استطاعت المعكرونة، على بساطة مكوّناتها، أن تحجز مكانًا مميّزًا لها على الموائد في مختلف دول العالم. فالوصفات المتنوّعة وسهلة التحضير جعلت منها طبقًا يحظى بقبول واسع النطاق، عابرًا للقارات وللفئات العمرية على حدّ سواء.
ولطالما ارتبطت المعكرونة بالهوية الإيطالية، رغم اختلاف النظريات حول أصولها. فقد أُنتج نحو 16.9 مليون طن من المعكرونة في العالم عام 2022، بحسب "منظمة الباستا الدولية"، واحتلّت إيطاليا المرتبة الأولى عالميًا بإنتاج أكثر من 3.5 ملايين طن في عام 2023، وفق موقع "ستاتستا".
ويزداد الطلب على المعكرونة بشكل مطّرد، خاصة في الأسواق الناشئة، بفضل سعرها المعقول وقيمتها الغذائية. وبلغت قيمة سوق المعكرونة والشعيرية العالمية 83.49 مليار دولار أميركي في عام 2022، ومن المتوقع أن تنمو بمعدل سنوي مركّب يبلغ 3.5% بين عامَي 2023 و2030، بحسب شركة الأبحاث "غراند فيو ريسيرتش".
من أين جاءت المعكرونة؟
تقول الأسطورة الشائعة إنّ التاجر البندقي ماركو بولو أدخل المعكرونة إلى إيطاليا بعد رحلاته إلى الشرق الأقصى في أواخر القرن الثالث عشر، ويُعتقد أنه أحضرها من الصين، إذ كان الصينيون يصنعون طعامًا يشبهها منذ عام 3000 قبل الميلاد.
وبحسب موقع "لايف إن إيتالي"، فإن بولو لم يأتِ بمنتج جديد، بل أعاد اكتشاف طعامٍ كان شائعًا في إيطاليا بين الإتروسكان والرومان. ويشير الموقع إلى وجود أدلة على معكرونة إتروسكو-رومانية مصنوعة من القمح القاسي نفسه المستخدم في إنتاج المعكرونة الحديثة، وكانت تُسمّى "لاجاني" (أصل كلمة "لازانيا" الحالية). ومع أنّ هذا النوع من الطعام ذُكر لأول مرة في القرن الأول الميلادي، فإنه لم يكن يُسلق كما هو الحال اليوم، بل كان يُخبز في الفرن.
ورغم وجود بعض التشابه بين "لاجاني" القديمة والمعكرونة الحديثة، فإنه لا يمكن اعتبارهما متطابقتين تمامًا. كما أثّرت الغزوات العربية في القرن الثامن بشكل كبير على المطبخ الإقليمي، ويُعتبر الوجود العربي في جنوب شبه الجزيرة الإيطالية خلال العصور الوسطى السبب الأرجح وراء انتشار المعكرونة في المنطقة.
ويُرجّح أن كلمة "معكرونة" الحديثة مشتقة من مصطلح صقليّ يشير إلى عجن العجين بقوة، إذ كان صنع المعكرونة في العصور القديمة عملية شاقة تستغرق يومًا كاملًا. ولا يُعرف على وجه اليقين كيف كانت تُقدَّم تلك الأطباق الأولى، لكن العديد من وصفات المعكرونة الصقلية لا تزال تحتوي على مكونات شرق أوسطية تقليدية مثل الزبيب والقرفة، ما قد يشير إلى أصولٍ من العصور الوسطى.
الطماطم والمعكرونة
بحلول القرن الرابع عشر، حظيت المعكرونة المجفّفة بشعبية كبيرة لقيمتها الغذائية وطول مدة صلاحيتها، ما جعلها مثالية للرحلات البحرية الطويلة. وبعد قرنٍ من الزمن، جابت المعكرونة العالم خلال رحلات الاستكشاف، وتنوّعت أشكالها مع تطوّر تقنيات الإنتاج التي جعلت منها جزءًا لا يتجزأ من الحياة الإيطالية.
لكن التطوّر الأبرز في تاريخها لم يحدث إلا في القرن التاسع عشر، عندما التقت المعكرونة بالطماطم. فعلى الرغم من وصول الطماطم إلى أوروبا بعد اكتشاف القارة الأميركية بفترة وجيزة، فإنها كانت تُعتبر نباتًا سامًا لفترة طويلة، إذ تنتمي إلى فصيلة الباذنجانيات. واستمرّت شائعات سمّيتها في أجزاء من أوروبا حتى منتصف القرن التاسع عشر.
لهذا السبب لم تُوثَّق أول وصفة للمعكرونة بالطماطم إلا عام 1839، وبعد ذلك سرعان ما انتشر هذا المزيج، خصوصًا في جنوب إيطاليا، بحسب موقع "لايف إن إيتالي".
