Skip to main content

صاحب "العرّاب".. كوبولا "إذ يفوز" بجائزة أسوأ مخرج عن ميغالوبوليس

الثلاثاء 18 مارس 2025
كوبولا يفوز بجائزة راتزي لأسوأ مخرج بعد مسيرة سينمائية حافلة بالانجازات -غيتي

يعتبر فرانسيس فورد كوبولا أحد أساطير السينما الأميركية، وأبرز ممثلي ما تسمى موجة "هوليوود الجديدة" التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، وشكّلت قطيعة ثورية مع السينما الكلاسيكية، وتضم بالإضافة إليه جورج لوكاس وبراين دي بالما وستيفن سبيلبرغ ومارتن سكورسيزي وآخرين.

ورغم قصر الفترة التي استغرقتها الموجة إلا أنها تعتبر واحدة من أهم المراحل الفنية في تاريخ السينما الأميركية، وتميّزت أفلامها بالاعتناء بجماليات الفيلم، وكسر السرد التقليدي للأحداث، وتقديم شخصيات تنطوي على تناقضات داخلية وصراعات تتواءم مع الأحداث وتسمها بطابعها الخاص. 

وكانت أفلام مثل "الخرّيج" وهو من بطولة داستين هوفمان، و"بوني وكلايد" من بطولة وارن بيتي وفاي دوناوي وجين هاكمان، و"إيزي رايدر" من بطولة جاك نيكلسون في طليعة تلك الأفلام التي تم إنتاجها خارج الاستوديوهات الكبرى آنذاك. 

سرعان ما تحوّل رموز "هوليوود الجديدة" إلى التيار السائد في السينما الأميركية لنحو أربعة عقود، أنتجوا خلالها ما توصف بالحساسية الفنية الجديدة، من خلال أفلام أصبحت جزءًا من كلاسيكيات السينما.

أخرج كوبولا فيلم العراب عام 1972 الذي حقق اعلى الايرادات آنذاك-غيتي

ومن هؤلاء كان كوبولا الذي شهد مطلع سبعينات القرن الماضي اندفاعته الأكبر التي صنعت مجده، بإخراجه فيلم "العرّاب" الذي اعتبره المخرج الأميركي الكبير ستانلي كوبريك "أعظم فيلم صُنع على الإطلاق".

كما صُنّف الفيلم في المركز الثاني كأعظم فيلم في السينما الأميركية بعد "المواطن كين" من معهد الفيلم الأميركي.

كوبولا يفوز بجائزة أسوأ مخرج

حاز كوبولا على خمس جوائز أوسكار خلال مسيرته السينمائية التي بدأها في مطلع ستينات القرن الماضي، وكانت المفاجأة الصادمة لمعجبيه ونقّاد السينما في العالم أن يُمنح في مطلع مارس/ آذار الحالي "جائزة راتزي" لأسوأ مخرج لهذا العام، وهي جائزة ساخرة أُسست عام 1981 وتُمنح سنويًا قبل ساعات من حفلة توزيع جوائز الأوسكار.

كوبولا مع أبطال فيلمه ميغالوبوليس في مهرجان كان العام الماضي-غيتي

أما المفاجأة الثانية فكانت أن كوبولا أعلن عن سروره بالجائزة التي مُنحت له عن فيلمه الأخير "ميغالوبوليس".

وأعرب مخرج "العرّاب" و"القيامة الآن" عن سروره بقبول الجائزة، وفي الوقت نفسه أسفه لأن الفن أصبح "يُقيّم كما لو كان مصارعة محترفة"، منتقدًا تردّد هوليوود، "وهي صناعة تخشى المخاطرة إلى الحد الذي قد يجعلها، على الرغم من الخزان الهائل من المواهب الشابة المتاحة تحت تصرفها، غير قادرة على صنع صور مثيرة للاهتمام وحيوية بعد خمسين عامًا".

واجه "ميغالوبوليس" إخفاقًا ذريعًا في شبّاك التذاكر، وتسبّب بخسارة جديدة للمخرج الذي تراوحت مسيرته السينمائية ما بين الشيء ونقيضه (الإفلاس وحصد الجوائز في مهرجانات السينما)، فقد اُضطر لتمويل إنتاج فيلمه الأخير بنفسه، من خلال بيع بعض حقول العنب التي يملكها في كاليفورنيا لإخراج الفيلم الذي بلغت تكلفته 120 مليون دولار. 

