الثلاثاء 23 أبريل / أبريل 2024

الغموض سيد الموقف في تونس.. هل من خريف يُسقِط أوراق الديمقراطية؟

الغموض سيد الموقف في تونس.. هل من خريف يُسقِط أوراق الديمقراطية؟

Changed

يواصل قيس سعيّد إصدار الأوامر الرئاسية، فيما دستور تونس مكبَّل ومعه رئيس برلمانها ومحكمتها الدستورية، وهما المعنيّان بتمديد الإجراءات الاستثنائية.

لا يزال الغموض سيد الموقف في تونس، على وقع مضيّ الرئيس قيس سعيّد في إصدار المراسيم الرئاسية التي لا تنتهي.

وفي وقت لم تبرز حتى الآن خارطة طريق واضحة في الأفق، تتسابق عجلات قرارات سعيّد، بين إقالات واستقالات وحظر تجوّل وغير ذلك.

وتُطرَح إزاء ذلك تساؤلات بالجملة، فما الهدف من الإجراءات التي يتّخذها قيس سعيّد؟ هل هي فعلًا تستهدف الفساد والمتهمين به أم أن لها أهدافًا أخرى؟

وأبعد من ذلك، إلى أين يمكن أن يصل سعيّد بهذه الإجراءات؟ وهل في هذا انحراف عن الهدف الرئيس الذي حدّده وهو إنقاذ البلاد كما يقول؟

أما السؤال الجوهريّ الأكبر فيبقى، عمّا إذا كنّا أمام "خريف" يُسقِط أوراق الديمقراطية"، بعد ما اصطُلح على وصفه بـ"ربيع تونس".

لعلّ هذا بالتحديد ما يخشاه التونسيون، وهم يسعون لقراءة المشهد وانعكاساته على كافة المستويات.

أوامر تتوالى ودستور تونس "مكبَّل"

وريثما تتّضح الإجابات وخارطة الطريق، شيءٌ واحدٌ يبدو ثابتًا، وهو توالي الأوامر الرئاسية.

في آخرها، فرض قيس سعيّد حظر التجول في بلاده، من خلال منع كافة التظاهرات والتجمعات الخاصة والعامة وهو الذي قال لا مساس بالحريات.

بالتوازي، يشهد التونسيون على إقالة وزراء ومسؤولين، وإقامات جبرية وتحقيقات لأعضاء أحزاب وكتل واعتقالات لنواب برلمان، الذي أوصِدت أبوابه في وجه رئيسه راشد الغنوشي.

وفيما يعلّل سعيّد قراراته بأنّه "ليس ديكتاتورًا"، وإنما "هناك لصوص عبثوا بمقدرات الدولة" يريد محاسبتهم، يؤكد الغنوشي أن ما حدث انقلاب على الدستور.

من جهتها، تؤكد حركة النهضة أنّ إجراءات سعيّد لن تكون حلًا، بل عقدة أخرى في خطوط تونس المتشابكة، وتدعو الرئيس إلى تغليب المصلحة الوطنية والديمقراطية.

يحدث كلّ ذلك فيما دستور تونس مكبَّل ومعه رئيس برلمانها ومحكمتها الدستورية، وهما المعنيّان بتمديد الإجراءات الاستثنائية.

اقتناص للفرصة لتصفية الحسابات

يرى أستاذ الفلسفة السياسية في معهد الدوحة منير الكشو أنّ المشكلة الأساسية تبقى أنّه لم تكن هناك خطة واضحة من البداية، مشيرًا إلى أنّه "يبدو أن هناك ملاحقة للأحداث التي حصلت يوم 25 يوليو/تموز"، وليس العكس.

ويوضح الكشو، في حديث إلى "العربي"، من تونس، أنّ هناك محاولة للركوب على هذه الأحداث واقتناص هذه الفرصة لتصفية حسابات مع البرلمان ومع الطبقة السياسية ولا سيما مع الائتلاف الحاكم أو مع الأغلبية البرلمانية والحكومة.

ويذكّر بأنّ الرئيس قيس سعيّد عبّر مرّات عديدة عن غضبه وعدم رضاه على الحكومة وأدائها، كما عبّر عن سخطه وعن غضبه من الدستور ومن النظام السياسي ومن الصلاحيات التي يمنحها إياه وقال إنه لا يريد هذا الدستور وإنه يريد الرجوع إلى دستور 1959 الذي يؤسس لنظام رئاسي ويمنح صلاحيات واسعة ومطلقة لرئيس الجمهورية وهو النظام الذي قام عليه الاستبداد في تونس في لعهود السابقة.

