في وقت سابق من هذا الشهر، شهد الفلسطينيون قيام جرّار أحمر بسحب مقطورة بيضاء كبيرة بشقّ الأنفس عبر الطرق المليئة بالقنابل في جنوب غزة. ولم يُدرك الكثيرون منهم أنّها كانت واحدة من آخر شرايين الحياة الإنسانية في مواجهة الحصار الإسرائيلي الكامل.
واحتوت المقطورة على آخر مخبز عامل في غزة، والذي أُجبر نتيجة لأوامر الإخلاء الإسرائيلية، على الانتقال إلى مناطق أخرى في القطاع ليتمكّن من مواصلة عمله.
ويقول عمال الإغاثة لصحيفة "الغارديان" البريطانية، إنّ كمية الخبز التي يُمكن للمخبز إنتاجها لا تُمثل سوى جزء ضئيل من احتياجات سكان غزة.
واضطر المخبز المتنقّل التابع لمنظمة المطبخ المركزي العالمي" (WCK) إلى مغادرة مقرّه في خانيونس بعد إصدار جيش الاحتلال أوامر إخلاء لسكان المدينة الجنوبية، مع استئناف حربه على القطاع وانتهاكه اتفاق وقف إطلاق النار في منتصف مارس/ آذار الماضي.
"إنتاج محدود"
وجرى نقل المخبز إلى موقع جديد قرب دير البلح في الأول من أبريل/ نيسان الماضي. وبعد يومين، أصبح يُنتج 25 ألف رغيف خبز يوميًا. وهذا لا يُمثل سوى ثلث طاقة المخبز. لكنّ إنتاجه محدود بسبب نقص الدقيق نتيجة الحصار الإسرائيلي.
وأوضح رئيس عمليات منظمة "المطبخ المركزي العالمي" في غزة المعروف باسم شادي، أنّ المنظمة الإغاثية ستُحاول زيادة الإنتاج قدر الإمكان.
وقال شادي في مقطع فيديو تمّ تصويره في الموقع الجديد في دير البلح: "سيقوم فريق المطبخ المركزي العالمي بتوزيع هذا الخبز على القطاع الطبي والعائلات النازحة في قطاع غزة وموظفي الطوارئ والمتطوّعين".
وأضاف أنّ الوحدة المتنقّلة التي قدّمها الأردن في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، هي آخر مخبز يعمل في غزة، بعد أن اضطر برنامج الأغذية العالمي إلى إغلاق جميع مخابزه الـ25 هذا الشهر بسبب الحصار الإسرائيلي على المساعدات الإنسانية، بما في ذلك الدقيق.
وكانت المخابز تُغذي 800 ألف شخص قبل إغلاقها، ما فاقم الأزمة الإنسانية.
وقال شادي: "إنّ الطلب على الخبز أكبر بكثير من قدرتنا الحالية، لكنّنا نبقى ملتزمين ببذل كل ما في وسعنا من أجل سكان غزة حتى تنتهي هذه الأزمة".
من جهتها، قالت عبير عطيفة المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في الشرق الأوسط، إنّ أزمة الغذاء في غزة تفاقمت خلال الأسبوعين الماضيين منذ أن اضطرت المنظمة إلى إغلاق مخابزها بسبب نقص الدقيق والوقود.
وأضافت أنّ مخزونات الطرود الغذائية التي يُوزّعها البرنامج على العائلات قد نفدت، "وما تبقّى في السوق الآن قليل جدًا، وقد ارتفعت أسعاره بشكل جنوني".
"مرحلة الانهيار الإنساني"
واليوم الأربعاء، حذّر المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة من دخول مرحلة "الانهيار الإنساني" مع تفاقم أزمة الجوع وتوقّف المخابز ومحطات المياه عن العمل، ما يُنذر بخطر "وفيات جماعية" بسبب سياسة الحصار والتجويع الممنهجة التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي على سكان غزة منذ أكثر من ستة أشهر.
وشدّد المكتب في بيان، على أنّ القطاع "يعيش كارثة إنسانية حقيقية ومجاعة واضحة المعالم، يُهدد فيها الجوع حياة السكان المدنيين بشكل مباشر، وفي مقدمتهم أكثر من مليون و100 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، في ظل غياب الغذاء وشُحّ المياه، وتدهور المنظومة الصحية بشكل شبه كامل، وحرمان الناس من الحد الأدنى من مقومات الحياة".
ورجّح أن تتوقّف جميع المستشفيات عن العمل خلال الأسبوعين المقبلين بسبب انعدام دخول الوقود"، محذّرًا من خطر "وقوع وفيات جماعية في أي لحظة، بسبب الجوع ونقص الرعاية الصحية وانتشار الأمراض".
واستهدف الاحتلال أكثر من 37 مركزًا لتوزيع المساعدات، و28 تكية طعام وأخرجها عن الخدمة، ضمن خطة ممنهجة لفرض سياسة التجويع كأداة حرب ضد المدنيين.
وقال المكتب: "ما يجري في قطاع غزة ليس أزمة عابرة، بل جريمة تجويع منظمة ترتقي إلى جرائم الحرب، ترتكبها قوات الاحتلال الإسرائيلي بمشاركة وصمت دولي، حيث تتكدّس آلاف الشاحنات عند المعابر منذ أسابيع طويلة دون سماح الاحتلال بوصولها إلى مستحقيها.
ويُقدّر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، أنّ الوضع الإنساني في القطاع الساحلي هو الأسوأ منذ بدء الحرب قبل 18 شهرًا.
ويقول برنامج الأغذية العالمي إنّ مليونَي شخص أي جميع سكان غزة تقريبًا، يعتمدون على المساعدات الغذائية، وإنّ 90% من سكان غزة يُواجهون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي.