الإثنين 15 أبريل / أبريل 2024

الاستقطاب في لبنان.. التجاذب بين نصر الله وجعجع يطغى على واقع الانهيار

الاستقطاب في لبنان.. التجاذب بين نصر الله وجعجع يطغى على واقع الانهيار

Changed

يستمرّ الاستقطاب السياسي في بلد تتعمّق فيه الأزمة الاقتصادية ليظهر "سحره" واضحًا في "هدوء" الاحتفال بمرور عامين على تحرك الشارع ضد الفساد.

بات مشهد إغلاق الشوارع في لبنان اعتياديًا، بل ربما طبيعيًا، بغياب الحلول لأزمة البلاد الاقتصادية، ومع الارتفاع "الجنوني" في أسعار الوقود، في بلاد فقدت عملتها نحو 90% من قيمتها خلال عامين، ويعاني كثيرون من الفقر.

لكن، وفي مفارقة لافتة، فإنّ صوت هذه الاحتجاجات لا يعلو على صوت السجالات السياسية، التي فاقمتها الاشتباكات الأخيرة التي شهدتها مستديرة الطيونة، وفتحت "جبهة جديدة" بين الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع.

وبعدما تحدّثت معلومات عن استدعاء القضاء اللبناني لجعجع للمثول أمام المحكمة العسكرية وتقديم إفادته في أحداث الطيونة، سارع رئيس حزب القوات ليبدي رفضه المسبق لذلك، مشترطًا استدعاء أمين عام حزب الله حسن نصر الله في الملف نفسه.

وفي وقت يستمرّ الاستقطاب السياسي في بلد تتعمّق فيه الأزمة الاقتصادية، تُطرَح العديد من علامات الاستفهام، فكيف سيؤثر التجاذب بين نصر الله وجعجع على قدرة البلاد في الخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة؟ وما هي الاحتمالات المفتوحة أمام مسار التحقيق في قضية انفجار مرفأ بيروت؟

"سحر" الاستقطاب السياسي في لبنان

إذا كان الموضوع المُعلَن للسجال السياسي المستجد بين حزب الله وحزب القوات اللبنانية هو خلاف بشأن مسار التحقيقات في مأساة انفجار المرفأ من العام الماضي، فإنّ الأكيد أنّه ليس السبب الوحيد للخلاف، بينما الانتخابات البرلمانية اقترب موعدها مطلع العام المقبل.

ولا يفتح الصراع السياسي بشأن مسار التحقيق طريقًا هيّنًا أمام كشف الحقيقة وراء انفجار المرفأ بل فرض جمودًا في السراي الحكومي، فجلسات الحكومة معلّقة، وهي التي طال انتظارها لعلّها تنقذ الاقتصاد المتهاوي.

وفيما لا يزال حزب الله يتمسّك بإقالة المحقق العدلي طارق البيطار لإعادة تفعيل عمل الحكومة، كان لافتًا "هدوء" احتفال الشارع الذي ثار على الفساد بذكرى مرور عامين على تحركه، ما يشي بسحر الاستقطاب السياسي في تغييب المسائل المعيشية أو على الأقل تأجيلها.

"خطوة أساسية قد تهدئ الشارع"

يعتبر الكاتب السياسي توفيق شومان أنّ مجرد طلب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية استدعاء جعجع إلى التحقيق، بمُعزل عن النتائج التي سيفضي إليها، هو خطوة أساسية كان يريدها حزب الله.

ويرى شومان، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أنّ هذه الخطوة من شأنها "تهدئة" الأمور بعض الشيء، علمًا أنّ طلب الاستماع إلى إفادة جعجع جاء بناء على اعترافات الموقوفين، وفقًا للتسريبات الصحافية.

وفيما يلفت إلى أنّ استدعاء جعجع يأتي في السياق المنطقي، لكونه نتج عن سقوط سبعة قتلها جلهم من بيئة حزب الله وحركة أمل، يعتبر أنّ الأمر مغاير على مستوى التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.

ويوضح أن حزب الله وحركة أمل يعترضان على مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وليس على التحقيق بحدّ ذاته. ويلفت إلى أنّ المشكلة بانفجار مرفأ بيروت أنّ القاضي فادي صوان والقاضي طارق بيطار تجاوزا سؤالين مهمين هما من أمر باحتجاز باخرة النترات ومن أفرغ الباخرة.

