الجمعة 12 أبريل / أبريل 2024

قضية موثَّقة أغلِقت بلا محاسبة.. ضباط إسرائيليون يضربون أسرى فلسطينيين

قضية موثَّقة أغلِقت بلا محاسبة.. ضباط إسرائيليون يضربون أسرى فلسطينيين

Changed

وقع حادث العنف في 24 مارس 2019.
وقع الحادث الموثَّق بحق الأسرى الفلسطينيين في 24 مارس 2019 في سجون الاحتلال بحسب وسائل إعلام إسرائيلية (هآرتس)
وفقًا لمسؤول رفيع المستوى في مصلحة السجون الإسرائيلية، تّم تصوير ما لا يقلّ عن 10 ضباط وهم يضربون السجناء، لكن أربعة فقط تمّ استجوابهم قبل إغلاق التحقيق.

في أحد أعنف الأحداث التي وقعت في سجون الاحتلال، تمّ تصوير ما لا يقلّ عن 10 ضباط إسرائيليين وهم يضربون عددًا من الأسرى الفلسطينيين في قضية أغلِقت بلا موقوفين أو محاسبة، وفق ما نقلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.

ومع انتشار الفيديو الذي يوثّق الحادثة، تمّ استجواب أربعة ضباط فقط، من دون اعتقال أي منهم، بحسب الصحيفة التي نشرت تفاصيل الحادث الذي وقع في 24 مارس/ آذار 2019.

في تلك الليلة، كانت الأنوار مضاءة في الجناح 3 من سجن كتسيعوت. واحدًا تلو الآخر؛ ألقى جنود الاحتلال حوالي 55 أسيرًا فلسطينيًا مُكبّلًا على الأرض. وصوّرت الكاميرات الأمنية ضباط السجن، وهم يتجمّعون حولهم ويضربونهم بالهراوات، ويركلون السجناء وأيديهم مكبّلة خلف ظهورهم. أُمر السجناء بعدم الحركة أو الكلام لساعات.

في تلك الليلة، بلغت حدة التوتر ذروتها بين الحرّاس والسجناء الأمنيين على ضوء قرار السلطات بتثبيت نظام لمنع السجناء من إجراء مكالمات باستخدام الهواتف المحمولة المُهرّبة.

وبحسب "هآرتس" في وقت سابق من ذلك المساء، طعن ناشط من "حماس" في المنشأة ضابطين؛ ما أدى إلى إصابة أحدهما بجروح خطيرة. بعد نقلهم إلى المستشفى، واقتحم حراس آخرون الجناح.

ووفقًا لمسؤول رفيع المستوى في مصلحة السجون الإسرائيلية، تّم تصوير ما لا يقلّ عن 10 ضباط وهم يضربون السجناء، لكن أربعة فقط تمّ استجوابهم من قبل وحدة الشرطة الإسرائيلية قبل إغلاق التحقيق. ونُسب الحادث رسميًا إلى "مجرم مجهول".

وأظهرت لقطات كاميرات المراقبة عدة حرّاس، وهم يلكمون ويركلون ويضربون السجناء بالهراوات. وفي وقت لاحق تمّ تجميع السجناء معًا، وجرى تقييدهم وإلقاؤهم في الفناء بين الخيام التي يعيش فيها السجناء، وضربوهم بالهراوات.

في ذلك الوقت، قالت مصلحة السجون الإسرائيلية، في بيان لوسائل الإعلام: يتعيّن على الحرّاس إعادة النظام بعد اندلاع أعمال الشغب في أعقاب عمليات الطعن. لكن اللقطات الأمنية لم تظهر أي أعمال شغب، بل صوّرت العنف المروّع الذي ارتكبه الضباط. وتمّ نقل حوالي 15 سجينًا في ذلك المساء إلى مركز سوروكا الطبي في بئر السبع، بينهما اثنان في حالة خطيرة.

شهادات الضحايا

كان أمير سلوم (26 عامًا) من سكان حي شعفاط في القدس الشرقية، يقضي عقوبة بالسجن لمدة أربع سنوات "لارتكابه جرائم منها الحرق العمد، والاعتداء على ضابط شرطة، وحيازة الأسلحة"، بحسب "هآرتس". وقدّم سلوم شكوى في أحداث المساء.

يتذكّر سلوم أحداث تلك الليلة قائلًا: "قرّروا نقلنا من الجناح 4 إلى الجناح 3. فجأة، سمعنا شخصًا يصرخ: طعن، طعن. في غضون بضع دقائق جاء حراس من وحدة السجون الاسرائيلية "مسادا"،  وبدأوا بإطلاق الرصاص الفولاذي علينا. هربنا إلى الجانب الآخر من الجناح ".

لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد، بل دخل أعضاء وحدة الاستجابة السريعة "كيتر" إلى الجناح. قال سلوم: "قيّدونا من دون أي مقاومة من قلبنا. ثم بدأوا بضربنا بالهراوات. ألقوا بنا في وسط الجناح، وضربونا دون أن نكون قادرين على الدفاع عن أنفسنا".

وأضاف سلوم أن السجناء يعرفون هؤلاء الحراس: "كنا نراهم في الجناح كل يوم. وهذا لم يمنعهم من ضربنا بلا رحمة. كنا على يقين من أنهم سيقتلوننا. بدأنا بالصلاة. وبعدما رأى الدماء حولي، أمر أحد الضباط بنقلي إلى العيادة. لقد ضربوني في الطريق إلى العيادة أيضًا".

ووصف سجين آخر أُصيب في تلك الليلة، في شكواه العنف الوحشي العشوائي من قبل الحراس، قائلًا: إن أحد الحرّاس ضربوه سبع أو ثماني مرات بهراوة حديدية، بينما كان مقيدًا ويداه خلف ظهره.

وأوضح: "بقيت على هذه الحال لبضع ساعات. كسروا ستة من أسناني، وكان رأسي ينزف في أربعة أماكن من الضربات. قاموا بتقييدنا بشكل مزدوج بعد ثلاث ساعات، وبقينا على هذا الحال حتى الصباح. أخذوا أيضًا ملابسنا وفرش نومنا، ونمنا على هذا النحو لمدة ثلاثة أيام دون أي شيء، برؤوس منحنية. من رفع رأسه كان يتعرّض للضرب".

من جهته، قال علي دعنة، الذي يقضي حكمًا بالسجن 20 عامًا بتهمة "الشروع في القتل والاشتراك في القتل"، في شكواه: إن الحراس شنّوا حملة انتقامية ضدّه، مضيفًا: "لقد ضربني حراس مقنّعون بلا رحمة، وأنا مستلقٍ على الأرض دون سبب. كان انتقامًا. أخبرت أحدهم أنني أعاني من مرض مزمن لكنّه لم يكترث، واستمرّوا بضربي".

بدوره، وصف سجين آخر، أُصيب في ذلك المساء أيضًا، كيف تمّ تقييده في ذلك المساء حتى الساعة التاسعة صباحًا. وقال: "ظلّ أعضاء وحدة كيتر يركلوننا ويضربوننا، ويرتكبون إهانات عنصرية؛ حتى إن أحد الضباط قال لجنوده: قطّعوا وجوههم ".

كما قال سجين آخر: "ما مررنا به في تلك الليلة لا يوصف. صرخ أحد الضباط: أريد دمًا. بقينا طوال الليل، مبلّلين بالماء ومقيدين، لم يمنحونا الإذن لدخول الحمام. كل شيء موثق، وآمل ألا يصبح التعذيب روتينًا".

قدّم 13 سجينًا شكاوى في أحداث تلك الليلة، وطالبوا جميعًا بإجراء تحقيق عادل.

الضباط يراوغون

على الرغم من انتشار مقطع الفيديو، فشلت شرطة الاحتلال في التعرّف على جميع الضباط في الجناح في تلك الليلة. وأوضح محقّقو الشرطة أن الكاميرات لم تكن كافية للتعرّف عليهم. تمّ استجواب أربعة فقط لفترة وجيزة، للاشتباه بهم. بُذلت محاولات قليلة للتعرّف على الضباط الآخرين الذين كانوا موجودين في تلك الليلة. وعلى الرغم من أن السجناء أعلنوا أنهم يستطيعون التعرّف إلى الجناة، لكنّهم لم يعرضوهم أمامهم.

قال ألون بايش من وحدة "كيتر"، وهو أحد الضباط الذين تمّ استجوابهم: "تمّ استخدام القوة المعقولة لتقييد أيدي سجناء الجناح 3". ووفقًا لصحيفة "هآرتس"، "لم يُسأل عمّا حدث في باحة السجن، بل تركّز استجوابه على حادثة أخرى في تلك الليلة".

دعم قائد مجموعة "كيتر" في سجن كتسيعوت ألبرت غولدبرغ، شهادة ضباط السجن. وقال: "بعد عملية الطعن تمّ إجلاء معظم السجناء من الجناح 3، واندلعت أعمال شغب عامة بما في ذلك من كانوا خارج الجناح. تقرّر استدعاء الدعم لتهدئة الوضع.. على حد علمي كان هناك استخدام خاضع للرقابة للقوّة لإجراء المهمة ولم تكن هناك استثناءات".