آسر بجنون أم كارثة؟

والأمر نفسه (المراوحة بين الشيء ونقيضه) تمثّل في استقبال الفيلم، فبينما وصفته صحيفة "ذي نيويوركر" بأنه "آسر بجنون"، اعتبرته صحيفة لوموند "مقلقًا للغاية"، بينما وصفته مجلة "تيليراما" بأنه "كارثة".

بعض النقاد اعتبر فيلم كوبولا الأخير كارثة وآخرون اعتبروه آسراً بجنون -غيتي

وكان الفيلم من بين 22 فيلمًا تنافست على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان العام الماضي، لكن الجائزة ذهبت إلى فيلم "أنورا" للمخرج شون بيكر، علمًا أن كوبولا سبق له الفوز مرتين بالسعفة الذهبية: عام 1974 عن فيلم "محادثة"، وعام 1979 عن "القيامة الآن". 

وكانت فكرة فيلم "ميغالوبوليس" تراود المخرج الكبير منذ أكثر من أربعين عامًا، وصرف النظر عن تنفيذها بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، قبل أن يعاود العمل عليها لإهداء الفيلم إلى زوجته "إليانور" التي توفيت العام الماضي بعد زواجهما قبل 60 عامًا. 

وتدور أحداثه في "نيو روما"، وهي نسخة موازية لنيويورك الحديثة، حيث يخوض رئيس البلدية المسنّ معركة مع رئيس لجنة تخطيط المدينة، وهو مهندس معماري حائز على جائزة نوبل، عازم على استخدام قواه السحرية لينقل المدينة من واقعها العمراني المتهالك إلى منطقة جديدة ومثالية للعيش.

وقال كوبولا عام 2019 خلال مهرجان "لوميير" الذي كُرِّم فيه إنه فيلم عن مهندس معماري يحاول بناء رؤية طوباوية لنيويورك التي دمرتها كارثة طبيعية، وهو عن "النزاع" بين هذه الرؤية و"تقاليد الماضي". 

جوائز الراتزي لأسوأ الإنتاجات

تأسست جوائز "الراتزي"، أو "التوتة الذهبية" عام 1981، وهي النسخة الهزلية من جوائز الأوسكار، وتمنح قبل يوم واحد من توزيع جوائز أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة لأسوأ ممثل وممثلة وأسوأ مخرج وسيناريو وثنائي.

والجائزة عبارة عن توتة مطلية باللون الذهبي قيمتها تقل عن خمسة دولارات، وتمنح بناء على اختيار أكثر من ألف عضو في لجنة تصويت من أكثر من 26 دولة.

أسس الجائزة عام 1981 الصحافي الأميركي والعامل في صناعة الإعلانات الترويجية للأفلام جون ويلسون، أثناء حفلة أقامها في بيته في لوس أنجلوس، في ليلة حفل توزيع جوائز الأوسكار الثالث والخمسين.

وزّع ويلسون على ضيوفه آنذاك بطاقات تصويت حول أسوأ الأفلام، ودعاهم إلى تقديم اقتراحاتهم، وبعد ذلك وقف ويلسون خلف منصة مصنوعة من الكرتون، وفي يده ميكروفون مزيف مكوّن من كرة إسفنجية مثبتة على عصا مكنسة، وأعلن عن فوز فيلم "لا يمكن إيقاف الموسيقى" كأول فيلم يحصل على جائزة التوتة الذهبية عن فئة أسوأ فيلم.

ومُنحت الجائزة للعشرات من نجوم هوليوود ومخرجيها، وأصبحت تحظى باهتمام استثنائي لتسليطها الضوء على صناعة السينما، بعيدًا عن قوة شركات التسويق أو نجومية الممثلين وشهرتهم ونفوذهم، كما أصبحت جزءًا من جوائز السينما التي ينتظرها متابعوها، ويخشاها نجومها وكبار صانعيها.

كوبولا وسحر آيزنشتاين 

ولد كوبولا عام 1939 في مدينة ديترويت في ولاية ميشيغان لعائلة منشغلة بالفنون، فوالده كان مؤلفًا موسيقيًا، وأمه ممثلة، وجدّه أحد مخترعي آلة "فيتافون" للسينما الناطقة.

نشأ كوبولا الذي تعود أصول عائلته إلى جزيرة صقلية الإيطالية، في منطقة كوينز في نيويورك. وفي سن العاشرة، أُصيب بشلل الأطفال ما أبقاه طريح الفراش فترة طويلة، وفي تلك الفترة اكتشف حبه للسينما من خلال جهاز صغير بدائي لعرض وتعديل الأفلام.  

