الأربعاء 27 مارس / مارس 2024

دبلوماسية الأوبئة وحرب اللقاحات.. كيف تعيد جائحة كورونا ترتيب العالم؟

دبلوماسية الأوبئة وحرب اللقاحات.. كيف تعيد جائحة كورونا ترتيب العالم؟

Changed

تعتمد دول العالم على عدد محدود من الدول الأخرى التي تُنتج اللقاحات الخاصّة بها
تعتمد دول العالم على عدد محدود من الدول الأخرى التي تُنتج اللقاحات الخاصّة بها (غيتي)
فاقمت كورونا الانقسام بين الشمال والجنوب، وزادت من الفجوة بين الدول التي تمتلك اللقاح أو تستطيع استيراده أو تصنيعه وبين الدول التي تنتظر دورها.

في الذكرى الأولى لإطلاق برنامج "كوفاكس" لمشاركة لقاحات كوفيد-19، في 23 أبريل/ نيسان، ندّد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس بغياب العدالة في توزيع اللقاحات، مع وجود 900 مليون جرعة لقاح حول العالم تلقت الدول منخفضة الدخل 0.3% منها فقط.

وبينما تسير الدول الغنية بثبات نحو مناعة القطيع، تنتظر غالبية الدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية وصول اللقاحات، مع تسجيل بلدانها حصيلة قياسية في عدد الوفيات والإصابات، في ظل أنظمة صحية مهترئة، ونقص في الإمدادات الطبية.

واعتبرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية أن جائحة كورونا فاقمت الانقسام العالمي بين الشمال والجنوب، إضافة إلى اتساع الفجوة بين الدول التي تمتلك اللقاح أو تستطيع استيراده أو تصنيعه، وبين الدول التي تنتظر دورها في الحصول على لقاحات مجانية من منصة "كوفاكس" العالمية.

وتعتمد دول العالم على عدد محدود من الدول الأخرى التي تُنتج اللقاحات الخاصّة بها. 

"هذا شبح يُهدّد بحدوث ترتيب جيوسياسي جديد، ترتيب تتحدد فيه العلاقات بين العملاء من خلال عدم التناسق بين العرض والطلب"، يقول سيمون فرانكل برات، المحاضر في كلية علم الاجتماع والسياسة والدراسات الدولية بجامعة بريستول، وجيمي ليفين، أستاذ مساعد للعلوم السياسية في جامعة سانت فرانسيس كزافييه في كندا، اللذَين كتبا التقرير في المجلة الأميركية.

وأشار الباحثان في تقريرهما إلى وجود مؤشرات قوية على أن من لا يملكون اللقاح "معرضون للإكراه والإغراء"، حيث بدأت روسيا والصين في توفير اللقاحات مقابل تنازلات مواتية في السياسة الخارجية، كما فعلت إسرائيل.

في غضون ذلك، تركّز الدول الغربية على برامج التطعيم المحلية الخاصة بها، رغم أن الولايات المتحدة أعلنت مؤخرًا نيتها تقديم اللقاحات مساعدة للبلدان المتضرّرة بالوباء، وخاصة الهند.

أما بالنسبة للدول غير المنتجة للقاح، فقد استطاعت بسهولة الحصول عليه، بفضل العرض والطلب. وذكر التقرير أن الاتحاد الأوروبي قدّم ملايين الجرعات بين دوله الأعضاء البالغ عددها 27 دولة.

أما إسرائيل، وبدلًا من الاعتماد على استخدام قاعدتها الصيدلانية الكبيرة، استوردت الملايين من جرعات "فايزر-بيونتيك"، ولقّحت مواطنيها بسرعة.

أما كندا، وعلى الرغم من عدم امتلاكها القدرة على الإنتاج المحلي، فهي تحتلّ الآن المرتبة الثالثة من حيث معدلات التطعيم ضمن أكبر 34 دولة، بعد المملكة المتحدة والولايات المتحدة، حيث استوردت عشرات الملايين من جرعاتها من أوروبا والولايات المتحدة.

