الخميس 18 أبريل / أبريل 2024

"استكمالًا للانقلاب".. إجراءات قيس سعيّد الجديدة "تعليق مقنّع للدستور"

"استكمالًا للانقلاب".. إجراءات قيس سعيّد الجديدة "تعليق مقنّع للدستور"

Changed

متظاهرون يرفضون "الانقلاب" في تونس بعد التدابير الاستثنائية للرئيس قيس سعيّد
متظاهرون يرفضون "الانقلاب" في تونس بعد التدابير الاستثنائية للرئيس قيس سعيّد (غيتي)
تهدف التدابير الجديدة التي أعلنها قيس سعيّد إلى ترجيح كفة النظام الرئاسي على النظام البرلماني الذي نص عليه دستور عام 2014 المطبق في البلاد.

عاد المشهد التونسي إلى صدارة الاهتمام، اليوم الأربعاء، مع إعلان الرئيس قيس سعيّد عن سلسلة تدابير تعزّز صلاحياته على حساب الحكومة وتتيح له إصدار التشريعات بمراسيم رئاسية.

وتهدف هذه التدابير إلى ترجيح كفة النظام الرئاسي على النظام البرلماني الذي نص عليه دستور 2014 المطبق في البلاد، بحسب ما فُسّرت في الأوساط السياسية والقانونية التونسية.

وفيما سارعت حركة "النهضة" إلى رفض هذه التدابير، بوصفها "إلغاء للدستور"، كما قال رئيسها راشد الغنوشي لوكالة "رويترز"، مؤكدًا أنّ الحركة سترفضها، اعتبر كثيرون أنّها تشكّل عمليًا "استكمالًا للانقلاب" الذي بدأ منذ شهرين، بصورة عملية.

ماذا في تفاصيل التدابير الجديدة؟

نشرت التدابير في الجريدة الرسمية الأربعاء بعد حوالى شهرين من إعلان سعيّد تجميد أعمال البرلمان واقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي وتولي السلطات في البلاد، فيما وصلت بـ"المحاولة الانقلابية".

كما صدرت الأربعاء في الجريدة الرسمية تدابير مؤقتة لتنظيم السلطتين التنفيذية والتشريعية تتألف من 23 فصلًا.

وجاء في الفصل الرابع أنه "يتم إصدار القوانين ذات الصبغة التشريعية في شكل مراسيم يختمها رئيس الجمهورية". ونص الفصل الثامن على أنّ الرئيس "يمارس السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة". 

وكانت السلطة التنفيذية أساسًا في يد الحكومة إلى حين اعلان الرئيس التونسي.

وفي السياق نفسه، نشرت الرئاسة التونسية بيانًا أوضحت فيه مواصلة تعليق جميع اختصاصات مجلس نواب الشعب، ومواصلة رفع الحصانة البرلمانية عن جميع أعضائه، ووضع حد لكافة المنح والامتيازات المسندة لرئيس مجلس نواب الشعب وأعضائه.

وأبقى سعيّد "العمل بتوطئة دستور 2014 وبالبابين الأول والثاني" وإلغاء الهيئة الموقتة لمراقبة دستورية القوانين.

بالاضافة إلى ذلك أعلن سعيّد بموجب الإجراءات الجديدة، تولّيه "إعداد مشاريع التعديلات المتعلقة بالإصلاحات السياسية بالاستعانة بلجنة يتم تنظيمها بأمر رئاسي".

الكلمة المفتاح في كلام سعيّد

ويختصر مراسل "العربي" في تونس خليل كلاعي الإجراءات الجديدة التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد، بأنّها بمثابة تعليق "مقنّع" للدستور.

ويشير إلى أنّ النخب السياسية في تونس أجمعت بعد كلمة الرئيس سعيّد قبل يومين على أنّه يعتزم تعليق العمل بالدستور، وهذا ما حصل.

وإذ يلفت إلى أنّ الرئيس تعهّد باحترام الدستور وقال إنّ حل الأزمة سيكون من داخل الدستور، يعتبر أنّ الكلمة المفتاح التي قالها "الأحكام الانتقالية" شرحت كل شيء.

ويوضح مراسل "العربي" أنّ هذه العبارة تعني الانتقال من وضعية دستورية معينة إلى وضعية أخرى، وبالتالي فقد فُسّر ذلك على أنه إلغاء للواقع السياسي والدستوري كما نعفه على الأقل منذ العام 2014 والتأسيس لواقع جديد.

والإثنين، أعلن سعيّد أنّه سيكلّف رئيس حكومة جديدًا لكنّه سيبقي الإجراءات الاستثنائية التي أقرّها منذ حوالى شهرين وجمّد بموجبها عمل السلطة التشريعية ومنح نفسه صلاحيات واسعة.

وقال سعيّد في خطاب ألقاه في محافظة سيدي بوزيد (وسط) مهد ثورة 2011: إنّ "هذه التدابير الاستثنائية ستتواصل وقد تمّ وضع أحكام انتقالية وسيتمّ تكليف رئيس حكومة ضمن أحكام انتقالية تستجيب لإرادتكم".

"من هو قيس سعيّد حتى ينقّح الدستور؟"

ويرى الباحث السياسي التونسي الأمين البوعزيزي أنّ الرئيس قيس سعيّد "يتطاول على الحياة الدستورية قطرة قطرة".

ويشير البوعزيزي، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ الرجل "يتحايل" في الإجراءات التي يتّخذه، فهو هدّد بتنقيح الدستور، وعطّل الهيئات الدستورية.

لكنّه يعتبر أنّه "لا يملك الجرأة للمساس بالدستور"، معربًا عن اعتقاده بأنّه "يتحايل لشد جمهوره أكثر ويجس نبض الداخل والخارج أكثر من أنه جدي في تنقيح الدستور".

ويسأل: "من هو حتى ينقّح الدستور؟"، مشدّدًا على أنّ "الدساتير تاريخيًا فرضتها الشعوب على الحكّام". ويضيف: "لا أعتقد أنّ أيًا كان في تونس سيقبل بأيّ مس بالدستور"، مردفًا: "هذه الضربة التي ستحيي الجسد المشلول".

ويرجّح أن يرفض المتردّدون وحتى الذين يحيطون بالرئيس قيس سعيّد أيّ مسّ بالدستور.

"تعليق رسمي للدستور"

من جهته، يعتبر الباحث السياسي التونسي زهير إسماعيل أنّ ما حصل اليوم هو بمثابة "تعليق  رسمي للدستور بعد أن كان التعليق العملي يوم 25 يوليو".

ويقول في حديث إلى "العربي"، من تونس: "بين التعليق الرسمي والتعليق العملي كانت مناورة الرئيس قيس سعيّد طول هذين الشهرين".

ويشير إلى أنّ السؤال الذي سيُطرَح، "هل كان هذا هروبًا إلى الأمام بعد المأزق الذي عاشه والعزلة التي شعر بها أم أن هذا الأمر هو مغامرة فردية له من داخل الدولة؟".

وإذ يرى أنّ الاحتمالَين واردان، يعرب عن اعتقاده بأنّ أهم الأحزاب السياسية، بما فيها تلك التي ساندته في مبدأ الانقلاب في البداية هي الآن تغيّر مواقفها وتعيد ترتيب موقعها".

ويتوقع مزيدًا مزيدًا من التوتر في تونس المنهكة بهذه الأزمة المالية الاقتصادية الصحية.

"الرئيس يستكمل انقلابه بالخداع"

أما الصحفي المختص بالشأن التونسي في "العربي" نور الدين عويديدي، فيلفت إلى أنّ ما حصل كان متوقعًا ولو أنّه فاجأ البعض، مشيرًا إلى أنّ "الانقلاب وصل إلى مأزق حقيقي".

ويشرح عويديدي، في حديث إلى "العربي"، من تونس، إلى أنّ هذا المأزق يتجلى في أنّه لا توجد حكومة في تونس منذ شهرين، في حين أن المشاكل تتراكم وتتكدس، ووسط ذلك، لا حوار ولا مؤسسات.

وإذ يخلص إلى أنّ الوضعية صعبة جدًا في تونس، يرى أنّ "الرئيس يستكمل بالخداع انقلابه". ويوضح أنّ الرئيس قيس سعيّد كان يؤكد أنه سيبقى داخل الدستور، لكنه اليوم أعلن بشكل واضح أنه خرج من الدستور.

ويشدّد على أنّ سعيّد "انقلب انقلابًا كاملًا، لكنه ربما يجد حرجًا شديدًا في الانقلاب بشكل واضح كونه أستاذ للقانون". ويشرح أنّ الدستور أساسًا وُضِع لتنظيم العلاقة بالسلطات وهذا الجانب الأساسي والمهم شطبه الرئيس اليوم.

ويستنتج أنّ الرئيس يستكمل الانقلاب بشكل واضح، فهو يمسك بكل دواليب السلطة، ولا يحاور أحدًا ولا يلتفت لأحد ولا يناقش أحدًا، بل يرفض أن يتكلم مع أحد، مشدّدًا على أنّه يخاطب فقط نفسه والمحيطين به والمقتنعين بفكرته.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close