الثلاثاء 16 أبريل / أبريل 2024

عزمي بشارة: الهوية العربية جامعة واللغة ليست في خطر

عزمي بشارة: الهوية العربية جامعة واللغة ليست في خطر

Changed

مقابلة مع المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة ضمن برنامج "قراءة ثانية" حول مفهوم الهُوية وإشكالياتها
يبحث المفكّر العربي الدكتور عزمي بشارة، في حلقة من برنامج "قراءة ثانية"، مفهوم الهوية، ليُناقش سياقها التاريخي بشكل عام، وفي العالم العربي بشكل خاص.

تشير الهُوية إلى مجموع خصائص الفرد في تعريفه لذاته، بما في ذلك انتماءاته إلى جماعات، ولا يمكن فهمها واستيعابها إلا بعد توضيح علاقة الفرد بالجماعة، وعلاقة الجماعة بالجماعات الأخرى.

وبشكل عام، يعني مصطلح الهُوية عربيًا، منظومة الخصائص والعناصر المادية والمعنوية المكوّنة لوجود الفرد التي تميّزه عن غيره، رغم وجود عناصر وخصائص متشابهة بينهم، ويشمل ذلك الانتماءات إلى جماعات مختلفة.

ويتوقف المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة، عند الإشكاليات الكبرى التي تطرحها هذه القضية في بحثه المعنون "تأملات في مسألة الهُوية"، حيث يعتبر أنه لا توجد مسألة هُوية حين يكون الانتماء إلى جماعة مباشرًا غير مفكّر فيه.

أما مع تمايز الذات الفردية المستقلة عن الانتماء إلى الجماعة، فعندها فقط، وفق بشارة، تنشأ مسألة الهُوية والهُويات، مميزًا بينها وبين التعصب والأيديولوجيا، ومشددًا على أن الطائفية المذهبية أو الدينية لا تُشكّل هُويات ثابتة عبر الزمن.

ويغوص الدكتور عزمي بشارة، في حديث إلى "العربي"، ضمن برنامج "قراءة ثانية" الذي يقدّمه الإعلامي محمد اليحيائي، في هذا المفهوم، شارحًا أبعاده وخصائصه ودوره في بناء المجتمعات.

وفيما يشير إلى أنّ موضوع الهُوية معقد ومتشعب، يوضح أن مجموعة الانتماءات تتفاوت في الأهمية بالنسبة للأفراد، حيث ينتمون إليها بدرجات مختلفة عاطفيًا. ويرى أن الإنسان عند ولادته، بشكل عام، لا يختار هُويته الوطنية، وبالتالي يتعامل مع المؤسسات الموجودة انطلاقًا من مواطنيته.

عربيًا، يلفت بشارة إلى أن مسألة المواطنة لم يتم تطويرها بعد، باستثناء بعض الدول النفطية الغنية، التي تمكنت من توزيع الثروات على المواطنين كما في حالة دول الخليج، لكن رغم ذلك، لا يمكن القول إن مسألة المواطنة بمعنى تساوي الجميع أمام القانون قد تحققت في العالم العربي.

ويشدد على ضرورة التمسّك بالهوية العربية في عالمنا، لأن البديل عنها هو الطائفية، موضحًا أن الهُوية العربية مسألة جامعة أساسها اللغة والثقافة المشتركة، من دون الرجوع إلى النسب كما كان يحصل في العصر الأموي. ويلفت إلى أن اللغة العربية ليست في خطر رغم المحاولات الكثيرة لسيطرة اللهجات المحلية وتصويرها على أنها لغات.

الدكتور عزمي بشارة خلال المقابلة مع برنامج "قراءة ثانية"
الدكتور عزمي بشارة خلال المقابلة مع برنامج "قراءة ثانية"

مفهوم الهُوية "معقد ومتشعّب"

يستهلّ د. بشارة نقاشه لمسألة الهوية من محاولة تفكيك سؤال كيف تتحدد الهوية في عالم متغير، حيث يشير إلى أنّ موضوع الهُوية معقد ومتشعب، وهو في الأصل يعبّر عن مصطلح فلسفي جاء نتيجة لحاجات الفلسفة العربية في القرنين الرابع والخامس الهجري، لترجمة ما جاءت به الفلسفة اليونانية، موضحًا أن هذه الكلمة تأتي من الضمير "هُو"، أي مُجمل صفات الفرد الرئيسية التي تميزه عن غيره.

ويشرح بشارة أنّ مفهوم الهوية يتداخل مع مفاهيم أخرى كالشخصية الحضارية والطائفية السياسية والإيمان الديني والمظلوميات، ويحمل بناءً على ذلك بعدًا تصنيفيًا بتحويل الصفات إلى انتماءات وتمايزات. ويوضح أنّ مجموعة الانتماءات تتفاوت في الأهمية بالنسبة للأفراد، حيث ينتمون إليها بدرجات مختلفة عاطفيًا، مشيرًا إلى أن بعض خصائص الهُوية تتأسس دون إرادة الفرد عن طريق المؤسسات الثقافية التي تعمل باستمرار على تكوين هؤلاء الأفراد.

الإنسان عند ولادته، بشكل عام، لا يختار هُويته الوطنية، وبالتالي يتعامل مع المؤسسات الموجودة انطلاقًا من مواطنيته

ويلفت في هذا السياق، إلى أنّ الهوية تتميز بقابليتها للمأسسة عبر المؤسسات المختلفة مثل المؤسسات الثقافية التي تعبر عن هوية جماعية للمجتمع الموجود، بالإضافة إلى دور النشر والمناهج والجامعات والمدارس والمواطنة والقوات المسلحة والجنسية، وكل هذه الأمور لديها مؤسسات تعمل باستمرار على تكوين شخصية الإنسان. ويشدد على دور بعض الجماعات، التي تُنصّب نفسها مصدرًا للإنتاج الفكري والخطاب السياسي، في إنتاج الهُويات، مؤكدًا أن تعامل المؤسسات والحكومات يؤثر كثيرًا في هُوية الأفراد.

مقارنة بين الماضي والحاضر

وفي مقارنة تاريخية، يشير مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن قضية الهوية هي قضية حديثة تتعلق في نشوء الفرد، موضحًا أنّه في الماضي، عندما كان يولد الإنسان داخل عائلة ممتدة أو قبيلة محددة، كان انتماؤه الرئيسي ينصب في هذا المكان.

ويشير إلى أنه في ذلك الوقت، كانت مكانة الإنسان في الجماعة تحدد كل واجباته والتزاماته، حيث يُرسم مسار حياته سلفًا دون وجود صراع هويات، باستثناء بعض الرُّحل والشعراء المتجولين الذين بحثوا في هذا الموضوع، لكن بشكل بسيط. ولكن حتى في هذه الحالات، بحسب بشارة، القضية بسيطة ولا يوجد تفكير في تعدد الهويات والجماعات والتفكير الإشكالي في الذات. ومن هذه الزاوية تدخل مسألة الكرامة التي تصبح فيها الهوية جزءًا من كرامة الإنسان وتشكل هويته.

أما في المجتمعات الحديثة، فبات الفرد أكثر فرادة وفقًا لبشارة، حيث لم تعد الجماعات العضوية التي يولد فيها الفرد هي المكون الرئيسي في شخصيته، كما أنّها تتفكك في بعض الحالات، ويحصل ذلك لأنّها ناتجة عن تفكك المحددات الأوّلية بفعل الانتقال إلى المدينة للعمل والتعليم، ونشوء مؤسسات حديثة لها علاقة مباشرة بالفرد لا تقبل بوساطة الجماعة بينها وبين الفرد، وكلها تدخل في تشكيل هوية الفرد.

البعد النفسي والاجتماعي في تكوين الهوية

ويفصّل د. بشارة عاملين مؤثرين في تكوين هُوية الفرد، فأولًا هناك البعد النفسي وحتى الأخلاقي للشخص، بمعنى مدى أهمية الانتماء وإثبات الذات والتأكيد عليها مقابل الآخر، ومن ثم يأتي دور المجتمع وكيفية تعامله وتسامحه مع تعدد الهُويات، أي كيف يتعامل المجتمع مع انتماءات الفرد، ومدى التسامح في تعدد الانتماءات، وهل يوجد تشديد على هوية واحدة يجب أن تكون أساسية في قضية الولاء مثلًا.

