السبت 22 مارس / مارس 2025
Close

شكري بلعيد.. اغتيال اليسار في تونس غداة ثورتها

شكري بلعيد.. اغتيال اليسار في تونس غداة ثورتها

شارك القصة

اغتيل شكري بلعيد في 6 فبراير 2013 بعد خروجه من منزله-غيتي
اغتيل شكري بلعيد في 6 فبراير 2013 بعد خروجه من منزله - غيتي
الخط
يعتبر شكري بلعيد من أبرز اليساريين التونسيين، عُرفت عنه معارضته للنظام التونسي في عهدي الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.

في صبيحة السادس من فبراير/ شباط 2013، يخرج المحامي التونسي شكري بلعيد من منزله في منطة المنزه السادس متوجهًا إلى مكان عمله. 

يكون سائقه في انتظاره، وما إن يدخل السيّارة حتى تُسمع أصوات دراجة نارية تقترب، ويترجل منها رجل سرعان ما يُطلق الرصاص على المحامي اليساري المعروف بمعارضته الشرسة لحركة النهضة التي شكّلت عام 2011 أول حكومة تونسية منتخبة (ائتلافية) منذ فرار الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

يفر الجاني مع شريك كان ينتظره على الدراجة النارية، تاركًا بلعيد مضرجًا بدمائه، وعند تفحّص الجثة تبيّن أنها أصيبت بأربع رصاصات: واحدة في الرأس، والثانية في الرقبة، والأخيرتان في الصدر، ما يعني أن منفّذ عملية الاغتيال على سوية عالية من الاحتراف.

تستيقظ تونس صبيحة ذلك اليوم على الفاجعة، اغتيال بلعيد في بلاد يعتبر الاغتيال السياسي فيها نادرًا رغم أنها عرفت في تاريخها استقطابات سياسية حادة وانقسامات وقمع بالغ الخشونة لكن ليس اغتيالات سياسية، باستثناء حادثتين كبيرتين: الأولى اغتيال الزعيم صالح بن يوسف أحد زعماء الاستقلال الذي اغتيل في فرانكفورت عام 1961، والثانية اغتيال فرحات حشاد مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اغتيل عام 1952.

بسمة الخلفاوي زوجة بلعيد ووالد بعد اغتياله عام 2013-غيتي
بسمة الخلفاوي زوجة بلعيد ووالد بعد اغتياله عام 2013-غيتي

من قتل شكري بلعيد؟

سرعان ما تُتهم حركة النهضة بالوقوف وراء العملية، خاصة أن بلعيد نفسه كان قد اتهمها قبل يوم واحد فقط من اغتياله بشرعنة الاغتيال السياسي، في مقابلة أجرتها معه قناة نسمة الخاصة.

والد بلعيد يتهم النهضة، زوجته تتهم النهضة، المسيرات الضخمة التي اجتاحت شارع بورقيبة تهتف "الشعب يريد إسقاط النظام"، في إشارة إلى النهضة. 

تنتشر المظاهرات كالنار في الهشيم في مدن تونسية أخرى، ويتم إحراق مقرات للنهضة في مدن المنستير وسوسة والكاف وقفصة، ولا أحد يريد أن يصغي لأصوات زعماء حركة النهضة التي تنفي أي صلة لها بالاغتيال، في وقت اتهم رئيسها راشد الغنوشي من وصفهم بفلول النظام بالضلوع في العملية.

يقطع الرئيس التونسي في حينه المنصف المرزوقي زيارته إلى باريس، وقبل أن يعود إلى بلاده يلقي كلمة مشحونة بالانفعالات الغاضبة أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ، معلنًا أن اغتيال بلعيد يهدف لإجهاض الثورة التونسية. 

الرئيس السابق المنصف المرزوقي يرثي بلعيد في البرلمان الاوروبي عام 2013-غيتي
الرئيس السابق المنصف المرزوقي يرثي بلعيد في البرلمان الاوروبي عام 2013-غيتي

إنه "اغتيال مشين لزعيم سياسي وصديق قديم، إنه تهديد، رسالة لكننا لن نتلقاها"، يقول المرزوقي الذي يأمر بعد عودته بتنكيس الأعلام حدادًا على بلعيد.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالنهضة التي وجدت نفسها في حالة دفاع عن النفس تعلن على لسان أحد زعمائها، حمادي الجبالي الذي كان يترأس الحكومة، براءتها تمامًا من الاتهامات التي تُكال لها، لكنّ أحدًا لا يريد أن يسمع، فيعلن الجبالي استقالته.

