الإثنين 25 مارس / مارس 2024

فضيحة "بيغاسوس" العالميّة وتكنولوجيا القمع.. إسرائيل في دائرة الاتهام

فضيحة "بيغاسوس" العالميّة وتكنولوجيا القمع.. إسرائيل في دائرة الاتهام

Changed

الجميع يتجسّس على الجميع، الحكومات على معارضيها، والحكومات على الحكومات، وكلّ هذا يثير توتّرًا سياسيًا يُستبعَد أن يبقى حبيس التنديد.

أثارت التقارير الصحافية التي كشفت استعمال عدد من الدول برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسس على الهواتف ردود فعل وتداعيات داخل الدول التي شاركت حكوماتها في استعماله لاستهداف ناشطين وصحافيين ومعارضين، في حين توسّعت التداعيات لتشمل العلاقات بين بعض الدول.

باختصار، تحوّل "بيغاسوس" (Pegasus)، الحصان المجنح في الأساطير الإغريقية، إلى عنوان فضيحة تجسّس عالمية بطلاها شركة إسرائيلية، فيما زبائن هذه الشركة حكومات تتجسّس.

الجميع يتجسّس على الجميع

ولا ينقص هذه الفضيحة حبكة درامية ربما ملحمية أيضًا، فأحد المتهمين بالتجسس هو بحدّ ذاته ضحية التجسّس، أي أنّ الجميع يتجسّس على الجميع، الحكومات على معارضيها، والحكومات على الحكومات، وكلّ هذا يثير توتّرًا سياسيًا يُستبعَد أن يبقى حبيس التنديد والاستنكار.

ويطرح هذا الأمر الإشكاليّ أسئلة بالجملة عن هذه البرامج التي يعدّها البعض نتاجًا لما يسمى بتكنولوجيا القمع، بينما يرى آخرون أنّ الخلل يكمن في إساءة استعمالها، فيما تُرسَم علامات استفهام حول التداعيات السياسية لهذا الكشف والدور الإسرائيلي في عمليات التجسس.

زبائن في عين العاصفة

في تفاصيل الفضيحة التي أثارت زوبعة عالميّة في اليومين الماضيين، فإنّ برنامج "بيغاسوس" (The Pegasus project) هو برنامج تجسس إسرائيلي على الهواتف وضع زبائنه في عين العاصفة، لكنّ هؤلاء الزبائن ليسوا أفرادًا عاديين بل حكومات تنفق ملايين الدولارات مقابل استخدامه لأغراض تجسسية.

وتدّعي مجموعة "إن إس أو" (NSO) الإسرائيلية المنتجة أنّها تطوّر أدوات تمكّن الحكومات من متابعة الشبكات الإجرامية فضلًا عمّن تصفهم بـ"الإرهابيين". غير أنّ الواقع يروي حكاية أخرى، إذ إنّ البرنامج تستخدمه حكومات لتعقّب هواتف مدافعين عن حقوق الإنسان وصحافيين ومديري شركات وسياسيين بحسب تحقيقات صحافية أجرتها وسائل إعلام مثل صحف واشنطن بوست والغارديان ولوموند.

وقد أظهرت تلك التحقيقات أن قائمة أرقام الهواتف المستهدَفة جُمعت في 10 دول من بينها البحرين والمغرب والسعودية والإمارات.

إسرائيل في دائرة الاتهام

وتكثر الشواهد على تداعيات هذه الفضيحة العالميّة، ففي المكسيك، استهدفت حملة التجسس هذه 25 صحافيًا على الأقلّ قُتِل أحدهم، فيما كان الرئيس المكسيكي الحالي أحد ضحايا البرنامج إبان ترؤسه المعارضة.

وفي الهند عطّلت أحزاب المعارضة عمل البرلمان بعد أن أفادت تلك التحقيقات الصحافية بأنّ الحكومة استخدمت "بيغاسوس" للتجسس على صحافيين وسياسيين أبرزهم زعيم المعارضة.

كما أنّ دائرة التجسس توسّعت عالميًا لتشمل ثلاثة رؤساء من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وُجّهت اتهامات إلى المغرب بالتجسّس على هاتفه، فيما نفت السلطات المغربية الأمر جملة وتفصيلًا.

وأما إسرائيل التي تمنح تصدير تراخيص هذا البرنامج التجسسي وتحتفظ بعلاقات متينة مع أنظمة قمعية كما يقول بعضهم، فهي الأخرى في دائرة الاتهام، لا سيما وأنّ القانون الإسرائيلي لا يجرّم صادرات مجموعة إن إس أو التجسسية.

