تختلف الصفات بين الكائنات البشرية من أجل التطوّر، في ما يُعرف بـ"الانتقاء الطبيعي".
وتؤثر هذه الاختلافات على البقاء والتكاثر بنجاح. وتُعرف الصفات المفيدة بالتكيّفات، وقد تكون هذه الخصائص مذهلة للغاية.
وتتمتّع العديد من الحيوانات بتكيّفات خارقة تساعدها على البقاء، مثل قريدس الطاووس الصغير ذي القوة الضاربة الأكبر في العالم، والحيوانات التي يُمكنها تغيير لونها لتندمج مع محيطها، وفأر الخلد العاري الذي لا يُصاب بمرض السرطان.
ومن بين الحيوانات الفريدة من نوعها، ظبي الجرنوق (Litocranius walleri)، وهو نوع من الظباء النادرة التي تعيش في شرق إفريقيا، حيث يُمكنه قضاء حياته بأكملها من دون شربة ماء. وبدلًا من ذلك، يستطيع الجرنوق تلبية احتياجاته المائية بتناول أوراق الشجر.
ويُظهر الجرنوق العديد من التكيّفات الأساسية للبقاء في البيئات القاحلة التي يعيش فيها، بما في ذلك العديد من الخصائص المتعلّقة بالحفاظ على المياه.
ولا يحتاج الجرنوق إلى شرب الماء في البرية، وهو ما تؤكده ظروف الجفاف التي يعيش فيها.
ويميل الجرنوق إلى تجنّب المناطق ذات المسطّحات المائية، خاصةً خلال موسم الجفاف، ما قد يُساعده على تجنّب الحيوانات المفترسة وتقليل المنافسة مع الحيوانات الأخرى التي تعتمد على الماء.
ووجدت إحدى الدراسات أنّه كلما ابتعدت المسافة عن أقرب مصدر دائم للمياه، زادت كثافة انتشار الجرنوق. كما أنّه حتّى عند توفير الماء في الأقفاص أثناء الأسر، لم تقم ظباء الجرنوق بشربه.
يُعزى هذا النقص في شرب الماء إلى ممراتها الأنفية المُكيّفة بشكلٍ فريد، والتي تمنع التبخّر وبالتالي فقدان الماء. كما يُنتج الجرنوق بولًا عالي التركيز، ما يُساعده على الاحتفاظ بالسوائل.
وتفضّل ظباء الجرنوق أكل الأشجار المتساقطة الأوراق والشجيرات والنباتات المتسلقة، وهو ما يُساعدها على تلبية احتياجاتها المائية. على سبيل المثال، وُجد أن محتوى الماء في الأشجار المتساقطة الأوراق يزيد عن ضعف محتوى الأشجار الصنوبرية، التي تُشكل جزءًا من غذاء الظباء.
تكيّف مذهل
يتمتع الجرنوق بالعديد من الخصائص التي تساعده على الوصول إلى النباتات.
اسم الجرنوق يعني "رقبة الزرافة" باللغة الصومالية، وهو ما يتناسب مع طول رقبته. ويمتلك هذا الحيوان أطول رقبة مقارنة بحجم جسمه بين جميع ذوات الأصابع المزدوجة، بما في ذلك الزرافات.
ونظرًا لقلة النباتات وطولها في سهول شرق إفريقيا، يُعدّ هذا التكيف حيويًا إذ يضمن للجرنوق الوصول إلى أوراق الشجر الغنية بالمغذيات والماء الذي تحتاجه للبقاء على قيد الحياة، عبر بالوقوف على أرجله الخلفية ومدّ رقبته إلى الأعلى.
كما تحتوي رقبته الطويلة على تكيّفات عظمية وعضلية تُسهّل استقرار الرأس وحركته.
وتُساعد هذه التكيّفات العظمية والعضلية فقرات الرقبة القوية، بالإضافة إلى انخفاض التضيّق الشوكي القَطَني، ما يسمح بانحناء داخلي غير مسبوق للعمود الفقري السفلي.
وبالتالي يستطيع الجرنوق الوقوف منتصبًا لفترات أطول، واستخدام أرجله الأمامية لسحب الأغصان العالية، ما يُمكّنه من الوصول إلى الطعام على ارتفاع يصل إلى حوالي 2.5 متر فوق سطح الأرض.
الجرنوق مُهدّد بالإنقراض
الجرنوق هو حيوان نادر لا يعيش إلا في دول شرق أفريقيا.
وهو مهدد بالانقراض، نتيجة فقدان موائلها مع تزايد أعداد السكان، والمستوطنات والطرق والزراعة.
ويُقدر أنّ 95 ألف من ظباء الخرنوق لا تزال على قيد الحياة، حيث انخفضت أعدادها بنسبة 25% خلال السنوات الـ14 الماضية.
وإذا استمر هذا الانخفاض في أعدادها، فسيتمّ تصنيف الجرنوق قريبًا ضمن الأنواع "المُعرّضة للخطر" في القائمة الحمراء للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، وهو مؤشر على أنّ هذا النوع معرض لخطر الانقراض بشكل كبير.
ويعيش 10% فقط من ظباء الجرنوق في مناطق محمية، وبالتالي فإن إنشاء المزيد من الأراضي المحمية يمكن أن يساعد في الحد من انخفاض أعدادها.
وتعمل منظمات الحفاظ على البيئة، مثل مؤسسة الحياة البرية الأفريقية، على حماية ظباء الجرنوق من خلال حلول مثل العمل مع الحكومات لتحقيق التوازن بين التحديث وحماية الحياة البرية، وتوسيع سياحة الحفاظ على البيئة.
تجربة فريدة
يتواجد حيوان الجرنوق في العديد من دول شرق أفريقيا، ومنها: تنزانيا، وكينيا، والصومال، وإثيوبيا، وجيبوتي.
ويُعدّ هذا الجزء من القارة السمراء موطنًا لأنواع أخرى مذهلة أيضًا، بما في ذلك الفيلة والزرافات والأسود والحمار الوحشي وغيرها..
كما أنّ شرق أفريقيا هي أيضًا نسيج غني من الثقافات المتنوّعة، وتقدم تجارب رائعة في فهم المجتمعات النابضة بالحياة التي عاشت هناك لآلاف السنين واحترامها والتواصل معها.
وبالتالي، ستكون الرحلة إلى دولة في شرق إفريقيا بمثابة تجربة فريدة من نوعها، مليئة بالانغماس الثقافي والمناظر الطبيعية الخلابة، وبالطبع مشاهدة الحياة البرية مثل حيوان الجرنوق الفريد من نوعه.