وأشارت الصحيفة إلى أن "المحقّقين عرضوا اللقطات على غولدبرغ، لكنّهم طلبوا منه فقط تحديد أحد الضباط الذي شوهد يضرب سجينًا بهراوة. لم يعرف غولدبرغ اسمه، وبالتالي أُنهي استجوابه".

وأضافت الصحيفة أن استجواب الضابط هرتزل مارغولين، الذي تمّ تصويره وهو يضرب السجناء، كان قصيرًا بشكل خاص، حيث ادعى في البداية أنه لم يستطع التعرّف على نفسه في اللقطات". وقال للمحققين: "لا أستطيع أن أقول على وجه اليقين، ربما هذا أنا. عملت وفقًا للأوامر والقواعد. كانت هناك أوامر مختلفة كل حين، مرة لربطهم ومرة ​​لوضعهم على الأرض".

مضمون التحقيق

هذا مضمون التحقيق معه :

– المحقق: هل استخدام القوة معقول بالنسبة لك؟

مارغولين: في معظم الحالات، نعم، معقول.

– المحقق: متى لم تفعل كذلك؟

مارغولين: ربما صفعتهم هنا وهناك.

– المحقق: ما هو الصفع؟

مارغولين: ربما لكمتهم أكثر بعدما فعلوه.. هاجمنا هؤلاء السجناء، وحاول بعضهم طعننا.

– المحقق: يبدو السجناء مقيدين ومرميين على الأرض، وأنت تهاجمهم لعدة دقائق دون أي مقاومة. لماذا استخدمت القوة ضد هؤلاء السجناء؟

مارغولين: كانت هناك مقاومة في بعض الحالات. حاولنا تحييد الخطر. حتى لو استخدمت في بعض الحالات القوة غير المعقولة، لا يمكن الحكم عليّ بسبب الموقف، والعواطف، والفوضى. لقد أُصبت أنا أيضًا. ليس لدي أي شيء شخصي ضد أي شخص. لا أعرف أحدًا هناك".

إغلاق القضية

انتهى بذلك استجواب مارغولين. وأوصى ضابط التحقيق في وحدة التحقيق في السجون المفتش فاليري بلوبستين، المدعي العام بإغلاق القضية لأنه "كان من المستحيل التعرّف على السجناء في الفيديو.

ولم يقدّم المشتكون أسماء الضباط الذين اعتدوا عليهم باستثناء ذكر وحدات مثل كيتر و مسادا، وتمّ استجواب الضبّاط في القضايا. وفي ضوء ما سبق، فإن الجاني مجهول".

كما أوصى ضابط التحقيق يهودا أهروني بإغلاق الملف. وكتب: "تم استخدام القوة لضبط النفس ووقف أعمال الشغب في السجن. كان الضباط يرتدون ملابس واقية أثناء استخدام القوة، لذلك كان من المستحيل التعرّف على الضبّاط. في ضوء ذلك، أوصي بإغلاق القضية ونسبها إلى مجهول".

ووافق المدعي العام للمنطقة الجنوبية يوآف كيشون على توصية الشرطة وأغلق القضية. ولاحقًا، تمّت ترقية أفيخاي بن حمو، الذي كان قائدًا لسجن كتسيعوت وقت الحادثة، وعُيّن قائدًا للمنطقة الوسطى.

تبريرات الاحتلال

ورداً على إغلاق القضية، قدّم "مركز الدفاع عن الفرد" (هموكيد) استئنافًا إلى المدعي العام. وقالت محامية المركز نادية دقة: "حادثة كتسيعوت هي حالة عنف وحشي بالجملة ضد أشخاص مقيدين وعاجزين. إن محاولة جهات التحقيق التنصّل من المسؤولية، رغم تصوير الحادثة، هي وصمة عار على وحدة التحقيق مع ضباط السجون وهيئات التحقيق بشكل عام. عندما يكون هذا هو الواقع، فلا عجب أن يكون عنف قوات الأمن تجاه الفلسطينيين شائعًا جدًا عندما تكون هذه هي الطريقة التي يتعاملون بها مع الشكاوى".

وعلّقت شرطة الاحتلال على الأمر قائلة: "تمت معالجة التحقيق بعد الاشتباه في استخدام القوة بشكل غير معقول من قبل بعض الضباط تجاه أعمال شغب عنيفة حدثت داخل السجن، بعد طعن أحد الضباط وإصابته. وخلافًا لما يُزعم، فقد تمّ التحقيق بشكل دقيق ومهني، وجمع الأدلة من مكان الحادث، وتمّ استجواب عدد من الضباط تحت الإنذار. تمّ توفير جميع مواد التحقيق للنظر فيها من قبل المدعي العام، الذي قرّر إغلاق القضية".

المصادر:
هآرتس

شارك القصة

تابع القراءة
Close