"كوفاكس" والاحتكار

ومع ذلك، فإن "قصص النجاح" هذه تقتصر إلى حد كبير على العلاقات التجارية الموجودة مسبقًا والمكثفة بين الاقتصادات الصناعية الغنية والمتقدمة، إذ لا تزال معدلات التلقيح في معظم البلدان الأخرى منخفضة للغاية.

وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من وجود جرعات زائدة من "أسترازينيكا" في الولايات المتحدة، إلا أن توزيعها مرتبط بقيود الإمداد. فقوانين الملكية الفكرية وقيود البنية التحتية تعني احتكارًا شبه كامل لقدرات الإنتاج واقتصارها على عدد قليل من البلدان، وتسلسلًا هرميًا للمزايا والأفضليات التجارية، حيث تحظى مجموعة من البلدان غير المنتجة بالأولوية، بينما تُترك بلدان أخرى دون المستوى المطلوب.

وللتغلّب على هذه التحديات، أنشأت منظمة الصحة العالمية منصة "كوفاكس"، وهي مبادرة لتنسيق أبحاث اللقاحات وترخيص الإنتاج؛ من أجل ضمان التوزيع العادل والمنصف في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، فإن هذه الجهود قد فشلت حتى الآن وبقوة؛ إذ جرى توزيع عدد قليل من اللقاحات من خلال هذا الجهد التعاوني. وفي مواجهة النقص المحلي، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة قيودًا على صادرات اللقاح، ما حدّ من العرض.

دبلوماسية اللقاحات

لكن بينما لا تزال الولايات المتحدة وكندا وأوروبا تُركّز على حملات التطعيم المحلية الخاصة بها، فإن منتجي اللقاحات الآخرين على استعداد لاستغلال الطلب العالمي واستخدام إمداداتهم الخاصة "أداة دبلوماسية"، وفقًا للتقرير.

وانخرطت الصين وروسيا بنشاط في دبلوماسية اللقاحات، وربطتا صادرات اللقاح بتنازلات سياسية وعمليات إعادة تشكيل "جيوسياسية" مواتية.

وذكرت الصحيفة أنه "في فبراير/ شباط الماضي، توسّطت روسيا لإطلاق سراح مواطن إسرائيلي محتجز في سوريا، مقابل تمويل إسرائيل بلقاحات سبوتنيك-في لإرسالها إلى سوريا. وبالمثل، قدّمت روسيا اللقاحات إلى بلدان أوروبا الوسطى والشرقية، لتقريبها من موسكو".

من جهتها، أعلنت الصين أن لقاحات "سينوفاك" و"سينوفارم" التي تُنتجها هي ذات "منفعة عامة عالمية"، وبدأت في إرسالها إلى حوالي 100 دولة، وفي كثير من الحالات من دون تكلفة.

وتشير معلومات إلى أن الصين طالبت بتغيير موقف باراغواي في تايوان، ونجحت في الضغط على البرازيل لفتح سوق الجيل الخامس (5G) أمام هواوي، باعتباره شرطًا مسبقًا لتلقي شحنات اللقاح.

ورأى الباحثان في تقريرهما أنه "إذا كان الأمر مجرد اغتنام فرصة لمرة واحدة، فالصين وروسيا رابحتان، وكذلك الهند التي تواجه الموجة الثانية الشرسة من كورونا".

لكنّهما أضافا أنه "إذا لم تكن هناك حاجة إلى المعزّزات أو اللقاحات المنتظمة أكثر من مرة كل عدة سنوات، فمن غير المرجّح أن يشهد العالم عملية إعادة تشكيل جيوسياسي كبرى. ولكن إذا كانت هناك حاجة إلى حقنة سنوية ضد الفيروس - كما حذر علماء الأوبئة - فقد يؤدي ذلك إلى سيناريو مختلف".

