الأحد 14 أبريل / أبريل 2024

قائد طالبان الأعلى ما زال متواريًا.. رحلة للبحث عن هبة الله أخوند زاده

قائد طالبان الأعلى ما زال متواريًا.. رحلة للبحث عن هبة الله أخوند زاده

Changed

الصورة المتداولة للقائد الأعلى لحركة طالبان هبة الله أخوند زادة (وسائل التواصل)
الصورة المتداولة للقائد الأعلى لحركة طالبان هبة الله أخوند زادة (وسائل التواصل)
نُشرت صورة واحدة فقط لهبة الله أخوند زاده عام 2016، ويعود تاريخها إلى حوالي 20 عامًا وفق طالبان، تظهره بلحية بدأ يغطيها الشيب وأنف عريض ونظرة قاتمة. 

يحكم أفغانستان منذ أكثر من ثلاثة أشهر رجل غير مرئي، إذ ما زال القائد الأعلى لطالبان الملا هبة الله أخوند زاده متواريًا في معقله جنوبي البلاد، ويوقّره أنصاره رغم أنه متحفّظ لدرجة أن بعض الخبراء يشكّون في أنه ما زال حيًا.

وكانت شائعات قد سرت في وقت مبكر من مساء 30 أكتوبر/ تشرين الأول في قندهار "عاصمة الظل" للنظام الجديد في جنوب أفغانستان، بأن "القائد الأعلى" سيلقي كلمة في مدرسة لتحفيظ القرآن بالمدينة، في أول ظهور علني رسمي له منذ تعيينه عام 2016.

وأكد في كابُل عناصر طالبان أخيرًا الخبر في الساعة 11:30 مساء، ونشروا تسجيلًا صوتًيا له مدته 10 دقائق و30 ثانية.

وبرز في التسجيل صوت رجل مسن وسط صدى التهاليل، قائلًا: "بارك الله في أهل أفغانستان الذين قاتلوا الكفار والطغيان طيلة عشرين عامًا".

"حي وبصحة جيدة"

لم يشهد على وجود "أمير المؤمنين"، الذي بايعه تنظيم القاعدة حتى ذلك الحين، سوى الرسائل المكتوبة النادرة المنسوبة إليه خلال الأعياد الإسلامية. 

وإلى أن استولت طالبان على السلطة في منتصف أغسطس/ آب الماضي، لم يعرف أحد من خارج دوائر الحركة المقرّبة مكان وجوده.

نُشرت صورة واحدة فقط له عام 2016، ويعود تاريخها إلى حوالي 20 عامًا وفق طالبان، تظهره بلحية بدأ يغطيها الشيب وأنف عريض ونظرة قاتمة. 

يبلغ أخوند زاده الآن بين 60 و70 عامًا، وفق شهادات متطابقة. ويؤكد المقربون منه أنه "حي وبصحة جيدة، وهو في قندهار التي يقود منها حركة طالبان".

في إحدى أفقر ضواحي قندهار، بين جبل من القمامة وممر ترابي، يقف عنصران من طالبان في حراسة أمام البوابة الزرقاء والبيضاء لمدرسة دار العلوم الحكيمية، حيث يتجمّع بعض الفضوليين من بعيد منذ زيارة زعيم الحركة في 30 أكتوبر.

في ذلك اليوم، رافق القائد الأعلى "ثلاثة حراس" و"كان هو نفسه مسلحًا"، حسب ما أفاد مدير الأمن في مركز الدراسات القرآنية معصوم شكر الله وكالة "فرانس برس". 

وأكد مدير المركز الذي يدرس فيه 600 فتى وشاب الملا سعيد أحمد أنه "اختار مدرسة في حي فقير"؛ مدّ طالبان على مدى 20 عامًا بعدد من المقاتلين الشباب الذين لقوا حتفهم "شهداء".

هل القائد الأعلى لطالبان هو الذي تحدث ذلك المساء؟ أجاب محمد (19 عامًا) لوكالة فرانس برس بعد شهر، قائلًا: "كنا جميعًا ننظر إليه ونبكي"، مضيفًا أنه كان متأثرًا في ذلك الوقت فلم "أطل النظر في وجهه".

أما محمد موسى (13 عامًا)، الذي كان وقت الخطاب على بعد "100 أو 200 مترًا" من القائد الأعلى، فأوضح للوكالة أن الأخير "يشبه تمامًا" الصورة المتداولة له منذ عام 2016.

قالوا جميعًا إنه كان يرتدي ثيابًا بيضاء ويضع عمامة سوداء، وبعضهم قال إنها بيضاء.

ولم يُنشر أي مقطع فيديو أو صورة للزيارة غير المسبوقة، التي صادرت قبلها طالبان الهواتف المحمولة لمئات الحاضرين.

"توفي منذ سنوات" 

يشدّد مدير المدرسة على أن هذا الظهور "أسكت الشائعات والدعاية عنه".

لكن الأمر سيتطلب المزيد لإقناع بعض المسؤولين التنفيذيين في النظام الأفغاني السابق، الذين يشتبهون في أن أخوند زاده مات منذ عام أو حتى عدّة سنوات.

ويرى هؤلاء في قصة المدرسة مسرحية تذكر بأخرى: وفاة المؤسس الأسطوري لحركة طالبان الملا عمر عام 2013. 

أخفت طالبان الأمر مدة عامين، قبل أن تؤكده عام 2015، بعدما كشفه أعداؤهم من أجهزة المخابرات التابعة للحكومة في ذلك الوقت.

وصرح مسؤول في إدارة الأمن الوطني لوكالة "فرانس برس": "لقد مات منذ فترة طويلة، ولم يكن له دور في السيطرة على كابُل"، مؤكدًا أن أخوند زاده قُتل في أغسطس 2019 في هجوم انتحاري بمدينة كويتا، التي تُعد معقلًا لحركة طالبان في باكستان. 

وقالت وكالة "فرانس برس" إن أجهزة استخبارات أجنبية تعتبر هذا السيناريو موثوقًا. 

وتنقل الوكالة عن مصدر أمني إقليمي إقراره بأن شائعات الوفاة "لم يتم تفنيدها أو تأكيدها"، وميله إلى تصديق رواية إدارة الأمن الوطني، معتبرًا أن الأمير غائب عن شؤون النظام الجديد.

ورفضت وزارة الدفاع ووكالة المخابرات المركزية الأميركية الرد على سؤال لوكالة "فرانس برس" حول هذا الموضوع.

"شاب لامع" 

في منطقة بانجواي القاحلة والشاسعة خارج قندهار، يعرف الجميع قرية أخوند زاده التي خرجت منها مجموعة علماء دين يحظون بالتقدير.

يمتطي مقاتلان إسلاميان دراجتيهما الناريتين ويتفقان على إرشاد "فرانس برس" عبر الكثبان الرملية إلى سبروان، مسقط رأس القائد الأبرز في طالبان.

وقال المقاتل الشاب من المنطقة نعمة الله، الذي تابع تعليمه في باكستان: "وقت الغزو السوفياتي (أواخر عام 1979)، اندلع القتال في القرية وغادر هبة الله إلى باكستان". 

ثم أصبح أخوند زاده عالما جليلًا وحصل على لقب "شيخ حديث"، وهو مخصّص لأبرز المتخصّصين في الأحاديث المنقولة عن النبي محمد. 

في مطلع التسعينيات، عندما برز التمرد الإسلامي من تحت أنقاض الاحتلال السوفياتي، عاد أخوند زاده إلى بلدته وهو في الثلاثينيات من عمره.

في مسجد سبروان حيث استقر "بين خمس وست سنوات" بحسب شهادات، "جاء العلماء من المدينة ومن باكستان لمقابلته واستشارته"، وفق عبد القيوم (65 عامًا).

وتشير مقتطفات من سيرته الذاتية الرسمية، إلى أن الشاب اللامع صار، عندما وصلت طالبان إلى السلطة لأول مرة عام 1996، ضليعًا في علوم الشريعة. كما صار عام 2001 رئيس المحكمة العسكرية في كابُل.

خلال الغزو الأميركي نهاية عام 2001، فر أخوند زاده إلى كويتا وأصبح مسؤول قضاء طالبان ومدرّسًا أشاد به الجيل الجديد من "المجاهدين".