تُصنع المعكرونة تقليديًا من القمح والماء أو البيض، وتُشكَّل بأشكال مختلفة ثم تُطهى في الماء المغلي. أما اليوم، فمعظم المنتجات التي تُباع على أنها معكرونة تُصنع من القمح العادي، في حين يمكن إعداد نودلز مشابهة من حبوب أخرى مثل الأرز أو الشعير أو الحنطة السوداء.
وتُكرَّر بعض أنواع المعكرونة أثناء المعالجة، حيث تُزال النخالة والجنين من نواة القمح، ما يُفقدها العديد من العناصر الغذائية. وفي بعض الأحيان، تُضاف إليها لاحقًا عناصر غذائية مثل فيتامينات "ب" والحديد.
أنواع المعكرونة وفوائدها
تُعدّ المعكرونة المكرّرة غنيّة بالسعرات الحرارية وفقيرة بالألياف، ما قد يؤدي إلى انخفاض الشعور بالشبع مقارنة بالمعكرونة المصنوعة من الحبوب الكاملة.
وأظهرت دراسة أنّ المعكرونة المصنوعة من الحبوب الكاملة تقلّل الشهية وتزيد الإحساس بالشبع أكثر من المعكرونة المكرّرة. ومع ذلك، توصّلت دراسات أخرى إلى نتائج متباينة؛ إذ وجدت إحداها، شملت 16 مشاركًا، عدم وجود فرق في مستويات السكر في الدم بعد تناول أيٍّ من النوعين.
وتشير دراسات أخرى إلى أنّ الإفراط في تناول الكربوهيدرات المكرّرة قد تكون له آثار صحية سلبية، منها ارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول ومقاومة الإنسولين، بحسب موقع "هيلث لاين".
عادةً ما تكون المعكرونة المصنوعة من الحبوب الكاملة غنيّة بالألياف والمنغنيز والسيلينيوم والنحاس والفوسفور، بينما تحتوي المعكرونة المكرّرة والمُدعّمة على كميات أعلى من الحديد وفيتامينات "ب". كما أنّ معكرونة الحبوب الكاملة أقل في السعرات الحرارية وأعلى في الألياف والمغذّيات الدقيقة، إذ تساعد الألياف على الشعور بالشبع وتقليل الرغبة في تناول الطعام.
المعكرونة غنية بالكربوهيدرات والغلوتين
تحتوي المعكرونة على نسبة عالية من الكربوهيدرات، إذ يتراوح محتوى الكوب الواحد من السباغيتي المطهية بين 37 و43 غرامًا، سواء كانت مكرّرة أو كاملة الحبوب. وتتحوّل هذه الكربوهيدرات سريعًا إلى غلوكوز في الدم، ما يسبب ارتفاعًا حادًا في مستويات السكر.
تحتوي المعكرونة على نسبة عالية من الكربوهيدرات، إذ يتراوح محتوى الكوب الواحد من السباغيتي المطهية بين 37 و43 غرامًا، سواء كانت مكرّرة أو كاملة الحبوب. وتتحوّل هذه الكربوهيدرات سريعًا إلى غلوكوز في الدم، ما يسبب ارتفاعًا حادًا في مستويات السكر.
كما تحتوي المعكرونة التقليدية على الغلوتين، وهو نوع من البروتين يوجد في القمح والشعير ويتحمله معظم الناس دون مشاكل، لكن تناوله قد يُحفّز استجابة مناعية تُسبّب تلفًا في خلايا الأمعاء الدقيقة لدى المصابين بالداء البطني. وقد يُعاني بعض الأشخاص أيضًا من حساسية تجاه الغلوتين أو من مشاكل هضمية ناتجة عنه.
طبق يجلب السعادة
لا تقتصر فوائد المعكرونة على تركيبتها الغذائية، بل تمتد إلى تأثيرها النفسي. ففي دراسة نُشرت في مجلة "علوم الغذاء والتغذية"، استكشف الباحثون العلاقة بين تناول المعكرونة والمشاعر الإيجابية، وتحديدًا ما إذا كان تناولها يزيد من شعور الناس بالسعادة.
وبناءً على دراستين شملتا أكثر من 1500 مشارك إيطالي، وجد الباحثون ارتباطًا ثابتًا بين تناول المعكرونة والشعور بالسعادة، لا سيّما في البيئات الاجتماعية، وكانت النسبة أعلى لدى من يتمتعون بجودة حياة أفضل وتوتر أقل.
وربط المشاركون المعكرونة بالعائلة والتقاليد والراحة، في حين لم تُظهر أطعمة أخرى غنية بالكربوهيدرات، مثل الأرز والخبز والبيتزا، تأثيرًا مشابهًا على الحالة المزاجية، خصوصًا في سياقات تناول الطعام الجماعية، وفق ما نقل موقع "نيوز ميديكال".