ويشرح أنه في قضية الولاء، الدولة الحديثة تطالب بحد أدنى من الولاء لا يشاركها فيه أحد، وإذا دخلت القبيلة وطالبت بالولاء الرئيسي لها، يظهر صراع هويات حقيقي، وقد يدخل الفرد، إذا لم يكن متماسكًا، في أزمة هوية. وينبّه في هذا الإطار، إلى أنّ الدولة الحديثة هي مؤسسة تشريعية أولًا وتمارس السيادة على السكان والأرض، كما تحتكر العنف، وعلى الرغم من كونها بالتعريف مؤسسة قسرية لكن لا بد منها، واحتكارها للعنف هو استثنائي لمنع العنف والفوضى.

الهُوية العربية مسألة جامعة أساسها اللغة والثقافة المشتركة

من جهة أخرى، يرى بشارة أن الإنسان عند ولادته، بشكل عام، لا يختار هُويته الوطنية، وبالتالي يتعامل مع المؤسسات الموجودة انطلاقًا من مواطنيته. ويوضح أن العلاقات الاجتماعية والمؤسسية، تؤكد على الهوية كمواطن، سواء اختارها أم لا، وهذا يجعله بالتدريج يتبنى هذه الهوية، وتصبح الهوية المواطنية هوية موجودة.

متى تتحوّل المواطنة إلى هوية؟

وحول "صراع الهويات"، يركّز المفكر العربي في المحور الثاني من إطلالته ضمن "قراءة ثانية"، حيث يلفت إلى أنّ تعامل الدولة مع من ينتسبون إليها يحدد مدى تحولّ مواطنتهم إلى هوية أم لا، وبالتالي، فإذا كانت الدولة لا تتعامل مع الأفراد على أساس المواطنة، بل وفق نسبه وطائفته وهُويته الإثنية، سيؤدي ذلك إلى اهتزاز الهُوية المواطنية.

ويشرح فكرته بالقول إنّ المواطنة هي القضية الرئيسية، فإذا كانت الدولة تتعامل معها بجدية، في قضايا المساواة أمام القانون وفي الخدمات، فإنّ هذه المساواة تمنح الفرد شعورًا بأهمية المواطنة ويجعلها متينة ومهمة بالنسبة إليه وتأتي على رأس قائمة تعريفه لنفسه، بغض النظر عن عمر الدولة.

في المقابل، إذا كانت الدولة تتعامل مع الفرد عبر قناة طائفية أو زعماء طائفيين وبناءً عليها يتلقى الخدمات وتحدّد حقوقه، ففي هذه الحالة، تصبح هويته الطائفية أهم من هويته المواطنية التي تضعف إلّا إذا كان الشخص واعيًا جدًا فكريًا وأخلاقيًا.

وفيما يعتبر أن التمييز بين المواطنين يهمّش الهوية ويجعلها هشّة ما يسهّل حلّ عقدها في أي وقت، وتحديدًا في الأزمات، يلفت إلى أن دور الخدمات والمساواة بين المواطنين، ليس العامل الأهم في تكوين الهُوية، حيث يأتي البعد الثقافي أيضًا ليكثّف مفهومها، أو يجعلها ضامرة فقيرة.

ويشرح أن الدولة التي تحظى بعمق تاريخي، تكون قد كوّنت لدى المنتمين إليها بعدًا انتمائيًا ثقافيًا مشتركًا، في ظل نفس الإدارة على مدى حقبة زمنية طويلة، وفي هذه الحالة، تعطي الثقافة المشتركة متانةً أكثر للهوية. أما في حالات غياب هذا العامل، وبروز دور الاستعمار في تكوين البعد الثقافي، فيصبح العبء أكبر على الدولة لتأسيس هذا المفهوم، وبالتالي إعطاء بعد وجداني وثقافي للمواطنة.

المواطنة في العالم العربي

عربيًا، يلفت بشارة إلى أن مسألة المواطنة لم يتم تطويرها بعد، باستثناء بعض الدول النفطية الغنية، التي تمكنت من توزيع الثروات على المواطنين كما في حالة دول الخليج، لكن رغم ذلك، لا يمكن القول إن مسألة المواطنة بمعنى تساوي الجميع أمام القانون قد تحققت في العالم العربي، ويظهر ذلك في غالبية الدول العربية بوضوح لأنها لا تمتلك موارد لتوزيعها.

اللغة العربية ليست في خطر رغم المحاولات الكثيرة لسيطرة اللجهات المحلية وتصويرها على أنها لغات

وفي سياق شرح الانتماء إلى الوطن، يتطرق بشارة إلى الحالة المصرية، مشيرًا إلى التعقيد الموجود في هذا المجال، من حيث اختلاط الانتماء العربي أو المصري أو الطائفي، إذ يُصعب على المرء أن يعطي تعريفًا لهُويته، نظرًا لأمور خارجة عن إرادته وتتمثل بالدور الذي تلعبه الدولة ووسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية والتعليمية.