جنازة رؤساء دول

لا يهدأ الشارع التونسي، ففي 8 فبراير/ شباط، يندفع نحو 40 ألف مواطن للمشاركة في تشييع بلعيد، يُحمل جثمان بلعيد على عربة عسكرية، بمرافقة مروحيات تحلّق فوق المشيّعين، ويُدفن بلعيد في مقبرة الجلازيا، بالقرب من قبر الزعيم صالح بن يوسف بناء على تعليمات من الرئيس المرزوقي.

نحو 40 ألف تونسي شاركوا في جنازة بلعيد-غيتي
نحو 40 ألف تونسي شاركوا في جنازة بلعيد-غيتي

وفي تأبينه يلقي زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي كلمة أمام قبر بلعيد، يتعهد فيها بمواصلة "الطريق على درب النضال"، فدمك "لن يضيع سدى".

فمن هو شكري بلعيد الذي شيّع في جنازة لا تقام إلا للرؤساء، والذي أثار اغتياله ولا يزال كل هذا الجدل حول هوية تونس ومستقبل الحكم فيها؟

يعتبر شكري بلعيد من أبرز اليساريين التونسيين، عُرفت عنه معارضته للنظام التونسي في عهدي الرئيس المؤسس الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. شارك في ثورة عام 2011 التي أسقطت بن علي لكنه تحوّل إلى معارضة نتائج الثورة التي تمثلت بصعود حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي إلى الحكم. 

سيرة شكري بلعيد.. شاعر "على أبواب تونس السبعة"

•    ولد بلعيد عام 1964 في منطقة جبل جلود جنوبي العاصمة التونسية.

•    درس الحقوق في العراق، وفي جامعة باريس، وانخرط في العمل السياسي عندما كان طالبًا في الجامعة، وسجن بسبب معارضته لنظام بورقيبة كما تعرض للاعتقال أيضًا لمعارضته الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

•    بعد تخرجه من الجامعة، عمل في المحاماة وترافع في الكثير من القضايا السياسية في عهد بن علي، ونشط في الدفاع عن حقوق الإنسان.

•    قاد أولى المسيرات المندّدة بالحرب الأميركية على العراق.

•    دافع عن المحكومين في أحداث الحوض المنجمي في قفصة عام 2008، وعن مساجين تابعين للسلفية الجهادية. 

•    شارك في تأسيس حزب "حركة الوطنيين الديمقراطيين الموحد" الذي كان ينشط سرًا في عهد بن علي، ولم يحصل على الاعتراف الرسمي إلا بعد ثورة  يناير/ كانون الثاني 2011، وانتخب بلعيد أمينًا عامًا للحزب ماركسي التوجه عام 2012.

دافع بلعيد عن المحكومين في أحداث الحوض المنجمي عام 2008-غيتي
دافع بلعيد عن المحكومين في أحداث الحوض المنجمي عام 2008-غيتي

•    ترشح بلعيد لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر/ تشرين الأول 2011 على رأس قائمة مشتركة مع حزب الطليعة العربي الديمقراطي تحت اسم ائتلاف الكرامة، لكنه فشل في دخول المجلس إذ لم يحصل إلا على 0.63% من الأصوات.

•    انضم بلعيد بحزبه إلى ائتلاف "الجبهة الشعبية" التي تأسست في أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2012 من أجل تحقيق أهداف الثورة، وتضم الجبهة 13 حزبًا وعددًا كبيرًا من المستقلين، وكان بلعيد عضوًا في مجلس أمنائها.

•    اغتيل شكري بلعيد في 6 فبراير/ شباط 2013 أمام منزله بأربع رصاصات، في ولاية أريانة بالعاصمة التونسية.

