الخميس 24 نيسان / أبريل 2025
Close

طول بعضها فاق 7 أمتار.. لماذا كانت الأبواب التاريخية كبيرة الحجم؟

طول بعضها فاق 7 أمتار.. لماذا كانت الأبواب التاريخية كبيرة الحجم؟ محدث 19 نيسان 2025

شارك القصة

تتميّز المواقع الأثرية والتاريخية بأبوابها الضخمة الكبيرة
تتميّز المواقع الأثرية والتاريخية بأبوابها الضخمة الكبيرة- هيستوري فاكتس
الخط
كانت الأبواب الضخمة تُزيّن المباني بمختلف أنواعها في العصور السابقة، إلا أنّ هذه المداخل الضخمة لم تكن مجرد أغراض جمالية، بل انعكاسًا للنفوذ والقوة والثروة.

تتميّز المواقع الأثرية والتاريخية، سواء القلاع القديمة أو الكاتدرائيات أو المساجد أو المباني الحكومية، بأبوابها الضخمة التي يتباين ارتفاعها بشكل كبير وفقًا للأنماط المعمارية والأولويات الثقافية السائدة في تلك الحضارات.

وكانت الأبواب الضخمة تُزيّن المباني بمختلف أنواعها، إلا أنّ هذه المداخل الضخمة لم تكن مجرد أغراض جمالية، بل انعكاسًا للنفوذ والقوة والثروة.

فما هي الأسباب التي جعلت الأبواب التاريخية تميل إلى أن تكون كبيرة جدًا؟

الأبواب الكبيرة رمز للقوة والنفوذ

لطالما مثّلت الأبواب الكبيرة رمزًا للقوة والسلطة والتسلسل الاجتماعي. ففي الحضارات القديمة بما في ذلك بلاد ما بين النهرين ومصر وروما، كانت الأبواب الضخمة تُميّز المعابد والقصور والمباني المدنية، مُبرزةً أهميتها الإلهية أو السياسية.

وكانت بوابة عشتار في بابل التي بُنيت في القرن السادس قبل الميلاد في عهد الملك نبوخذ نصر الثاني، مدخلًا ضخمًا مُزيّنًا بالطوب الأزرق المزجّج وصور الحيوانات المقدسة. وقد شكّلت حاجزًا واقيًا ورمزًا لروعة المدينة.

وبالمثل، عزّزت مداخل روما الفخمة مثل مداخل المنتديات والمعابد الإمبراطورية، من قوة الإمبراطورية.

ولاحقًا، تبنّت كاتدرائيات أوروبا في العصور الوسطى هذا التقليد، مستخدمةً أبوابًا شاهقة تُثير الرهبة والتواضع في الوقت نفسه.

يبلغ ارتفاع الأبواب الضخمة في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني أكثر من 7.6 متر
يبلغ ارتفاع الأبواب الضخمة في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني أكثر من 7.6 متر- غيتي

ومن الأمثلة البارزة على ذلك مجموعة الأبواب البرونزية في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني في روما، والتي كانت في الأصل جزءًا من مجلس الشيوخ الروماني القديم الذي اكتمل بناؤه عام 29 قبل الميلاد. نُقلت هذه الأبواب الضخمة إلى كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني في أواخر القرن الـ17 في عهد البابا ألكسندر السابع. ويبلغ ارتفاع هذه الأبواب أكثر من 7.6 متر، وتعكس فخامة روما الإمبراطورية وسلطة الكنيسة الكاثوليكية.

انعكاس للثروة

إلى جانب دورها الرمزي، كانت الأبواب الكبيرة بمثابة دلالات ملموسة على الثروة والهيبة. وكان الأثرياء وحدهم القادرين على تحمّل تكاليف المواد والعمالة والحرفية اللازمة لإنشاء هذه المداخل الفخمة.

ومن أشهر الأمثلة على ذلك قصر فرساي في فرنسا، الذي بُني للملك لويس الـ14 في القرن الـ17. وصُمّمت الأبواب الكبيرة المذهّبة في قاعة المرايا والشقق الملكية لتعكس ثروة الملك الهائلة وسلطته المطلقة. وبزخارفها المتقنة، عزّزت هذه الأبواب خصوصية المساحات التي كانت تحرسها، فلم يُسمح إلا للأفراد الأكثر امتيازًا بالمرور عبرها.

صُمّمت الأبواب الكبيرة المذهّبة في قصر فرساي لتعكس ثروة الملك الهائلة وسلطته المطلقة
صُمّمت الأبواب الكبيرة المذهّبة في قصر فرساي لتعكس ثروة الملك الهائلة وسلطته المطلقة- موقع قصر فرساي

ومن الأمثلة الرائعة الأخرى على الأبواب الكبيرة التي تعكس ثروة مالكها، قلعة هيرست في كاليفورنيا، التي بناها قطب الصحافة ويليام راندولف هيرست في أوائل القرن العشرين. وتتميّز هذه القلعة بأبواب برونزية وخشبية منحوتة ضخمة، استُورد العديد منها من أوروبا. وبدمج عناصر معمارية تاريخية، لم يكتفِ هيرست بعرض ثروته فحسب، بل واكب أيضًا عظمة الطبقة الأرستقراطية الأوروبية.

ولم يقتصر تفضيل أصحاب الثروات الطائلة على الأبواب الكبيرة في منازلهم. فغالبًا ما تميّزت المنازل التاريخية في باريس ولندن بمداخل كبيرة، تعكس أنماطًا معمارية من عصور معينة. وخلال العصر الهوسماني في منتصف القرن الـ19، صُمّمت المباني في باريس بمداخل كبيرة ومزخرفة بشكل رائع. وبالمثل، غالبًا ما تميّزت منازل لندن التي تعود إلى العصر الجورجي في القرنين الـ18 وأوائل القرن الـ19 بأبواب أمامية كبيرة الحجم مُزيّنة بقوالب زخرفية ونوافذ مُشبّكة. وكانت هذه السمات المعمارية تجسيدًا رمزيًا لثروة ومكانة سكانها.

أغراض عملية

إلى جانب أدوارها الرمزية والجمالية، كان للأبواب الكبيرة احتياجات عملية مهمة في العمارة التاريخية. ففي قلاع العصور الوسطى والمدن المحصّنة، أتاحت الأبواب الضخمة مرور الخيول والعربات والمجموعات الكبيرة من الناس. وقد وازنت هذه المداخل الفخمة بين سهولة الوصول والأمان، وغالبًا ما كانت تُعزز بالخشب الثقيل أو الحديد أو البرونز لتحمل الحصار مع السماح في الوقت نفسه بحركة البضائع والجنود.

يزيد ارتفاع بوابات الجنة للنحات لورينزو غيبرتي  عن 4.5 متر
يزيد ارتفاع بوابات الجنة للنحات لورينزو غيبرتي عن 4.5 متر- غيتي

كما تطلّبت المباني الدينية مثل الكاتدرائيات والمساجد، أبوابًا كبيرة لتنظيم تدفّق المُصلّين واستيعاب المداخل الاحتفالية. وقد استكمل حجمها عمارتها الفخمة، ما خلق تناغمًا بصريًا وأثار الرهبة والإجلال.

ومن الأمثلة البارزة على ذلك معمودية فلورنسا في إيطاليا المشهورة بأبوابها البرونزية الضخمة، وخاصةً بوابات الجنة للنحات لورينزو غيبرتي. فبارتفاع يزيد عن 4.5 متر، سمحت هذه الأبواب بدخول حشود غفيرة خلال مراسم التعميد في العصور الوسطى وعصر النهضة.

وبالمثل، يتميّز البانثيون في روما بأبواب مدخل برونزية ضخمة يبلغ ارتفاعها حوالي 7.3 متر، ما سهّل حركة المُصلّين والتماثيل الدينية خلال المراسم. كما أظهرت متانتها وحجمها براعة الهندسة الرومانية.

لماذا تقلّصت الأبواب إلى حجمها الحالي؟

حاليًا، يبلغ ارتفاع الباب الداخلي مترين، وعرضه بين 0.7 أمتار ومتر واحد. وبينما تكون الأبواب الخارجية عادةً بنفس الارتفاع، يتراوح عرضها بين 0.8 أمتار ومتر واحد للأبواب المفردة، وبين 1.5 متر و1.8 متر للأبواب المزدوجة.

وبدأ التحوّل نحو الأبواب الأصغر حجمًا مع مطلع القرن الـ19، إذ قلّلت التطورات في البناء من الحاجة إلى المداخل الكبيرة. وبينما اعتمدت العمارة القديمة على محاور ثقيلة ومفصلات أحزمة حديدية ما تطلب أبوابًا كبيرة الحجم لدعم هيكلها، إلا أنّ تطوير مواد وتصاميم أحدث سمح بأبواب أكثر عملية ومتانة دون الحاجة إلى أحجام كبيرة.

وعزّز التحضّر والتصنيع هذا التوجّه نحو تقليص المساحات. فمع ازدياد كثافة المدن وضيق الشوارع، أصبحت الأبواب الكبيرة غير عملية بسبب ضيق المساحة.

وفي القرن العشرين، أدت مواد البناء وتقنيات الإنشاء الموحّدة إلى أبواب أكثر إحكامًا وفعالية في المباني السكنية والتجارية. ومع ازدياد المساواة في المجتمعات، قلّص صعود الطبقة المتوسطة وملكية المنازل الخاصة جاذبية المداخل الكبيرة والفخمة.

تابع القراءة

المصادر

ترجمات