وفيما ينفي علمه إن كانت التحركات التي وقعت يوم 25 يوليو عفويّة أم منظّمة، يلفت إلى أنّ المشكلة أنّه لغاية الآن ليس هناك صورة واضحة على كيفية الخروج من هذا الوضع الاستثنائي وإنهاء هذه التدابير الاستثنائية والعودة إلى الشرعية والالتزام بالدستور.

ويلفت إلى وجود مخاوف عديدة لدى الرأي العام التونسي، يشير إلى أنّ ما يزيد الغموض هو أنّ الرئيس ليس له حزب سياسي وليس هناك إمكانية لقراءة نواياه وما يعزم عليه.

سعيّد "أخطأ" بتسمية هشام المشيشي

في المقابل، يدافع النائب عن حركة الشعب علي عون عن قرارات رئيس الجمهورية، متحدّثًا عن حملة بدأت في تطبيق القانون على بعض المخالفين وبعض من تعلقت بهم قضايا أو شبهات فساد.

ويلفت عون، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ القضاء العسكري يقوم بتطبيق العديد من الأحكام القضائية الصادرة ضد من كانوا فارين ومارقين من القانون، على حدّ تعبيره.

أما بخصوص الرؤية المستقبلية، فيشير إلى أنّه بعد مرور فترة الشهر وتسمية رئيس الحكومة وأعضاء الحكومة سيتولى كل من جانبه بما يقتضيه الأمر ولا سيما في مواجهة جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية.

ويؤكد أنّ رئيس الجمهورية يطبّق أحكام الدستور بحذافيره، موضحًا أنّ الفصل 80 يقول إن رئيس الجمهورية يتوجه ببيان إلى الشعب التونسي يُعلِمه بما فعله، لكنّه لا يلزم رئيس الجمهورية بالإعلان عن كل خطوة يفكر بتطبيقها.

ويشدّد على أنّ تسمية رئيس الحكومة في الوضع الذي تشهده تونس الآن ليست بالأمر السهل لا سيما أن رئيس الجمهورية "أخطأ" في تسمية هشام المشيشي ولديه ربما إحساس بتحمل نسبة من المسؤولية عن ذلك.

ويشير إلى أنّ الرئيس قيس سعيّد يريد التوفيق بين رغبة الشباب الذي انتفض وبين الخيارات الموجودة والمطروحة حاليًا، معتبرًا أنّ ذلك ربما يدفعه إلى التريث. لكنه يعتبر أنّ المسألة ليست مرتبطة بأشخاص إنما بالصحوة التي يعيشها الشعب التونسي عمومًا خلال هذه الفترة.

مصطلحات سعيّد "اعتدنا عليها من الحكام السلطويين"

أما الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش للشرق الأوسط وشمال إفريقيا عمرو وجدي، فيرفض الحكم على نوايا الفاعلين السياسيين، مشيرًا إلى أنّ الحديث عن النوايا هو الدخول إلى دهاليز لا نهاية لها.

لكن وجدي يلفت، في حديث إلى "العربي"، من برلين، إلى أنّ الأقوال والأفعال واضحة، معتبرًا أنّ ما يثير القلق هو تركيز السلطات بشكل كبير للغاية بيد الرئيس قيس سعيّد وانقطاع الحياة النيابية بشكل ربما لا أفق له وغياب المحكمة الدستورية التي كان يمكن في مأزق كهذا أن تمارس دورًا رقابيًا مهمًا جدًا على قرارات الرئيس والفاعلين السياسيين.

ويلاحظ أنّ الرئيس قيس سعيّد أصدر تصريحات أفضل ما يمكن وصفها بأنها متضاربة إن لم يكن أسوأ من ذلك. ويقول: "في أكثر من مناسبة أكد أنه حريص على دولة القانون ولا يريد المسّ بالحريات لكنّه في الوقت نفسه يستخدم مصطلحات اعتدنا عليها من الحكام السلطويين في المنطقة مثل الإساءة لشخص الرئيس أو الإساءة لمؤسسات الدولة كشيء يرفضه وأيضًا التهديد باستخدام القوات المسلحة ضد المعارضة حتى وإن قال إنّه يهدد فقط باستخدامها ضد من يلجأ للعنف".

ويضيف: "حتى الآن لم نشهد في الشارع أحداثًا عنيفة ونتمنّى أن لا تتصاعد أي أعمال عنف من أي أطرف لكن التهديد باستخدام القوة المسلحة خطاب خطير".

ويلفت أيضًا إلى تعيين الرئيس قيس سعيّد لنفسه رئيسًا للنيابة العامة، بحسب ما قال في خطابه الأول، منبّهًا إلى أنّ هذا الأمر لا يساهم في استقلال القضاء التونسي الذي يحتاج إلى تعزيز استقلاليته بما يرقى إلى طموحات المواطنين ويساهم في مكافحة الفساد.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close