في 8 فبراير/ شباط، يندفع نحو 40 ألف مواطن للمشاركة في تشييع بلعيد، يُحمل جثمان بلعيد على عربة عسكرية، بمرافقة مروحيات تحلّق فوق المشيّعين، ويُدفن بلعيد في مقبرة الجلازيا، بالقرب من قبر الزعيم صالح بن يوسف بناء على تعليمات من الرئيس المرزوقي.

شكري بلعيد كان متزوجًا من المحامية والناشطة التونسية بسمة الخلفاوي، ولهما ابنتان: نيروز وندى.

وله ديوان شعري أصدره الاتحاد العام التونسي للشغل، بعد عامين على الاغتيال (عام 2015)، بعنوان "أشعار نقشتها الريح على أبواب تونس السبعة"، وقد حقّقه وقدّم له الروائي التونسي المعروف شكري المبخوت. 

كما أن هناك ملتقى ثقافيًا سنويًا يحمل اسمه، انطلق في الذكرى الخامسة لاغتياله، عام 2018، بعنوان "ملتقى شكري بلعيد للفنون"، الذي اتّخذ صبغة دولية بدءًا من عام 2020.

مسار التحقيقات.. وطلب النهضة

في مسار التحقيقات، أعلنت رئاسة الحكومة التونسية في 24 يوليو/ تموز 2013 عن تمكن السلطات الأمنية من كشف المتورطين في اغتيال بلعيد، وأكدت في أغسطس/ آب 2013 أنها قبضت على أحد المتهمين في مدينة حمام سوسة، لكن المحاكمات والتحقيقات الخاصة باغتيال بلعيد تواصلت، في ظل أزمة ثقة بين الفرقاء التونسيين إزاء القضية.

وبعد أكثر من عشر سنوات على اغتياله، أعلنت محكمة تونسية في مارس/ آذار إدانة 23 شخصًا في اغتيال بلعيد، كما نصّت أحكامها بإعدام أربعة من المتورّطين في عملية الاغتيال، والمؤبد لاثنين، بالإضافة إلى السجن من سنتين إلى 120 سنة بحق متهمين آخرين. 

وبحسب وسائل إعلام تونسية فإن المحكومين بالإعدام هم، عزّ الدين عبد اللاوي، ومحمد أمين القاسمي ومحمد العكاري، ومحمد العوادي، بينما قضت الدائرة الجنائية بالسجن مدة 30 عامًا في حقّ المتهم أحمد المالكي المكنى بـ"الصومالي".

من جهتها، وصفت حركة النهضة قرار المحكمة بأنه دليل على براءتها من اغتيال بلعيد، وقالت الحركة "إن ما توصلت إليه الأجهزة الأمنية بكل تخصصاتها، وما انتهت إليه الدوائر القضائية من تفاصيل تعد بشكل يقيني أدلة براءة لحركة النهضة، وأدلة قطعية على الأجندة المشبوهة لما يسمى بهيئة الدفاع المتمثلة في استهداف طرف سياسي ظلمًا وعدوانًا وكذبًا وبهتانًا".

استقال حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية بعد اغتيال بلعيد-غيتي
استقال حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية بعد اغتيال بلعيد-غيتي

وجاء في بيان الحركة أن "أطرافًا معادية ومغرضة أصرت على تلبيس حركة النهضة مسؤولية هذا الاغتيال السياسي الأثيم، وتلويث مسارها وصورتها بلون الدم، واستغلال أي مناسبة لتكرار أسطوانة الاتهام بالباطل حتى يبقى الجرح نازفًا والوصم راسخًا، تغطية على العجز عن المواجهة الفكرية والمنافسة السياسية في إطار ديمقراطي وحضاري سليم".

ودعت النهضة في بيانها لفتح صفحة المصالحات الكبرى والإعراض عن الأصوات "التي تدعو للفتنة والإقصاء والكراهية"، وقالت إن صدور الأحكام في قضية الاغتيال "ينبغي أن ينهي المتاجرة بدم الشهيد بلعيد وأن يعيد الاعتبار لمن طالته الاتهامات السياسية الباطلة والقاتلة، وخاصة رئيس الحركة راشد الغنوشي".

تابع القراءة

المصادر

خاص موقع التلفزيون العربي
تغطية خاصة