بعد مرور عامين على اندلاع النزاع العسكري في السودان، يزداد المشهد السوداني تعقيدًا وتنحسر فرص البحث عن مخارج ممكنة توقف قتالًا مدمرًا خلّف فاتورة باهظة من الدماء.
فعلى الأرض لا يزال صوت المدافع هو لغة الحوار بين طرفَي النزاع في البلاد التي تشهد أكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث، بحسب الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.
استمرار النزاع العسكري في السودان
ميدانيًا، ومع تواصل القتال، قال مراسل التلفزيون العربي في أم درمان وائل محمد الحسن، إن مسيّرات قوات الدعم السريع قصفت مساء أمس الإثنين، البنية التحتية الخاصة بالكهرباء والوقود في ولاية نهر النيل.
وأوضح مراسلنا أن القصف استهدف المحوّل الذي يمد ولاية نهر النيل وولاية البحر الأحمر بالكهرباء، وعددًا من المستودعات في ولاية نهر النيل. كما استُهدف مقر القيادة العامة في الخرطوم بمسيّرة.
وأضاف أن قوات الدعم السريع قصفت ليلًا منطقة الفتيحاب في مدينة أم درمان، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، مشيرًا إلى أن مدفعية الجيش ردّت صباحًا بقصف عدد من مواقع الدعم السريع في غرب أم درمان وجنوبها.
ورغم أن موازين القوى قد مالت إلى كفة الجيش السوداني بعد إعلان سيطرته على مواقع ظلت تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب، مثل الخرطوم وسنار والجزيرة، إلا أن السودان يبدو مقسمًا عمليًا.
فبينما يمسك الجيش بالخرطوم ومساحات واسعة في الشرق والشمال، تسيطر قوات الدعم السريع على أكبر مدينتين في إقليم دارفور غربي البلاد، هما الجنينة ونيالا، وأجزاء من كردفان في وسط البلاد.
ومع دخول الحرب عامها الثالث، يبدو أن التصعيد سيكون عنوانها الأبرز، في ظل إعلان الجيش السوداني زحفه نحو دارفور وكردفان مدفوعًا بما أجراه من تنظيم جديد لعملياته العسكرية وخططه القتالية.
أكبر أزمة إنسانية في التاريخ الحديث
يحدث كل هذا، في وقت تتوقع فيه الأمم المتحدة أن ترتفع أعداد النازحين في السودان إلى أكثر من 13 مليون شخص.
كما تتوقع ارتفاع أعداد اللاجئين إلى 4 ملايين هذا العام، معظمهم من النساء والأطفال. ما يزيد الحاجة إلى تدفق المزيد من المساعدات الإنسانية إلى نحو 400 مليون جائع وفق برنامج الأغذية العالمي.
وذكر مراسل التلفزيون العربي أن منسقية النازحين واللاجئين تتحدث عن نزوح ما لا يقل عن 200 ألف شخص من مدينة الفاشر، والمخيمات المحيطة بها، ومن منطقة طويلة، لينتظرهم واقع إنساني سيئ في ظل انعدام الأمن الغذائي والأدوية المنقذة للحياة مع استمرار العمليات العسكرية في الفاشر.
وأوضح المراسل أن عشرات الآلاف من الأطفال يعانون من سوء التغذية والجوع، كما أنهم معرضون للتجنيد الإجباري من الأطراف المتقاتلة.
وأشار إلى اغتصاب عشرات النساء خلال الحرب، وتسجيل عدد كبير جدًا من الجرائم التي مورست خارج إطار القانون.
حصيلة الدمار
ودمر النزاع العسكري في السودان جميع القطاعات والبنيات التحتية، بحسب مراسل التلفزيون العربي، وعلى رأسها الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية.
ولفت إلى أن 80% من القطاع الصحي في السودان دُمر، كما دمر جميع المخزون الإستراتيجي للأدوية والوقود.
وأشار إلى تعرض البنية التحتية الخاصة بالصناعة للدمار، فبات السودان يستورد جميع احتياجاته من الخارج، متحدثًا أيضًا عن نهب كامل لقطاع النقل والسيارات العامة.
ولم تفلح جميع المبادرات السياسية في جدة وجنيف وأديس بابا والقاهرة في وقف الحرب وتقريب الفرقاء، وإيقاف البندقية داخل السودان.
هو مشهد سوداني معقد، إذ يظل فيه التصعيد العسكري هو القاعدة، ومعه تتبدد أي محاولات لاستئناف التفاوض بين طرفي الحرب على الأقل في المدى المنظور.