الخميس 18 أبريل / أبريل 2024

"شهادة صادمة".. إدوارد سنودن عميل المخابرات الذي "فضح" أسرار الولايات المتحدة

"شهادة صادمة".. إدوارد سنودن عميل المخابرات الذي "فضح" أسرار الولايات المتحدة

Changed

بينما ترى الحكومة الأميركية في إدوارد سنودن "عدوًا" ينقسم حوله الأميركيون؛ فالبعض يعتبره خائنًا تجب معاقبته، فيما يراه آخرون بطلًا قوميًا انصاع لمبادئ الدستور.

في يونيو/ حزيران من عام 2013، كان العالم على موعد مع مفاجأة مدوية، إذ نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريرًا مسرَّبًا عن إدوارد سنودن، العميل والموظف التقنيّ لدى وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أيه)، يشتمل على مواد صُنّفت على أنّها سرية للغاية.

وتفضح هذه المواد في طيّاتها انحرافات وكالة المخابرات الأميركية، وما تمارسه في الخفاء وبشكل سرّي من مراقبة شاملة لجميع المحادثات الهاتفية والرسائل الإلكترونية للأفراد والحكومات والساسة في جميع أنحاء العالم، معتمدة في ذلك على نظام مراقبة جماعي غير مسبوق يمتلك قدرة هائلة على التجسس وانتهاك الخصوصية لأي شخص في أي مكان، دون أيّ اعتبار إن كان حليفًا أو عدوًّا محتمَلًا.

وفي حين وضع هذا الأمر الإدارة الأميركية في موقف حرج أمام الرأي العام الداخلي، وجرّ سيلًا من الانتقادات الدولية وخصوصًا من دول حليفة للولايات المتحدة، فإنّه أطلق إلى الواجهة اسم إدوارد جوزف سنودن، عميل المخابرات الأميركية الذي بات على قائمة المطلوبين لواشنطن بتهمة فضح أسرار الولايات المتحدة.

تفاصيل تنشَر للمرة الأولى عن التجسس الأميركي

إزاء تلك الفضيحة التي هزّت الإدارات الأميركية المتعاقبة، وجّه القضاء الأميركي في 21 يونيو/ حزيران لإدوارد سنودن، المتهم اللاجئ وقتها في هونغ كونغ تهمة التجسس وسرقة ممتلكات حكومية ونقل معلومات تتعلق بالدفاع الوطني دون إذن، والنقل المتعمّد لمعلومات استخباراتية خلافًا للقانون، ما اضطر سنودن لتقديم طلبات لجوء إلى أكثر من 20 دولة، لتنتهي به رحلة الهروب أخيرًا في العاصمة الروسية موسكو، العدو التقليدي للولايات المتحدة.

وبعد ستّ سنوات من الحروب الكلامية بين موسكو وواشنطن بشأن تسليم سنودن، تجدّد الجدل مرة أخرى مع صدور مذكراته في سبتمبر/ أيلول 2019، التي حملت عنوان "السجلّ الدائم"، وسرد فيها سنودن مساهمته في بناء نظام التجسّس الأميركي، والأسباب التي دفعته لاتخاذ القرار بفضح أسرار دولته أمام العالم.

وقد حملت مذكرات سنودن شهادة صادمة وتفاصيل تُنشَر للمرة الأولى لسياسات التجسس الأميركية، لا على مواطني الولايات المتحدة فحسب، بل على المواطنين في كل أنحاء العالم، وهو ما عدّه البعض أهمّ شهادة لعميل مخابرات أميركية على كواليس جهاز المخابرات الأشهر في العالم.

كيف التحق إدوارد سنودن بالجيش الأميركي؟

في تعريفه بنفسه، يقول سنودن: "كنت أعمل في الحكومة، لكنني الآن أعمل من أجل الجمهور. لقد استغرق الأمر ما يقرب من ثلاثة عقود لإدرك أنّ هناك فرقًا، وعندما فعلت ذلك، وقعت في بعض المشاكل. نتيجة لذلك، أقضي وقتي الآن في محاولة حماية الجمهور من الشخص الذي اعتدت أن أكونه، جاسوسًا لوكالة المخابرات المركزية. إنني الآن مجرد تقنيّ شاب آخر في الخارج يبني ما كنت متأكّدًا أنه سيكون عالمًا أفضل".

يروي سنودن في مذكّراته قصة التحاقه بالجيش الأميركي عام 2003، وخوضه برنامجًا تدريبيًا للالتحاق بالقوات الخاصة من أجل المشاركة في الحرب الأميركية على العراق، قائلًا إنّه شعر بمسؤوليته الإنسانية التي حتّمت عليه مساعدة تحرير الناس من العيش تحت الاضطهاد. لكنه يؤكد أنّ معظم المدرّبين في البرنامج كانوا متحمّسين لقتل العرب وليس لتحرير أيّ منهم.

ويقول إنه عندما بدأ العمل مع وكالة الاستخبارات المركزية للمرة الأولى، كانت معنويات أفراد طاقمها منخفضة جدًا، وتكاد تكون معدومة إثر فشل أجهزة الاستخبارات في مواقف عدّة مثل هجمات سبتمبر 2001، وهو ما حدا بالسلطات التنفيذية والكونغرس، بحسب قوله، إلى إعادة تنظيم شاملة للوكالة.

