقراطية.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close