ويؤكد أنّ لأي طرف حق الاعتراض، طالما أنّ القضاء أفسح المجال لكف يد القاضي بسبب الارتياب المشروع أو غير ذلك. ويقول: "هناك موقوفون حقيقيون في قضية أحداث الطيونة ألقت القبض عليهم السلطات اللبنانية ويجري التحقيق معهم، وهذا لبّ الاختلاف".

"حملة شرسة" على حزب القوات

في المقابل، يرى الكاتب السياسي جورج عاقوري أنّه، مع الاحترام للقتلى الذين سقطوا في اشتباكات الطيونة، "فمن المعيب أن نعتمد منطق الستة وستة مكرر" في مقاربة الموضوع.

ويوضح عاقوري في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أنّ سقوط سبعة قتلى من هذه الجهة أو تلك لا يعني بأي منطق أنّ الطرف الآخر هو المسؤول، مضيفًا: "يجب أن نحترم القتلى وننتظر التحقيق لنعرف كيف سقطوا".

ويشدّد على أنّ هذا الأمر لا يعطي مبرّرًا لحزب الله ليقول إنّ المطلوب فقط الاستماع للقوات اللبنانية لأن القتلى من بيئته. ويعتبر أنّ ما حدث في الطيونة هو نتيجة تراكمية لمسار بدأ منذ أربعة أشهر حيث تدرج موقف حزب الله ضد القاضي البيطار، وصولاً إلى تهديده مباشرة من جانب أمينه العام حسن نصر الله.

وفيما يعتبر أنّ استباق التحقيق وتوجيه السهام إلى حزب القوات خلق الريبة، يتحدّث عن حوادث أخرى حصلت في الأسابيع المنصرمة كان فريق حزب الله يسعى إلى إلباسها للقوات اللبنانية.

ويعزو ما يصفها بـ"الحملة الشرسة على القوات" إلى أنّ حزب القوات هو الطرف السياسي الوازن الوحيد الذي يواجه مشروع حزب الله في لبنان وسعيه للقبض على جميع مفاصل الدولة، على حدّ قوله.

الاكتفاء بإفادة واحدة "يثير الريبة"

من جهته، يؤكد المحامي والخبير الدستوري سعيد مالك أنّ انطلاقة الأمور يجب أن تأتي من خلال التحقيقات التي تجريها الأجهزة الأمنية والأجهزة المولجة بالتحقيق بناء على إشارة وتكليف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.

ويجزم مالك، في حديث إلى "العربي"، من بيروت، أنّه من حق القضاء أن يستدعي من يشاء ومن يرغب، وهذا الأمر لا إشكال فيه، لكن شرط أن يستمع إلى جميع المشاركين، إن كان جعجع أو نصر الله أو أي من المسؤولين الآخرين، بمعنى أنّ الموضوع لا يجب أن يُحصَر ضمن قيادي واحد.

ويذكّر مالك بأنّ أحداث الطيونة شارك فيها أكثر من فريق وبالتالي يفترض بالقضاء أن يذهب باتجاه استدعاء الجميع دون استثناء وعدم إعطاء الأفضلية لفريق دون الآخر، معتبرًا أنّ الاكتفاء بسماع إفادة معينة دون باقي الإفادات يثير الريبة.

وفي سياق آخر، يلفت مالك إلى أنّ الملفات السياسية والقضائية وتحقيقات المرفأ والطيونة أثّرت بشكل سلبي على عمل الحكومة مما يفترض معه فصل الملف الحكومي والمعيشي والاجتماعي للمواطن اللبناني عن باقي الملفات.

وفيما يؤكد أنّ بدعة المراسيم الجوالة غير دستورية، يعتبر أنّ على الحكومة أن تجتمع لحل المسائل العالقة وإخراج لبنان من عنق الزجاجة. ويرى أنّ ما يجري على الأرض هو فقط من أجل الضغط على الحكومة من أجل مآرب وأهداف سياسية وقضائية لا أكثر ولا أقل.

ويخلص إلى أنّ المواطن اللبناني يئن من وجعه ولذلك الحكومة مدعوة للاجتماع والانعقاد مهما كانت الظروف وعدم الذهاب باتجاه الركود بانتظار الحل للملفات السياسية والقضائية.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close