الثلاثاء 16 أبريل / أبريل 2024

القصّة الكاملة لسقوط الديمقراطية في تونس.. دولة دون برلمان ومصير مجهول

القصّة الكاملة لسقوط الديمقراطية في تونس.. دولة دون برلمان ومصير مجهول

Changed

باتت تونس دولة من دون برلمان وديمقراطية تاهت في لعبة من التجاذبات السياسية بين رئيس يرى ضرورة تغيير كل النهج السابق وأحزاب لم ترفع بعد الراية البيضاء.

منذ اللحظة الأولى لقرارات الرئيس قيس سعيّد "الاستثنائية"، كان السؤال الأكبر في تونس حول كيف سيؤول الوضع السياسي في البلاد بعد الآن.

لعلّه سؤال في مكانه الطبيعي في ظلّ إجراءات استثنائية اعتبرها كثيرون انقلابًا على شرعية الدستور والدولة وانحرافًا عن مسار الديمقراطية التي طالما تغنّى بها التونسيون بعد انتصار ثورة الياسمين.

كان المشهد السياسي ينذر بأن تونس ماضية نحو مصير مجهول استحضر البعض فيه تجارب لدول عربية أخرى تعيش الأزمات الاقتصادية والسياسية نفسها.

باختصار، باتت تونس دولة من دون برلمان وديمقراطية تاهت في لعبة من التجاذبات السياسية بين رئيس يرى ضرورة تغيير كل النهج السابق دون الرجوع الى أحد وأحزاب لم ترفع بعد الراية البيضاء تسليما بقدر الرئيس قيس سعيد.

عن سقوط الديمقراطية في تونس، خصّص برنامج "عين المكان" عبر شاشة "العربي" حلقة هذا الأسبوع، منطلقًا من صدى قرارات الرئيس قيس سعيد الذي اتّسع سريعًا ليزيد من حدة الاحتقان السياسي في الشارع التونسي وسط خوف من دخول البلاد الى المجهول.

سياسيون تحت الإقامة الجبرية

نقلت الأحداث المتسارعة التي عاشتها البلاد بعد تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة المعركة السياسية إلى الشارع، وخصوصًا بعد منع رئيس مجلس النواب زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي من الدخول إلى مبنى البرلمان.

في صبيحة اليوم التالي لإعلان رئيس الجمهورية شهدت ساحة البرلمان مواجهات عنيفة بين مؤيدي ومعارضي إجراءات قيس سعيّد، كما شهدت عدة مقرات لحزب النهضة هجمات من محتجين تمكن بعضهم من اقتحامها وتكسير محتوياتها.

تواصلنا مع عضو البرلمان عن ائتلاف الكرامة يسري الدالي، والذي وضعته السلطات التونسية تحت الإقامة الجبرية ومنعته من مغادرة منزله دون إبداء أسباب واضحة لذلك.

يقول الدالي لـ"العربي" إنه كان يتوقع اعتقاله أو وضعه تحت الإقامة الجبرية، مضيفًا: "منذ اللحظة الأولى، بدأ تخويننا في ائتلاف الكرامة والتشجيع على الاعتداء علينا. ولذلك، بدأنا في أخذ الاحتياطات وفهمنا أن هذا الانقلاب في جزء كبير منه يهدف إلى القضاء على اتئلاف الكرامة".

لم يكن عضو البرلمان يسري الدالي الوحيد الذي فرضت عليه الإقامة الجبرية، حيث لاقى عدد من المسؤولين والبرلمانيين السابقين مصيرًا مشابهًا. وكان منهم رئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب والذي توجهنا لمقابلته لاستيضاح أسباب وضعه تحت الإقامة الجبرية.

يرى الطبيب أن استناد الرئيس قيس سعيّد في إجراءاته على الفصل 80 من الدستور التونسي فيه مخالفة واضحة لنص هذا القانون. ويقول لـ"العربي": أنا غادرت الهيئة منذ أكثر من سنة ولا أشكّل أيّ تهديد للأمن العام، كما أنّ السلطة السياسية التي اتخذت القرار الجائر بحقي لم تقدم أيّ مبرّر لذلك".

