وصف الرئيس الأميركي دونالد ترمب الغارات الجوية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية بأنها "نجاح عسكري باهر"، قائلًا إنها "دمّرت بالكامل" المواقع النووية الرئيسية في إيران.
وفي الجانب الإيراني، لم تدل طهران سوى بمعلومات ضئيلة عن طبيعة ردها المرتقب، مع تحذير وزير الخارجية عباس عراقجي من أن "الولايات المتحدة تجاوزت خطًا أحمر كبيرًا جدًا".
استهدفت الغارات الأميركية ثلاثة مواقع نووية رئيسية، بينها منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وهي موقع محصن تحت الأرض على عمق يقارب 90 مترًا.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أن الضربات الأميركية على هذه المواقع خلال الليل "دمرت" برنامج طهران النووي.
ومع غياب تأكيد رسمي لحجم الأضرار، سرت تكهنات بأن المواد النووية الحساسة نُقلت مسبقًا إلى مواقع أخرى.
قدرات إيران التقنية "غير قابلة للتدمير"
ونقلت وكالة "فرانس برس" عن الخبيرة النووية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية إيلواز فاييت إن صور الأقمار الاصطناعية التي تُظهر نشاطًا في محيط فوردو "تشير إلى احتمال نقل مخزون اليورانيوم المخصّب إلى مواقع غير خاضعة لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأضافت لفرانس برس: "كنا نملك معرفة، وإن غير كاملة، عن البرنامج النووي بفضل عمليات تفتيش (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)، أما الآن فلا عمليات تفتيش ممكنة".
ورأت أنه لا يمكن تدمير الخبرات التقنية الإيرانية، إذ إن آلاف الأشخاص شاركوا في برنامج إيران النووي.
عملية "عالية المخاطر"
من جهته، وصف الخبير في شؤون الشرق الأوسط أندرياس كريغ الضربة بأنها "عملية عالية المخاطر ذات نتائج غير متوقعة"، بالنظر إلى تحصين المنشآت المستهدفة.
وقال لفرانس برس: إن "ترمب استند إلى معلومات استخبارية مفتوحة المصدر ليؤكد تدمير فوردو، في حين يؤكد الإيرانيون أن الأضرار سطحية فقط".
أمّا مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز، فقال إن تدمير فوردو "لن ينهي بالضرورة البرنامج النووي الإيراني"، مشيرًا إلى أن طهران أنتجت "مئات أجهزة الطرد المركزي المتطورة خلال السنوات القليلة الماضية والتي تم تخزينها في أماكن غير معروفة".
احتمالات الرد الإيراني
وفي ما يخص الرد الإيراني، رأى كريغ أن إيران ستسعى إلى "ردّ مدروس – واسع النطاق بما يكفي ليُسمع، لكنه محسوب لتجنب التصعيد".
وأورد المحلل الأمني مايكل هورفيتز أن خيارات طهران قد تشمل استهداف أصول أميركية، أو إغلاق مضيق هرمز، الشريان الأساسي لتجارة النفط العالمية، أو حتى مهاجمة منشآت نفطية في الخليج الذي يستضيف قواعد عسكرية أميركية عدة.
ويرى هورفيتز أن "أيًّا من هذه الخيارات لا يحقق مكاسب فعلية"، معتبرًا عبر منصة إكس أن الرد الإيراني قد يكون "أقرب إلى حفظ ماء الوجه" وأن "المخاطر، من جهة أخرى، كبيرة".
كما تحدّث عن سيناريو أكثر ترجيحًا يتمثل في رد رمزي ضد الولايات المتحدة، يتبعه تصعيد ضد إسرائيل، قبل الدخول في مفاوضات لاحقًا.
وبالنسبة إلى ريناد منصور من مركز "تشاتام هاوس" للأبحاث، فإن إيران باتت تتعامل مع الوضع باعتباره تهديدًا وجوديًا، يحاكي ما عاشته خلال حربها مع العراق في ثمانينيات القرن الماضي.
وقال منصور لوكالة فرانس برس "إنها وضعية البقاء"، متوقعًا "مزيدًا من العنف" على المدى القصير، يعقبه "خفض تصعيد مدروس" ومفاوضات محتملة.
"نصر رمزي"
من جانبه، رجح الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية حميد رضا عزيزي أن تُفسح طهران المجال أمام "نصر رمزي" لترمب، عبر رد يطال أهدافًا إسرائيلية فقط.
وقال عبر منصة إكس إن ذلك "يُبقي واشنطن خارج الحرب مع تكثيف الضغوط على تل أبيب. بذلك، يبقى الخطر المتمثل في انخراط أكبر للولايات المتحدة مرتبطًا بالخطوة المقبلة التي سيتخذها ترمب".
وأضاف: "إذا واصل ترمب ضرب إيران بدون استفزاز جديد، فسيبدو ذلك كأنه يخوض حربًا بالوكالة عن إسرائيل، الأمر الذي سيكون مكلفًا سياسيًا نظرًا لمعارضة الرأي العام الأميركي لحرب مع إيران".
كما رأى أن إيران قد تنفي معرفتها بمصير اليورانيوم المخصّب لديها، فتتجنب تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع إمكان الانسحاب لاحقًا من معاهدة عدم الانتشار النووي.
وختم عزيزي: "قد يكون ترمب أحرز فوزًا تكتيكيًا، لكن إذا أحسنت طهران ممارسة اللعبة، فقد تُسلمه قنبلة سياسية وتنقل اللعبة النووية إلى مستوى أكثر غموضًا وخطورة".