ويعود بشارة إلى السياق التاريخي هناك، حيث يلفت إلى أنّه في المرحلة الناصرية تم التشديد على الهوية المصرية العربية وتراجعت أو هُمّشت الهوية الطائفية. ويقول: حكمت مصر بداية القرن التاسع عشر سلالة محمد علي، وهو شخص لا يتكلم العربية وهو من أصل ألباني، وهو من أسس لمفهوم الدولة هناك.

ورغم ذلك، وخلال تلك الفترة، كانت اللغة العربية هي السائدة في المجتمع، كما أن أساس النهضة العربية بدأ في مصر وبلاد الشام، وبالتالي كانت الهُوية والثقافة العربية جزءًا من البلاد.

أما فيما يخص الهُوية الدينية، فيرى بشارة أنه في مرحلة نشوء القومية، لم يكن هناك اختلاف بين المصريين المسلمين والأقباط، وكان المهم بالنسبة للدولة الحفاظ على الدور القيادي لمصر في المنطقة عبر تثبيت هذه القومية العربية.

لكن داخليًا، شعر الأقباط مع الوقت بالتهميش بسبب إلغاء تاريخهم غير الإسلامي من مناهج التعليم، ومع تصاعد التيار الإسلامي في البلاد، باتت هذه الهُوية القبطية أساسًا لتعريف الأفراد عن أنفسهم كرد فعل وإثبات للذات، وبالتالي، وفق بشارة، هذه الهُوية متغيرة وفق تعامل المؤسسات معها.

يشدد الدكتور عزمي بشارة على أن الطائفية السياسية لعنة أصابت بعض الدول العربية
يشدد الدكتور عزمي بشارة على أن الطائفية السياسية لعنة أصابت بعض الدول العربية

بين النموذجين المصري والعراقي

ويؤكد المفكر العربي أن مصر مهيأة لتكون دولة ديمقراطية يتغلب فيها المواطنون على الشعور الطائفي، نظرًا للتجانس الإثني بين الأفراد، وعدم وجود شروخ اجتماعية عميقة تقسم المجتمع. ويعتبر أنّها من الدول المرشحة للديمقراطية لأنه لا يوجد فيها شروخ اجتماعية عميقة تقسم المجتمع عموديًا.

وفي نقيض ذلك، يبرز المثال العراقي، حيث تبرز التعددية الإثنية بين أكثرية عربية وأقلية كردية، إضافة لغياب هُوية عرقية عراقية، وبالتالي لا يمكن توحيد الجميع إلا عبر خلق حالة مواطنة، فهناك أغلبية عربية وأقلية كردية، ولا توجد هوية عراقية جامعة، والمواطنة هي الأمر الوحيد الذي يمكن أن يجمع السكان.

ويشير بشارة إلى أن غياب مفهوم المواطنة العراقية، أدى إلى انقسام المجتمع طائفيًا، حيث ثبت أن البديل للهوية العربية للغالبية في المشرق العربي، ليس هويةً محليةً، وإنما انقسام طائفي أو قبلي، فالهوية العربية هي الهوية الجامعة للأغلبية العربية.

ويلفت إلى أنه "إذا تعاملت الدولة مع المواطنين بالتساوي، بالرغم من الاختلافات المتعددة، يمكن أن تكون المواطنة متينة وتحافظ على وحدة العراق". ويؤكد على اعتبار أن المواطنة تتضمن الواجبات وهي وحدة من الحقوق والواجبات، وهي "مسؤولية وليست مطلبية فقط مع الشعور بالانتماء".

بين المواطنة والطائفية

انطلاقًا من الحالة العراقية، يشدد بشارة على ضرورة التمسّك بالهُوية العربية في عالمنا، لأن البديل عنها هي الطائفية.

ويؤكد أن الحالة الطائفية دخيلة على المجتمعات العربية، حيث برزت في الماضي حركات وطنية نضالية، جمعت أشخاصًا من مختلف الانتماءات الدينية من دون أي تمييز بينهم.