"مركز ثقل" 

ولفت مسؤول في حركة طالبان يعيش في باكستان لـ "فرانس برس"، إلى أن أخوند زاده صار، منذ وفاة الملا عمر ثم الملا منصور خليفته عام 2016، "مركز ثقل حركة طالبان، وقد تمكن من صون الجماعة".

ويُقال إن الملا هبة الله لعب في السنوات الأخيرة دورًا دبلوماسيًا حاسمًا، كما دعا عام 2017 كل أفغاني إلى "زراعة الأشجار" من أجل "حماية البيئة والتنمية الاقتصادية".

وفق القيادي في طالبان المقيم في باكستان، والذي يقول إنه التقى أخوند زاده ثلاث مرات آخرها عام 2020، فإن القائد الأعلى الذي يقوم ببعض التمارين البدنية بين الصلاة وخطبه وجلسات الاستشارة الصباحية، معروف برفضه استخدام التكنولوجيا الحديثة ويفضل المكالمات الهاتفية أو "مراسلة" أعضاء حكومة طالبان الذين تربطه بهم علاقة أخوية وطيدة.

إلى ذلك، يتحدث أخوند زاده أربع لغات، وطوله 1,75 مترًا. يرتدي السلوار، وهو القميص التقليدي وصدرية، وغالبًا ما يضع شالًا. 

في الصيف الماضي، أفادت تقارير أنه أعطى الضوء الأخضر للهجوم الأخير وتابع العمليات من قندهار حيث كان متخفيًا منذ عدة أشهر، وفق ما أفاد المسؤول في طالبان.

وصار أي تعيين رسمي في الحكومة الجديدة يحمل توقيعه الآن.

يضحك المسؤول في طالبان قائلًا: "أترى، الرجل الذي لم يظهر في العلن أبدًا غزا دولة".

"عندما يكون ذلك ممكنًا"

تؤكد العديد من المصادر في طالبان أن تواريه عن الأنظار يعود في المقام الأول إلى الخوف من تصفيته. 

فرغم مغادرة الأميركيين أفغانستان في نهاية أغسطس، إلا أن طالبان ما زالت تخشى ضربات الطائرات المسيّرة وهجمات تنظيم الدولة المتزايدة. 

وتستغرب الباحثة كيت كلارك من شبكة المحللين الأفغان قلة ظهور أخوند زاده، وتقول: "حتى الملا عمر الذي لم يسمح بتصويره، أدلى بتصريحات ومقابلات عبر الإذاعة والتقى مسؤولين أجانب".

لكن على عكس الأعوام 2013-2015، عندما أقرّ العديد من عناصر طالبان سرًا أنهم لا يعرفون مكان الملا عمر، وإذا كان ما زال على قيد الحياة، يؤكدون جميعهم الآن أن هبة الله حيّ وبصحة جيدة.

ويعتبر المسؤول الأمني الإقليمي أنه إذا مات أمير طالبان فلا مصلحة للحركة الإسلامية في إعلان ذلك والمخاطرة ببدء حرب الخلافة "التي ستزيد من انقسام طالبان"، ويمكن أن "يستغلها تنظيم الدولة".

وإن كان الأمر كذلك، يرى المسؤول الأمني الأفغاني السابق أن طالبان لن تكشف عن وفاته "حتى تصبح الأمور أكثر استقرارًا" ويكون لديها "شكل من أشكال الاعتراف الدولي"، و"لا أحد يعرف متى سيحدث ذلك".

ويأتي رد طالبان الرسمي على سؤال "متى يظهر القائد الأعلى على مرأى من العالم؟"، ليشير إلى أن الأمر لن يكون بتلك السرعة. 

ويجيب نائب المتحدث باسم الحكومة أحمد الله وثيق وكالة "فرانس برس" بالتأكيد أنه "ليس من الضروري أن يظهر الشيخ صاحب (وهو لقب آخر لأخوند زاده)، لأنه حتى بهذه الطريقة (التواري) قادر على القيادة بطريقة منظمة وفعالة". 

وإن وعد بأنه سوف يظهر، يقول: "عندما يكون ذلك ممكنًا".

المصادر:
العربي - أ ف ب

شارك القصة

تابع القراءة
Close