"الإنذار الأولي" في انتخابات 2019 الرئاسية

برأي كثيرين، بدأت القصة في انتخابات عام 2019 الرئاسية. يومها لم يستند قيس سعيّد إلى قاعدة حزبية، لكنه رغم ذلك، استطاع أن يهزم قادة الأحزاب المتحكمة بالمشهد السياسي في تونس.

حينها، رأى الكثيرون في ذلك إشارة واضحة لانعدام الثقة بين الشارع التونسي ونخبه الحزبية التي جاءت بعد الثورة.

من هذه الجزئية، ينطلق السياسي والأكاديمي طارق الكحلاوي، في حديثه إلى "العربي"، ليلفت إلى أنّ "ما حدث قبل 25 يوليو لا يمكن قراءته دون العودة على 2019 الذي كان إنذارًا أوليًا لأن أغلب الأصوات ذهبت إلى أطراف غير تقليدية يمكن وصفها حتى بالشعبوية، وهو ما عكس تبرّمًا من النخبة السياسية التقليدية".

وقد ألقى هذا الاستقطاب في المشهد السياسي التونسي حسب توصيف الكحلاوي، بظلاله على حركة النهضة المكون الأكبر للبرلمان التونسي، حيث شهدت موجة استقالات لعدد من القيادات والنواب الذين أصدروا بيانًا حملوا فيه قيادة الحزب مسؤولية تعطل الديمقراطية داخل الحركة وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار. 

"خطة" لإجهاض آخر تجربة ديمقراطية

ومن الإنذار إلى الإجراءات على الأرض، كانت "التدابير الاستثنائية" التي اتخذها قيس سعيّد وسيلة لبسط سيطرته على السلطة في تونس، وإزاحة خصومه السياسيين الذين اتهموه بالتنسيق مع دول خارجية مضادة لثورات الربيع العربي بهدف إجهاض آخر تجربة ديمقراطية في العالم العربي.

وفي سياق متصل، نشر موقع "ميدل إيست آي" في 23 مايو/ أيار 2021، وثيقة سرية تكشف خطة سابقة للرئيس التونسي للانقلاب على الحكومة والبرلمان في تونس.

وقد تضمنت الوثيقة المسربة من مكتب مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة عدة نقاط كانت أبرزها دعوة خصوم الرئيس إلى قصر قرطاج على غرار رئيس البرلمان راشد الغنوشي وإعلامهم بضرورة تفعيل الفصل 80 من الدستور دون شرط موافقتهم مع عدم السماح لهم بمغادرة القصر الرئاسي وجعل منطقة القصر مفصولة عن شبكة الاتصالات والإنترنت.

اعتداءات متزايدة على الصحافيين

لم يقتصر الأمر على السياسة، فقد فعلت إجراءات وتدابير سعيّد فعلها على مستوى الحقوق والحريات التي سُلِبت "بغمضة عين"، إن جاز التعبير.

لذلك، توجّه فريق "عين المكان" إلى نقابة الصحافيين التونسيين في محاولة لرصد تأثير الاجراءات التي فرضها الرئيس قيس سعيّد على واقع الحريات والصحافة في تونس.

ومن خلالهم حصلنا على تقرير نشر في شهر سبتمبر/ أيلول يظهر فيه ارتفاع نسق الاعتداءات على الصحافيين في تونس مقارنة بالأشهر السابقة مع دعوة لرئيس الجمهورية إلى مزيد من الانفتاح على المؤسسات الاعلامية.

ويؤكد السياسي والإعلامي رشيد خشانة لـ"العربي" أن الانتهاكات تكاثرت في الفترة الأخيرة واستهدفت فئات معينة ولا سيما الصحافيين، مضيفًا: "ربما هناك نية لمحاولة تدجين القطاع الإعلامي وجعله يساير الإرادة الرئاسية". ويشير إلى أنّ الرئيس "كان يتمنى أن تمرَّر جميع إجراءاته من دون ضجة إعلامية تشير إلى الانتهاكات وتندد بها وتعمل على منعها".

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة