بعد حوالي خمس سنوات من تجميد خطوط السيطرة الإقليمية، شهدت سوريا تطوّرات مثيرة غيّرت قواعد اللعبة، مع إطلاق الفصائل السورية المعارضة عملية "ردع العدوان" في الشمال السوري قبل 10 أيام، سيطرت خلالها على نحو 250 مدينة وبلدة وقرية، وأكثر من ضعف الأراضي الخاضعة لسيطرته.
كما تمّ السيطرة على حلب خلال 24 ساعة، وإدلب وحماة، حيث انهارت الخطوط الأمامية للنظام السوري واحدًا تلو الآخر، لتصل المعارضة اليوم الجمعة إلى حمص.
واعتبرت مجلة "فورين بوليسي" أنّ التطوّرات الأخيرة في سوريا "لم تكن كلها مفاجئة، لأنّ رئيس النظام السوري بشار الأسد لم ينتصر فعليًا خلال الثورة في بلاده، بل إنّ نظام حكمه ظل يضعف، بينما بات موقفه أكثر هشاشة من أي وقت مضى".
حسابات خاطئة
ورأت المجلة أنّه مع تضاؤل الاهتمام الدولي بالحرب في سوريا، وتوقّف الدبلوماسية تقريبًا، وسحب الحكومات مواردها تدريجيًا عن سياساتها العامة تجاه سوريا وتوجيهها إلى تحديات عالمية أخرى، أقدمت بعض الحكومات العربية على الانخراط مع الأسد بدءًا من عام 2023، ما أدى إلى "إعادة وضعه إلى طبيعته السابقة في الشرق الأوسط".
بالنسبة لصانعي السياسات في الولايات المتحدة، شكّلت عودة الجهات الفاعلة الإقليمية إلى تولّي مسؤولية الملف السوري، مصدر ارتياح وعلامة مُشجّعة.
بينما تضافرت جهود 10 دول أوروبية بقيادة إيطاليا، من أجل التواصل مجددًا مع النظام السوري، وبحث سبل استئناف الجهود الدبلوماسية وعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
ورأت المجلة أنّ كل هذه التطورات استندت إلى افتراض مفاده أنّ رئيس النظام يستفيد من الظروف السيئة في سوريا وجمود الأزمة، لتعزيز سلطته، لكنّها أكدت أنّ هذا الافتراض كان حسابات خاطئة.
الانهيار الاقتصادي
منذ سنوات، كان الاقتصاد السوري في حالة من الفوضى، حيث تهاوت الليرة السورية إلى 17500 مقابل الدولار الواحد في 4 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، أي بعد أسبوع من هجوم المعارضة، بعد أن بلغت 1150 في أوائل عام 2020.
وبدلًا من تحقيق الاستقرار في البلاد وتوفير بعض الراحة للمدنيين السوريين بعد أكثر من عقد من الحرب، تفاقمت الأزمة الإنسانية في سوريا منذ عام 2020، حيث أفادت الأمم المتحدة أن ما لا يقل عن 90% من السوريين يعيشون الآن تحت خط الفقر.
وأضاف التحليل أنّه في حين أنّ "احتضان" النظام السوري لـ"الجريمة المنظّمة" يُدرّ ما لا يقلّ عن 2.4 مليار دولار من الأرباح سنويًا من بيع نوع واحد فقط من المخدرات المصنّعة، فإنّ ذلك لم يُساعد على تحسين معيشة الشعب السوري.
كما تمّ تخفيض الدعم الحكومي للوقود والغذاء بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
إضافة إلى كل ذلك، لم يعد للنظام السوري مَن يُنقذه من الإفلاس، فالاقتصاد الروسي تضرّر بشدة بسبب الحرب على أوكرانيا، بينما يعيش الاقتصاد الإيراني أوضاعًا سيئة أيضًا نتيجة العقوبات.
تجارة الكبتاغون
وفي خضم الانهيار الاقتصادي في سوريا، تغلغلت "الجريمة المنظّمة" وإنتاج المخدرات وتهريبها على المستوى الصناعي إلى قلب جهاز النظام الأمني.
ووصف التحليل النظام السوري بأنّه "أكبر نظام مخدرات في العالم، متخصّص في إنتاج الأمفيتامين المعروف باسم الكبتاغون".
وذكر أنّ الفرقة الرابعة في سوريا (التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد)، تُدير تجارة المخدرات، ولكن شبكتها امتدت إلى كل ركن من أركان جيش النظام والميليشيات الموالية له.
"الجريمة المنظّمة" وتفكّك النظام
وبهذا، مزّقت "الجريمة المنظّمة" و"أمراء الحرب" ما تبقّى من "تماسك ضعيف" داخل الدولة الأمنية السورية.
وفي الوقت نفسه، أدت الحرب الروسية على أوكرانيا والحروب الإسرائيلية في غزة ولبنان التي وضعت تل أبيب في مواجهة طهران وشبكة وكلائها منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، إلى تحويل انتباه روسيا وإيران بعيدًا عن ربط الجهات الأمنية الفاعلة في سوريا ببعضها البعض.
كما أظهرت الأحداث الأخيرة أنّ استثمار روسيا على مدى ثماني سنوات في إعادة بناء جيش النظام، لم يكن له تأثير يذكر على قدرته على القتال بفعالية تحت الضغط.
ورغم أن الجهود التي بذلتها روسيا عزّزت بعض القدرات الفعالة داخل وحدات عسكرية مختارة، مثل فرقة المهام الخاصة الـ25، فإن قوات النظام ككل تظل مفككة وسيئة التنسيق.
وفي جميع النواحي تقريبًا، عانت الآلة العسكرية للنظام من الركود في السنوات الأخيرة، حيث تآكلت من الداخل وتشرذمت من الخارج.
بينما على النقيض من ذلك، عملت "هيئة تحرير الشام" والفصائل المعارضة الأخرى بشكل مكثّف منذ عام 2020 على تعزيز قدراتها الخاصة.
وقد أنشأت "هيئة تحرير الشام" وحدات جديدة تمامًا وقدرات عسكرية متطوّرة، يُمكن القول إنّها غيّرت قواعد اللعبة في ساحة المعركة في الأيام الأخيرة.