"لعبة الإيهام".. سرّ عمل وكالة الاستخبارات الأميركية

ولولوج مغارة الأسرار الخاصة بالوكالة الأميركية، يشرح سنودن الطريقة التي تتمكن بها الوكالة من فرض سيطرتها على موظفيها والأفراد الذين تتعاقد معهم، ما أسماه بـ"لعبة الإيهام"؛ إذ يقول إنه قبل بدء أي موظف أو فريق بمباشرة العمل، كان لا بدّ من خضوعه لمرحلة التلقين، التي يحاول من خلالها قادة الوكالة اللعب على نفسية المتعاقدين الجدد عبر إيهامهم بأنهم نخبة المجتمع الذين لا مثيل لهم، وحافظو أسراره الدفينة، وأنه قد تمّ اختيارهم لإبلاغهم بأسرار الدولة وحقائقها بصفتهم حماتها المرابطين على بوابتها المقدّسة.

ويكشف سنودن في مذكراته، أنّه أسهم مع فريقه في تطوير نظام تكنولوجي جديد هو الأول من نوعه، يسمح لأيّ وكيل في الاستخبارات الأميركية في أي مكان بالوصول إلى البيانات التي يحتاجها أينما وُجِدت، ما أفسح المجال لمهمّة جديدة تعنى بإيجاد طرق لتخزين البيانات إلى أجل غير مسمّى، ليُعاد توظيفها واستحضارها في كل مكان وزمان حسب مقتضيات الأمن القومي الأميركي.

يقول سنودن: إن كل ما سبق كان واضحًا بالنسبة له، وأنه شعر بالرضا عن إتمام واجباته مع وكالة الاستخبارات الأميركية حيث كانت المهام المنوطة به توكَل إليه على أجزاء، فلم يتمكّن معها من الإحاطة بالصورة الكلية الكبيرة للمشروع الأميركي، إلى أن حلّ عام 2009 وانتقل للعمل مع وكالة الأمن القومي الأميركية الموجودة في قاعدة عسكرية باليابان، ومنها إلى وظيفة مسؤول البرامج في مكتب الوكالة نفسها بجزيرة هاواي. وهناك واجه سنودن الحقيقة الأميركية المجرَّدة عارية من القيم الليبرالية التي قامت عليها بلاده.

"أكبر فضيحة أميركية في العصر الحديث"

بذهابه إلى هاواي، أدرك سنودن، وفق ما يؤكد في مذكّراته، المنطق القائم وراء مهمّته وهو إنشاء نظام عالمي للمراقبة الجماعية، أو ما يُعرف باسم مشروع "بريزم"، المشروع المثير للجدل، الذي اعتُبِر "أكبر فضيحة أميركية في العصر الحديث"، ويعتمد في طريقة عمله على تصميم برنامج يتمّ تحميله على أنظمة الشركات ليقدّم وصولًا مباشرًا إلى الخوادم المركزية لأبرز مواقع الإنترنت والاتصالات العالمية مثل غوغل وفيسبوك وأبل وسكايب وياهو وغيرها، وذلك من أجل استخراج المعلومات من العملاء دون الحاجة إلى أمر قضائي.  

ويؤكد سنودن أنّه خاض رحلة محفوفة بالخطر وطريقًا شاقّة لتسريب المعلومات الحسّاسة، فيقول إنه كان عليه أولاً أن يقوم بتخزين البيانات الهائلة التي حصل عليها من وكالة الأمن القومي، ونظرًا لحجم الوثائق والمعلومات بالغة الضخامة، تجاوز فكرة استخدام مفاتيح التخزين العادية واستبدلها ببطاقات تخزينية كالتي يتم استخدامها في الكاميرات الرقمية، لا سيما وأنّ أجهزة الكشف عن المعادن لا تكتشفها بسهولة.

أبعد من "جنون العظمة".. سنودن بطل أم خائن؟

انتقل بعد ذلك ليصل حالة جنون العظمة الممزوج بالقلق التي شعر بها وهو يخوض هذه المغامرة المحفوفة بالمخاطر، حيث تمكّن من جمع مئات الآلاف من الوثائق الأميركية عالية السرية والتي تدين سلوك الولايات المتحدة وأجهزة استخباراتها بالتجسس على الناس بمن فيهم قادة الدول.

وبدأ سنودن بتسريب تلك الوثائق لكبريات الصحف العالمية، وهو الأمر الذي مثّل أزمة دولية كبرى للبيت الأبيض الذي بدأ بإنكار تهمة التجسس على مواطني الدول الحليفة للولايات المتحدة، وهو ما حدث مع ألمانيا وفرنسا والبرازيل وغيرهم.

ولا يزال سنودن اليوم حرًا طليقًا في روسيا التي منحته حق اللجوء. وبينما تراه الحكومة الأميركية عدوًا وخائنًا، ينقسم حوله الأميركيون؛ فالبعض يعتبره خائنًا تجب معاقبته، فيما يراه آخرون بطلًا قوميًا انصاع لمبادئ الدستور الأميركي ورفض استكمال السياسة الأميركية في المراقبة الشاملة.

المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close