ويشدّد على أنّ النضال ضد الاستعمار خلق الانسجام الحقيقي، حيث ظهرت أحزاب قومية ويسارية تتشكل من كل الطوائف. ويلفت في هذا السياق، إلى أن الطائفية كانت موجودة فقط على صعيد مجتمعي داخلي متعلق بممارسة الطقوس، وتاريخيًا لم تكن مسألة عابرة للحدود كما في واقعنا الحالي.

الطائفية المجتمعية المحلية تختلف عن السياسية، لأنها تعاضدية تؤدي إلى تقديم الخدمات وإنشاء المدارس، وهي ظاهرة صحية بشكل عام

ويرى أن من لعنات احتلال العراق عام 2003، أن المشرق العربي بدأ يعاني من الطائفية، وهو ما بات واضحًا في سوريا، التي بدأت بثورة شعبية وحوّلوها إلى اقتتال طائفي، مشددًا على أن الطائفية السياسية أمر سلبي يضرب المواطنة ومفهوم الدولة.

"استثناء" الحالة اللبنانية

من هنا، يشير بشارة إلى أن الحالة اللبنانية استثناء وليست قاعدة في تجارب المجتمعات العربية، ولا سيما في المشرق العربي، لأنها لعبة طائفية قواعدها متفق عليها بالتوافق، كما أن نتائج هذه الطائفية واضحة في البلاد وأدت إلى منع تطورها وتقدّمها.

بناء على ذلك، يميّز بشارة بين الطائفية السياسية والطائفية الاجتماعية المحلية التي هي أقرب إلى تعاضديات اجتماعية يصفها بالظاهرة الصحية، حيث يقول: الطائفية المجتمعية المحلية تختلف عن السياسية، لأنها تعاضدية تؤدي إلى تقديم الخدمات وإنشاء المدارس، وهي ظاهرة صحية بشكل عام.

ويضيف: "لولا هذا التعاضد الاجتماعي لأفقر الناس وماتوا جوعًا، وهذا ما يجعل الناس تستمر في سوريا ولبنان، وهناك شيء أجمل مثل إنشاء أوقاف طائفية للمدارس التي يتعلم فيها أشخاص من جميع الطوائف أو مستشفيات يتعالج فيها ناس من جميع الطوائف، ولا أرى أن هذا شيء سيئ حتى لو لم يكن مناسبًا للغرب".

أما الإشكالية كما يقول بشارة، فتكمن في الطائفية السياسية التي تتعامل مع الدولة كغنيمة ومع أفرادها كقطيع، مؤكدًا أن الطائفية السياسية تضرب المواطنة والدولة، ونتائجها ماثلة في لبنان والعراق وسوريا.

الهوية الجامعة واللغة العربية

في سياق آخر، يوضح بشارة أن الهُوية العربية مسألة جامعة أساسها اللغة والثقافة المشتركة، من دون الرجوع إلى النسب كما كان يحصل في العصر الأموي.

ويشدد بشارة على أن اللغة العربية ليست في خطر رغم المحاولات الكثيرة لسيطرة اللجهات المحلية وتصويرها على أنها لغات، ويقول: "لا توجد دولة في العالم من دون لغة معيارية للقوانين والإعلام والتدريس، ومن هنا، لا بديل عن اللغة العربية".

ويعطي بشارة مثالًا على ذلك، ذاكرًا دولة جنوب السودان، التي لم تستطع الاتفاق على لغة واحدة مشتركة بعد الانفصال عن السودان.

ويلفت إلى أن بعض الجماعات تحاول الاحتفاظ بلغاتها القديمة، وهذا حقها، كما يحصل في بعض المناطق السورية المحافظة على اللغة السريانية، أو بعض مناطق المغرب العربي التي تحاول الحفاظ على اللغة الأمازيغية، مشددًا على أنها ليست بديلًا عن العربية.

وردًا على سؤال حول وصف المفكر في كتابه "في المسألة العربية: مقدمة لبيان ديمقراطي عربي"، لوحدة الهوية العربية بـ"الوهم" البعيد عن الوقائع، يشرح: لا يُمكن القول إن هناك وحدة عربية بين جميع الدول من المحيط للخليج، فهناك تفاوت وكل بلد يعتز بخصائصه وهذا ليس سيئًا.

ويخلص إلى أنّ هناك هوية عربية جامعة، لكنه يلفت إلى أنّ هذه الهوية متنوعة، وهذا واقع موجود ويجب الاعتراف به.


المصادر:
العربي

شارك القصة

تابع القراءة
Close