كوبولا بين وينونا رايدر وغاري أولدمان بطلي فيلمه دراكولا برام ستوكر-غيتي

التحق كوبولا بجامعة هوفسترا لدراسة الدراما وحصل على البكالوريوس، بعد ذلك حصل على الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة كاليفورنيا عام 1968.

وقرر كوبولا خوض غمار السينما بعد مشاهدة فيلم المخرج السوفياتي سيرغي آيزنشتاين بعنوان "أكتوبر" من إنتاج 1927، وقال كوبولا لجمهور فعاليات مهرجان "لوميير" في ليون (فرنسا) عام 2019 "كنت مهتمًا بالعلوم، لكن بعد إخفاقي في هذا المجال، انتقلت إلى دراسة المسرح نظرًا لكثرة الفتيات في هذا الميدان".

و"في أحد الأيام، ذهبت لحضور عرض سينمائي عند الرابعة من بعد الظهر ولم يكن هناك أحد، وكان يعرض وقتها "أكتوبر"، فعقدت العزم على صنع أفلام مثل آيزنشتاين والتحقت بقسم السينما في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس".

العرّاب والقيامة الآن

كان آخر فيلم أخرجه كوبولا قبل "ميغالوبوليس" هو "تويكست" عام 2011، بينما كان أول أفلامه فيلم "ديمانتيا 13" عام 1963.

ومن أفلامه أيضًا "أنت الآن صبي كبير" عام 1966، و"قوس قزح فينيان"- 1968، وأناس المطر- 1969، و"العراب" – 1972، و"المحادثة"- 1974، و"العراب"- الجزء الثاني عام 1974، و"القيامة الآن" -1979، و"واحد من القلب" -1982، و"الدخلاء" -1983، و"العراب"- الجزء الثالث عام 1990، و"دراكولا برام ستوكر" 1992، وسواها. 

ويعتبر "العرّاب" بأجزائه الثلاثة، و"القيامة الآن" عن حرب فيتنام عام 1979، من أفضل أفلام كوبولا التي صنعت أسطورته. والفيلم الأخير مستوحى من رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد، ومن بطولة مارلون براندو وروبرت دوفال،  ويعدّه نقّاد سينمائيون تحفة كوبولا الرئيسية، ويضعونه في موضع متقدّم على فيلم العرّاب الذي صُنّف باعتباره ثاني أفضل فيلم في تاريخ السينما الأميركية. 

شركة باراماونت كانت ضد مشاركة مارلون براندو وآل باتشينو في فيلم العراب-غيتي

وشكّل العرّاب الذي يمر هذا العام اثنان وخمسون عامًا على إنتاجه حدثاً سينمائيًا في عام إنتاجه 1972، إذ حطّم الأرقام القياسية للإيرادات، وفاز بعدة جوائز أوسكار. 

أُخذ الفيلم عن رواية صدرت بالاسم نفسه عام 1969 للروائي الأميركي ماريو بوزو، وفور صدروها أصبحت من أكثر الروايات مبيعًا، ما دفع شركة باراماونت التي كانت قد اشترت حقوق إنتاجها سينمائيًا قبل ذلك، إلى التفكير جديًا بإنتاجها لتجاوز عثراتها المالية بفيلم يحقق رواجًا جماهيريًا، لكن شعبية الرواية وأجواء العنف فيها نفّرت العديد من المخرجين من فكرة إخراجها.

وكان المخرج الإيطالي سيرجيو ليوني هو الخيار الأول لدى الشركة لإخراج الرواية، لكنه اعتذر لإنشغاله بفيلم "ذات مرة في أميركا"، فعرضت الشركة القصة على المخرج بيتر بوغدانوفيتش الذي رفضها لأن موضوعها عن المافيا، كما عُرضت القصة على مخرجين آخرين مثل كوستا غافراس وأوتو بريمنغر وإيليا كازان لكنهم رفضوا إخراجها.

12 مخرجًا رفضوا "العرّاب"

وكان كوبولا هو المخرج الثالث عشر الذي عُرض عليه إنتاج القصة، لكنه رفض أيضًا معتبرًا النص قطعة من القمامة وعملًا رخيصًا فيه كثير من الإثارة الزائدة. 

وقال كوبولا عام 2022، بمناسبة عرض أقيم في ذكرى مرور خمسين عاماً على "العرّاب" إنه شعر بخيبة أمل كبيرة عندما شرع في قراءة النص، "إذ كان كتابًا تجاريًا كتبه ماريو بوزو بهدف كسب المال لأولاده".