بين التكنولوجيا ومن يسيطر عليها ويتحكّم بها

يميّز المحامي والخبير في حماية الخصوصية والأمن السيبراني مارك راش بين مسألتين وفق ما يقول، وهما التكنولوجيا بحدّ ذاتها، وطريقة تطبيقها.

ويلفت راش، في حديث إلى "العربي"، من ميريلاند، إلى أنّ هذه التكنولوجيا مصمَّمة لاختراق أجهزة هواتف بعينها والحصول على نوع من البيانات تشمل الموقع وسجل المكالمات وسجل الرسائل، "وبالتالي يصبح الهاتف جهازًا مخترقًا ويمكن للحكومة استخدامه لتعقب كل ما يمارسه الفرد".

ويشرح أنّ الحكومات في أرجاء العالم تودّ أن يكون بإمكانها التجسس أو التنصت على الجميع سواء كان ملك المغرب أو منظمة إرهابية أو جماعة إجرامية، لكن التكنولوجيا لا تميّز بين من يستخدمها.

وإذ يلفت إلى أنّ العديد من الحكومات تنظر إلى الصحافيين والمعارضين بوصفهم خصومًا وبالتالي تحاول استخدام هذه التكنولوجيات لتعقبهم، يخلص إلى أنّ المسألة لا تتعلق بالتكنولوجيا بل بمن يتحكم بها ويسيطر عليها.

الحكومات المستبدة مستعدّة للتعامل مع الشيطان

في المقابل، يرفض أستاذ العلاقات الدولية بجامعة قطر حسن البراري التمييز بين التكنولوجيا وطريقة الاستعمال.

ويوضح البراري، في حديث إلى "العربي"، من عمّان، أنّ تكنولوجيا القمع تمّ تصميمها من أجل اختراق خصوصية الأفراد والمؤسسات أيضًا، وبالتالي فإنّ الهدف الأساسي لهذه التكنولوجيا هو عملية التجسس على الناس ما يعني أن الهدف غير نبيل منذ البداية.

ويلفت البراري إلى أنّ إسرائيل هي التي تصدّر هذه التكنولوجيا وقد تعاونت في المنطقة العربية مع دول معروفة بأنظمتها القمعية المستبدة التي تلاحق الصحافيين في كل مكان وليس فقط داخل أراضيهم في محاولة للتضييق عليهم وابتزازهم وفضحهم أحيانًا إن لم يمتثلوا لما تريده السلطات.

وفيما يرى أنّ الحكومات المستبدة لا تستند إلى مبدأ الشفافية وهنا تكون الخسارة كبيرة جدًا للناس، يتحدّث عن مسؤولية "مشتركة"، ولو متفاوتة، عن هذه الفضيحة، فإسرائيل هي المسؤول الرقم واحد، وثانيًا الشركة وثالثًا الحكومات المستبدة المستعدة للتعامل مع الشيطان لتحقيق أهدافها.

مراسلون بلا حدود تراسل الحكومة الإسرائيلية

أما مسؤول المناصرة لشمالي إفريقيا في منظمة مراسلون بلا حدود سمير بوعزيز فيتحدّث عن تحميل المنظمة إسرائيل مسؤولية جوهريّة في الفضيحة، حتى لو كان دورها غير مباشر.

ويشير، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ المنظمة وجّهت مراسلة إلى الحكومة الإسرائيلية في هذا الصدد، لافتًا إلى أنّها ليست الأولى، إذ إنّه في شهر أبريل/نيسان راسلت مراسلون بلا حدود وعدد من منظمات حقوق الإنسان أيضًا الحكومة الإسرائيلية في علاقة بهذه التطبيقات ذاتها.

ويذكّر بأنّه في شهر ديسمبر/كانون الأول 2020 تقدمت باعتبارها شهودًا في القضية المرفوعة من فيسبوك ضد هذه الشركة. ويقول: "الأمر ربما أخذ صيتًا دوليًا الآن لكن بالنسبة إلينا منذ عقود نعمل على مسألة حماية الصحافيين ونعتبر أنّ هناك دولًا كثيرة وحتى دولًا تُعتبَر ديمقراطية تتجسس على الصحافيين".

وفيما يشدّد على أنّ "الأمر ما زال بالنسبة إلينا في إطار التحقيق"، يلفت إلى أنّ العمل سيكون على مستويات مختلفة، فهناك المستوى الاستقصائي وغيره، لكن هناك أيضًا رصد مواقف الحكومات والدول، التي لا تزال دبلوماسية إلى حدّ بعيد.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close