وأوضح التقرير أن ملف الأمن القومي هو أحد منافع الهيمنة الرئيسية التي توفّرها الدول الكبرى، حيث تتجلّى التبعيات الجيوسياسية من خلال توفير الأدوات العسكرية وصفقات الأسلحة والقواعد والالتزامات الأمنية الجماعية، كما حدث في فترة الحرب الباردة، حيث تفوقت الولايات المتحدة على روسيا في جذب المزيد من عملاء الأسلحة.

توازن قوى عالمي مختلف

لكنّ الباحثان يؤكدان أن الأمر مختلف في سوق الأدوية العالمي؛ إذ بينما لا تزال الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا، فإنها تواجه منافسة شديدة من العديد من المنافسين المحتملين.

ففي أوروبا الغربية، تتمتع ألمانيا والمملكة المتحدة بنفوذ غير متناسب، كما هو الحال بالنسبة لروسيا في مناطق نفوذها السابقة، أوروبا الوسطى والشرقية. بينما تتمتع كل من الصين والهند بقدرة إنتاجية هائلة، والأهم من ذلك أنهما تسيطران على أسواق تصدير "أدوية الجنريك".

"إذا استمرّ الطلب على اللقاحات مرتفعًا على المدى الطويل، فإن المنافسة بين هذه الدول لتصبح المورِّد المهيمن في العالم ستؤدي إلى توازن قوى عالمي مختلف تمامًا عن اليوم"، يقول الباحثان.

وأشار التقرير إلى أن حكومات الدول المصنّعة لأكثر اللقاحات فاعلية في العالم اليوم: "فايزر"، و"موديرنا"، و"أسترازينيكا"، و"جونسون أند جونسون"، أحجمت عن توفير جرعات لكثير من الدول الأخرى على حساب حملات التلقيح المحلية، كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة اللتين لم تصدّرا أي شيء تقريبًا، ولم تبديا استعدادًا للتنازل عن براءات الاختراع.

وهذا ما فاقم من عدم المساواة في العلاقات التجارية غير العادلة بالفعل بين هذه البلدان وجنوب الكرة الأرضية.

آسيا وأكبر المستفيدين

أما في آسيا، كثّفت الدول من انتهاج "دبلوماسية الأوبئة". فحاولت الصين استغلال الوباء لعزل جزيرة تايوان، وتحرّكت تايوان لإحباط تلك المحاولات من خلال مبادراتها الدبلوماسية الخاصة بما في ذلك تعزيز نجاحاتها في مجال فيروس كورونا.

وذكر التقرير أن الهند تدخّلت لتقديم اللقاحات بناءً على طلب تايوان. وإذا أصبح توفير اللقاح "سلعة جيوسياسية" أساسية وطويلة الأجل، سيزداد نفوذ الهند، بحيث يظهر أن تايوان لديها رعاة أقوياء، والمنافسة الإقليمية المستمرة بين الصين والهند لن تمنعها من الحصول على لقاح.

وأشار التقرير إلى أن أكبر المستفيدين من توفير اللقاحات للدول قد يكون إسرائيل، حيث تستعد شركة Teva Pharmaceuticals، أكبر منتج منفرد لـ"الأدوية الجنريك" حول العالم، لبدء تصنيع جرعات مرخّصة من اللقاحات، وقد لا تكون الشركة المورد المهيمن للأسواق الغنية في أوروبا والولايات المتحدة، لكنها مصدر أساسي للأدوية بأسعار معقولة لمعظم دول الجنوب، الأمر الذي سيُعزّز النفوذ الجيوسياسي لإسرائيل التي عرضت جرعات من اللقاحات على هندوراس وجمهورية التشيك وغواتيمالا، مقابل نقل سفاراتها إلى القدس.

وخلص الباحثان إلى أن دول شمال الكرة الأرضية بدأت الخروج من الأزمة، بينما تواصل دول الجنوب محاربة وباء يزداد ضراوة. ومع ذلك، قد يكون الوباء مكلفًا جيوسياسيًا حتى بالنسبة لهذه البلدان الغنية، في ظل تحالف حلفاء سابقين مع خصوم حاليين.

المصادر:
فورين بوليسي

شارك القصة

تابع القراءة
Close