اثنا عشر مخرجا رفضوا إخراج العراب قبل كوبولا-غيتي

وأوضح كوبولا "عندما عُرض عليّ أن أتولى المهمة نظرًا إلى أن الجميع كانوا امتنعوا عن القبول بها، أجبت أنا أيضاً بالرفض"، إلا أن شريك كوبولا في شركة إنتاج صغيرة كانا قد أسساها، وهو المخرج جورج لوكاس، أصرّ على كوبولا أن يقبل العرض، لأنه سيمكّنهما من إنقاذ شركتهما الصغيرة من الإفلاس.

وقال كوبولا أن لوكاس قال له يومها "فرانسيس، نحن بحاجة إلى هذه الأموال، فالمراقبون الضريبيون سيأتون ويضعون قفلًا على مدخل (الشركة)... عليك أن تقبل بعمل كهذا".

الأعلى إيرادًا في تاريخ السينما

بدأت أولى عروض "العرّاب" في 24 مارس/آذار 1972، وبعد ستة أشهر أصبح الأعلى إيرادات في تاريخ السينما، متفوقًا على فيلم "ذهب مع الريح" الذي أنتج عام 1939.

أصبح فيلم العراب واحدا من كلاسيكيات السينما العالمية-غيتي

وتنقل وكالة الصحافة الفرنسية عن بيتر بيسكايند في كتابه Easy Riders, Raging Bulls  قوله إن "كوبولا كسب إلى حد كبير رهانه مع استوديوهات "باراماونت"، التي وعدته بأن تشتري له سيارة ليموزين طويلة إذا وصلت إيرادات "العراب" إلى 50 مليون دولار، فكان أن تخطّت الغلّة هذه العتبة بأشواط، إذ تجاوزت 130 مليون دولار في ذلك الوقت، أي ما يعادل 880 مليون دولار في الوقت الراهن باحتساب معدلات التضخم".

باراماونت رفضت براندو وآل باتشينو

وواجه "العرّاب" مشكلات كبيرة في الإنتاج واختيار الممثلين، وقبل ذلك مشكلات مع مافيات نيويورك الحقيقية التي حاولت عرقلة إنتاج الفيلم، ولم توافق إلا بعد أن أطلعت شركة باراماونت أحد رؤساء عائلات نيويورك الخمسة على سيناريو الفليم، واستجابت لطلبه بعدم ذكر كلمة "مافيا" فيه على الإطلاق.

وبينما رفضت باراماونت مشاركة مارلون براندو في الفيلم خشية إثارة مشكلات لها، فقد أصر كوبولا عليه، وأقنعه بحشو خديه بمناديل ورقية لكي يبدو أكبر في العمر، كما تم تلطيخ شعره بملمّع أحذية.

وفي الفيلم قام براندو بتغيير نبرة صوته مع حشرجة وبُحة أصبحا من أسباب رواج شخصيته، ومنحته فرادة في الأداء أهّلته لجائزة الأوسكار عن دور الدون فيتو كورليوني. 

أدى روبرت دي نيرو دور البطولة في الجزء الثاني من العراب-غيتي

أما آل باتشينو الذي كان ممثلًا مغمورًا قبل "العرّاب"، حيث لم يظهر سوى في فيلمين فقط، فقد كان رفض شركة باراماونت له شديدًا ومتكررًا، إذ اعتبرته "نكرة"، و"إيطاليًا أكثر مما اللازم"، وإضافة إلى ذلك "قصيرًا للغاية"، لكن كوبولا تمسّك به، في حين لم يواجه روبرت دي نيرو الذي أدى دورًا قصيرًا في الجزء الأول من "العرّاب" مشكلات تُذكر.

تحوّل الفيلم إلى أسطورة في تاريخ السينما، وأطلق شهرة اثنين من نجوم هوليوود كانا قبله مغمورين، وهما آل باتشينو وروبرت دي نيرو، لنحو خمسة عقود متواصلة، بينما انتهى الأمر بصانع "العرّاب" ومبدعه الحقيقي إلى صراع صامت وطويل ومرير مع هوليوود، التي ظلت تزيحه بعيدًا حتى وصل الأمر بالقائمين على جوائز "راتزي" لمنحه جائزة أسوأ مخرج عن فيلمه الأخير "ميغالوبوليس". 

المصادر:
خاص موقع التلفزيون العربي
شارك القصة